تراجع سعر الذهب في مصر مع بقيمة 15 جنيهًا    وزير البترول يبحث التعاون مع «أبيان كابيتال» لدفع الاستثمار التعديني في مصر    نتنياهو يحدد «خطوطا حمراء» للسلاح السوري.. ويعلن متحديا: لن نسمح بالاعتداء على الدروز    وفاة العشرات وإجلاء الآلاف بعدما غمرت مياه الأمطار المدن الباكستانية    أخبار الطقس في الكويت.. موجة حر شديدة.. الأرصاد تحذّر من التعرض المباشر لأشعة الشمس    أكاديمية ماسبيرو توقع بروتوكول تعاون مع المعهد الدبلوماسي بالخارجية    4 أندية ترغب في التعاقد مع وسام أبو على من الأهلى    دبلوماسي إثيوبي يفضح أكاذيب آبي أحمد، ومقطع زائف عن سد النهضة يكشف الحقائق (فيديو)    جامعة أسيوط... صرح أكاديمي متكامل يضم 19 كلية في مختلف التخصصات و5 معاهد بحثية متميزة    الأزهر يدين العدوان الإسرائيلي على سوريا.. ويحذر من ويلات الفرقة    الخميس المقبل إجازة مدفوعة الأجر للعاملين بالقطاع الخاص بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو    لاعب الأهلي: قطع إعارتي جاء في مصلحتي بسبب ريبيرو.. و«النجوم مصعبين فرصتي»    وزير الشباب يوجه برفع كفاءة أنظمة الحماية المدنية بجميع المنشآت الرياضية    إعداد القادة: تطبيق استراتيجيات البروتوكول الدولي والمراسم والاتيكيت في السلك الجامعي    غلق كلى لمحور حسب الله الكفراوى من محور الأوتوستراد بسبب تسريب مياه    توريد 515 ألف طن قمح بالمنيا منذ بدء الموسم    الحصول على ربح مفاجئ.. توقعات برج العقرب في النصف الثاني من يوليو 2025    استخدام القسطرة المخية الدقيقة لأول مرة بالمعهد الطبي في دمنهور    طريقة عمل الكريب في البيت بحشوات مختلفة    واتكينز يرحّب باهتمام مانشستر يونايتد رغم تمسك أستون فيلا    الداخلية تكشف قضية غسل أموال بقيمة 90 مليون جنيه    بين التحديات الإنتاجية والقدرة على الإبداع.. المهرجان القومي للمسرح يناقش أساليب الإخراج وآليات الإنتاج غير الحكومي بمشاركة أساتذة مسرح ونقاد وفنانين    سحب قرعة دوري الكرة النسائية للموسم الجديد ..تعرف علي مباريات الأسبوع الأول    وزارة الدفاع الروسية تعلن سيطرة قواتها على قرى في ثلاث مناطق أوكرانية    الأونروا: 6 آلاف شاحنة مساعدات تنتظر على حدود غزة.. والآلية الحالية لا تعمل مطلقا    مستوطنون يقتحمون باحات المسجد الأقصى .. والاحتلال يعتقل 8 فلسطينيين فى الضفة    «أزهرية القليوبية»: انتهاء تصحيح مواد العلوم الثقافية اليوم والشرعية غدا    للعام الثالث.. تربية حلوان تحصد المركز الأول في المشروع القومي لمحو الأمية    إسلام عفيفي: تراث مصر كنز معرفي.. والشراكة مع الإمارات تفتح آفاقاً جديدة    "IPCC" الدولي يطلب دعم مصر فى التقرير القادم لتقييم الأهداف في مواجهة التحديات البيئية    مدبولي يتابع خطة تحلية مياه الساحل الشمالي الغربي حتى 2050.. وتكليف بالإسراع في التنفيذ وتوطين الصناعة    بمنحة دولية.. منتخب الكانوى والكياك يشارك فى بطولة العالم للناشئين بالبرتغال    ترامب: كوكاكولا وافقت على استخدام سكر القصب في منتجاتها    ليفربول يقدم عرضا ضخما إلى آينتراخت لحسم صفقة إيكيتيتي    أصوات البراءة غرقت.. كيف ابتلعت ترعة البداري أحلام الطفولة لثلاث شقيقات؟    