يوم الخميس الماضي احتفظت هيئة السكك الحديدية لنفسها بالحق لتحويل مواطنين أبرياء إلي رهائن، والغريب أن الموقف لا يزال مستمرا إلي كتابة هذه السطور. القصة بدأت عندما استقل الركاب القطار المتجه من الإسكندرية إلي القاهرة الساعة السابعة مساء، وهو قطار مباشر يقطع رحلته في ساعتين، أي من المفترض أن يصل إلي محطته النهائية في القاهرة الساعة التاسعة، لكنه اعتاد التأخير في الفترة الأخيرة إلي نحو التاسعة والنصف. ولكن المفاجأة أن القطار بدأ في التلكؤ، والتوقف إلي أن وصل القاهرة بعد الساعة الحادية عشرة مساء، أي قطع القطار رحلته في ضعف المدة المقررة. راكب لبناني بدأ يصرخ لأنه لم يعد في إمكانه أن يلحق بطائرته. سيدة مريضة تتأوه بصوت عال لأنها علي موعد مع طبيبها المعالج لغسيل الكلي. الركاب حانقون، غاضبون، ولا أحد يفسر لهم ما يجري. ناظر القطار يجري بين العربات، وعلي لسانه عبارة واحدة "السائق يستعبط"، وعنصر الأمن في القطار يقول إن هناك عطلا خارجًا عن إرادة السائق، وعمال القطار يقولون إن هناك قطارًا معطلا يحتجز طريق القطار المباشر إلي القاهرة. لا أحد يعرف الحقيقة سوي أن هناك مشاعر من الغضب، والشعور بالعجز، والقهر بلا مبرر. والأنكي أن مسئولا بالقطار قال إن المسئولين في محطة "الإسكندرية" علي علم بأن القطار سوف يتأخر، ولم يعلموا الركاب، أو يسمحوا لهم بحرية الاختيار في استخدام القطار من عدمه. وصل القطار إلي محطته النهائية بعد أن تعدت عقارب الساعة الحادية عشرة مساء. لم يكن محتملا ما حدث. تجمع بعض الركاب الغاضبين، وقرروا أن يحرروا محضرا بقسم الشرطة ضد رئيس هيئة السكك الحديدية، إلا أنهم اتفقوا في النهاية علي تقديم شكوي. ذهبنا إلي ناظر المحطة، كان مشغولا بتناول طعام العشاء، قال لنا: اكتبوا شكوي، وسوف أقوم باستلامها. حرر الركاب الضحايا شكواهم، ممهورة بتوقيعاتهم، وأرقام هواتفهم المحمولة، وأرفقوا تذاكر القطار بالشكوي المقدمة. استلم ناظر المحطة الشكوي، وقال اختاروا شخصا ليستلم إشعار الاستلام. كان هذا من نصيبي، وقد تركت بياناتي كاملة، بما في ذلك رقم هاتفي المحمول للمرة الثانية. مر أسبوع، ولم نسمع من أي مسئول بهيئة السكك الحديدية تفسيرا (ولا أقول اعتذارا) لما حدث، وكأن هؤلاء الركاب بشر بلا ثمن، رهائن لدي الشركة المسيرة لقطارات مصر. مأساة حقيقية. وهو ما يدعني أجزم أن مصير هذه الشكوي سلة المهملات. وفي الأسبوع الحالي لا تزال القطارات القادمة من الإسكندرية تصل متأخرة ساعة ونصف الساعة من موعدها، وكأن الأمر طبيعي لا يستدعي شكوي أو تفسيرا. في إحدي الرحلات المعتمة، سألت ناظر أحد القطارات عن السبب، فقال لي "الجرارات التي تم استيرادها فيها مشاكل، وكثيرا ما تتعطل في الطريق. هناك فوضي لا أحد يتحدث عنها في هيئة السكك الحديدية". عدت إلي الإعلانات السخيفة التي تستنزف المال العام، والتي تبشر أو بمعني أدق تكذب علي مشاهدي التليفزيون بأن هناك طفرة حدثت في هيئة السكك الحديدية، ولكن هل المطلوب تنظيف دورات المياه في حين تصل القطارات متأخرة ساعتين عن موعدها؟ أي طفرة تبشرنا بها هيئة السكك الحديدية؟ هل هي الطفرة التي حولت المواطنين إلي رهائن ولا أقول رعايا؟ فإن ركاب قطارات مصر لم يعودوا رعايا تسهر علي خدمتهم مؤسسة النقل الحكومية، لكنهم تحولوا إلي رهائن، يذوقون العذاب. وإذا تقدموا بشكواهم، لا تجد من يسمعهم، أو يفسر لهم ما يجري لهم، أو يقدم اعتذارًا عن المعاناة التي سببها لهم. ما هذه النرجسية، والكبرياء، واللا معني؟ لست في حاجة إلي تكرار ما سبق أن كتبته منذ أسابيع في "روز اليوسف" عن قطارات المغرب التي تنافس القطارات المصرية في ثمن التذاكر، لكنها تتفوق عليها في دقة المواعيد، ونظافة عربات القطار، ولياقة المعاملة. وإنني علي يقين أن ما أكتبه اليوم لن يكون له صدي، فقد كتبت كثيرا، وكتب من قبلي وبعدي العديد من الكتاب عن معاناة ركاب قطار السكة الحديد، ولكن من يسمع، خاصة بعد أن استمرأت العروس أن تتحدث عن نفسها في إعلانات تثير الاشمئزاز، ويتصورون أن بالإمكان الضحك علي ذقون الزبائن. ولا عزاء لمبدأ المواطنة الذي يزين المادة الأولي في الدستور. فإذا كانت هيئة السكك الحديدية تبلدت، فأين وزير المواصلات؟ هل يصدق الإعلانات التي يشهدها؟ يكفيه رحلة بالقطار ليعرف ماذا تبقي من ثاني أقدم سكك حديدية في العالم.