إغلاق حركة الملاحة الجوية والنهرية بأسوان بسبب سوء أحوال الطقس    التربية والتعليم تطلق حملة توعوية حول "شهادة البكالوريا المصرية" (فيديو)    ب«التسلق أو كسر الباب».. ضبط 14 متهما في قضايا سرقات بالقاهرة    شوبير يكشف مفاجأة بشأن موعد عودة إمام عاشور لتدريبات الأهلي    خلال زيارته لسوهاج.. نقيب المهندسين يلتقي المحافظ لبحث أوجه التعاون    بشرى لطلاب الثانوية العامة: الأكاديمية العربية تقدم كلية العلاج الطبيعي بفرع العلمين الجديدة    تشييع جثمان والدة الفنانة هند صبري ودفنها بعد صلاة عصر غد بتونس    احتفالاً بالعيد القومي لمحافظة الإسكندرية.. فتح المواقع الأثرية كافة مجانا للجمهور    فيلم الشاطر لأمير كرارة يحصد 2.7 مليون جنيه في أول أيامه بدور السينما    جامعتا القاهرة وجيجيانغ الصينية تبحثان تعزيز علاقات التعاون المشترك    كابتن محمود الخطيب يحقق أمنية الراحل نبيل الحلفاوى ويشارك في مسلسل كتالوج    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 17-7-2025 في محافظة قنا    ارتفاع حصيلة ضحايا حريق مول «هايبر ماركت» في العراق ل63 حالة وفاة و40 إصابة (فيديو)    الإسكان: كراسات شروط الطرح الثاني ل"سكن لكل المصريين7" متاحة بمنصة مصر الرقمية    قرار جمهورى بالموافقة على منحة لتمويل برنامج المرفق الأخضر من الاتحاد الأوروبى    نائب وزير الصحة يعقد الاجتماع الثالث للمجلس الأعلى لشباب مقدمى خدمات الرعاية الصحية    رئيس غرفة مقدمي الرعاية الصحية: بروتوكول تعاون مع الصحة لتفعيل مبادرة "الألف يوم الذهبية" للحد من الولادات القيصرية    ما الفرق بين المتوكل والمتواكل؟.. محمود الهواري يجيب    كيف نواجه الضغوطات الحياتية؟.. أمين الفتوى يجيب    أكذوبة بعث القومية العربية في عهد ناصر    رئيس كولومبيا: علينا التخلي عن الشراكة مع الناتو    دعاء في جوف الليل: اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة    لو لقيت حاجة فى الشارع اتصرف إزاى؟ أمين الفتوى يجيب (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مكاشفات نقدية جديدة فى إشكاليات محمد حسنين هيكل
نشر في روزاليوسف اليومية يوم 11 - 10 - 2009


الإبحار عاريا
ما الذي يتخيله هيكل عندما لا يري غير صورته وهو يستقبل ضمن وفد رسمي قبل أربعين سنة ونحن ندرك كم تهتم أي دولة بمستقبليها؟ وسواء باع الزعماء العرب أسرار الأسلحة الروسية لأمريكا أم لم يبيعوا ذلك، فهل كانت الولايات المتحدة الأمريكية عاجزة عن كشف أسرار دبابات تي 62 وغيرها من الأسلحة السوفيتية لتعتمد علي العرب في امتلاك تلك " الأسرار "؟ هل كان الاتحاد السوفيتي يبيع أسلحته للعرب فقط؟ وهل عجزت إسرائيل عن فك ألغاز الأسلحة السوفيتية، كي تكون تلك " الأسرار " عربون صداقة بين الزعماء العرب والولايات المتحدة الأمريكية؟ إلي متي نبقي نفجّر ألعابا سحرية ونضحك بها علي الناس، والبعض يعتبرونها قنابل يفجّرها الأستاذ من حين لآخر؟ وهي لا أساس لها من الصحة .. أو أنها تأتي نقلا عن اتهامات صحفية لهذا الطرف أو ذاك الطرف من العالم؟
الخلط من أجل تشويه الصورة
ويضيف معلقا: إن في السياسة قواعد وحدودا يجب أن تحترم ولا يجوز تقديم المصالح عليها أفريقيا: بعد أن كنا قادة في القارة الأفريقية ابتعدوا عنا تماما وصارت عندنا مشكلة في التعامل معهم غير قابلة للحل لم تعد هناك سلطة بإمكانها حجز شعبها عن العالم والأخبار والتطورات والإعلام ولا حجز نفسها بحيث لا تنتشر مشاكلها في كل العالم .
وهذا ما لم تفهمه بعض الدول إلي الآن، هناك علي سبيل المثال 2000 جريدة في الوطن العربي، و 95 فضائية عربية، و800 محطة فضائية يمكن التقاطها في العالم العربي . إن العالم يتعامل معنا علي أننا تاريخ، أي علاقات سابقة قديمة، وجغرافيا، أي موقع مهم، وتراث ولا يتعامل معنا سياسيا بل يدارينا سياسيا.
(يا للفضيحة) منذ ثلاثين سنة وضعنا كل الأوراق بيد أمريكا وقلنا إن 99 بالمائة من الحل للمنطقة بيد أمريكا، فماذا حصل وكيف نتصرف مع أمريكا اليوم وكيف تتصرف معنا؟ لقد استجاب العرب لكل مطالب أمريكا: سلام مع إسرائيل، خصخصة، ترك السلاح الروسي، حتي وصلت الطلبات الأمريكية إلي ما يمس سلطة الحاكم فبدأ الخلاف .
هذا ما يقوله، هنا نتوقف قليلا عند هذا " الطرح " الذي يري الأمور بالمقلوب جميعا! ما معني هذا الذي يسوقه محدثنا؟ هل يدري أنه يخاطب الناس في أمور شتي ولكن يخلط عاليها سافلها! إذا كانت هناك في السياسة قواعد وحدود ينبغي أن تحترم ولا يجوز تقديم المصالح عليها .. فلماذا خرقت الأنظمة الثورية العربية التي يتشدق بها هيكل كل القواعد والحدود في سبيل مصالحها المحلية والقطرية والإقليمية؟ ولماذا تدخّلت دول عربية في شئون دول عربية أخري؟ ولماذا سكت محدثنا عن بذاءات وشتائم وسباب كانت جميعها تكال في إذاعات معينة ضد سياسات دول عربية؟ أين القواعد والحدود؟ أين كانت مثاليات العسكر وهم يحكمون البلدان العربية وقد هاجموا كل القواعد والحدود في سياساتهم حجرا فوق حجر؟ ولماذا لم يشر محدثنا إلي أي سياسات لها حدود ومثل وأخلاقيات؟ أهي سياسات الداخل الأمنية والقمعية أم سياسات الخارج الكارثية؟
ومن قال إن هناك سادة لأفريقيا غير الاستعمار الأوروبي؟ ومن يقصد هيكل بسادة أفريقيا.. العرب أم مصر؟ متي رضي الأفارقة عن العرب حتي يغدو العرب سادتهم؟ هل قرأ محدثنا تاريخ أفريقيا الحديث والمعاصر كي يكتشف ما الدور الذي كانت إسرائيل ولم تزل تلعبه في أفريقيا؟ من قال إن الأفارقة كلهم كانوا قد رضوا بالتدخلات السياسية لبعض الدول العربية في شئونهم إبان الستينيات؟ إذا كانت القاهرة في الستينيات تستقبل القادة الأفارقة.. فإن طرابلس ليبيا أخذت تستقبلهم هذه الأيام .. ولكن ليس القادة الأفارقة من الغباء حتي يقبلوا بأن يكون العرب قادتهم؟!!
يا للفضيحة
ويتباهي صاحبنا بأن لدينا كماً هائلا من الصحف والمحطات الفضائية وأن العرب يستقبلون كماً أكبر من المحطات الفضائية العالمية.. وكأنه يتحدث عن أمة تعيش في مدارج العلا.. وهو نفسه الذي كان قد مسخ صورتها عندما قال بنسب الأمية التي تعشش في دواخلها السكانية، وهو نفسه الذي لا يعترف بالنخب المثقفة والمتخصصة التي تقرأ كتاباته وتمجّد سيرته ليل نهار.. وهو الذي يبدو أنه لا يدرك أن الإعلام شيء والثقافة شيء آخر! وهو الذي بدا لا يميز بين حالات الإدراك الحضاري المتبادل وبين حالات الوعي السياسي والاجتماعي والثقافي! إن المسألة ليست مطلقة يمكن أن نجعل أمة العرب في مصاف الأمم المتقدمة وننتقد العالم كيف أن " العالم، يتعامل معنا علي أننا تاريخ، أي علاقات سابقة قديمة، وجغرافيا، أي موقع مهم، وتراث ولا يتعامل معنا سياسيا بل يدارينا سياسيا .
( يا للفضيحة ) " - علي حد قول هيكل!!
لماذا كل هذا الاستياء يا صاحبي والعالم كله قد سمعك تبخس دور الدول العربية في العام 2005 عندما كنت تقيم دور العرب في السنة 2004 ! لماذا الفضيحة والأمر معروف علي أن العالم يتعامل معنا اليوم كتاريخ وتراث ولا يتعامل معنا سياسيا ! كيف يمكنه أن يتعامل معنا سياسيا إذا لم نحسن أن نتعامل مع بعضنا البعض سياسيا؟ لماذا الفضيحة يا صاحبي عندما يدارينا العالم سياسيا اليوم؟ ألم نعترف جميعا بضعفنا نحن العرب؟ ألم نعترف بأن المشكلة ليست في الآخر بقدر ما هي كامنة أسبابها في الدواخل؟ ألم تقرأ واقعك السياسي والاجتماعي والإعلامي وأنت تراه بالعين المجردة واقعا يسبّح باسم التاريخ وبحمد التراث؟ ألم تقف علي إعلامك العربي وهو في أقصي درجات تبلّده إذ لا يعرف أبداً أن يتعامل مع واقعه بالداخل ولا مع العالم الخارجي؟ ألم تر كيف كانت ردود الفعل علي أخطاء لم يساهم الزعماء العرب وحدهم فيها، بل شاركتهم النخب السياسية والفكرية والثقافية والجوقات الإعلامية والصحفية عندما يتم تأييد الجنون بمقارعة الامبريالية العالمية والتحالف مع الطغاة والجلادين من دون أي حكمة ولا أي موعظة حسنة.. ولم نسمعك أنت يا صاحبي تطالب بالعقلانية في معالجة الواقع .. بل كل ما سمعناه كان في قبض الريح!!
وتتساءل بعد كل هذا وذاك قائلا: منذ ثلاثين سنة وضعنا كل الأوراق بيد أمريكا وقلنا إن 99 بالمائة من الحل للمنطقة بيد أمريكا، فماذا حصل وكيف نتصرف مع أمريكا اليوم وكيف تتصرف معنا؟ لقد استجاب العرب لكل مطالب أمريكا: سلام مع إسرائيل، خصخصة، ترك السلاح الروسي، حتي وصلت الطلبات الأمريكية إلي ما يمس سلطة الحاكم فبدأ الخلاف .
وأسألك: بالله عليك، ألم تناد في اكثر من مكان بأن علي العرب أن يوازنوا مصالحهم من خلال الأمريكان؟ ألم تطلق أفكارك في هذا السبيل الذي انتقدك عليه العديد من القوي السياسية؟ ألم تصرّح بأن علي العرب أن يفهموا بأن أمريكا هي القوة الأعظم في العالم، ولابد لهم من لعبة التوازن؟ وأسأل: لماذا خلط المرحلة بين اليوم والأمس؟ وأسألك: متي لم يستجب العرب للأمريكان؟ وأسألك: لماذا خلط الأوراق بهذه الصورة البدائية التي لا يدركها إلا المدققون؟ لماذا خلط السلام مع الخصخصة مع ترك السلاح الروسي؟ لكل حدث زمن معين وظرف معين وسبب معين .. ثم نحن ندرك جميعا أن الطلبات الأمريكية وصلت إلي ما يمس سلطة الحاكم ليس قبل ثلاثين سنة .. بل بعد تداعيات أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، ولأسباب يعرفها القاصي والداني .. فلماذا هذا الخلط من أجل تشويه صورة معينة نعيشها اليوم.. وكأن الأمس كان ناصعا براقا لا شائبة فيه .. إن غيوم الأمس الداكنة السوداء هي التي أتت بكل مآسي الحاضر التعيس .
الإصلاح والتغيير
أما عن التغيير والإصلاح فيقول هيكل: التغيير إذا كان من الداخل فلماذا لم يأت حتي الآن؟
وإذا كان من أمريكا فهي حليفتكم منذ ثلاثين سنة وتفضل مصلحتكم فلماذا لا تقبلوا التغيير من طرفها؟ ولا ندري هل يعتبر هيكل الإصلاح والتغيير كذبة كبري؟ وهذا التغيير يجب أن يأتي برأي هيكل من قوي التغيير لكي نضمن أصالته واستمراره وهي قوي المجتمع المدني، المشكلة بين حكام العرب وأمريكا هي إما أن يفهموا سياستها أو لا يفهموها، وهم لم يفهموها !!! وبالمقابل يا محدثنا أن أمريكا - كما يبدو حتي الآن - لم تفهم واقعنا العربي ولا كيفية التصرف مع العرب .. بدليل سذاجة قوي سياسية عديدة لا تعرف كيف تدير عمليات ليس الإصلاح والتغيير، بل عمليات الصراع وإدارته . إن استراتيجية العرب في الحاضر والمستقبل تكمن أصلا في التغيير والإصلاح، ولكن إن كانت المجتمعات العربية رهينة بيد نخب ثقافية وإعلامية لا تقبل الإصلاح والتغيير، فإن ذلك لا يمكنه أن يحدث أبداً من الداخل، ولابد أن نعرف أن النظم الانقلابية والثورية والعسكريتالية العربية لم تتقدم بأي خطوات إلي الأمام ولم تمنهج حياتها من خلال التغيير الحضاري، بل اطلقت الشعارات الثورية الوهمية واحتكرت السلطة وارتهنت الحريات وكبلت الأفواه وحلت الاحزاب واغتالت الليبرالية العربية فكرا وسياسة .. ووقفت ضد القيم الاجتماعية وناهضتها مما خلق ردود فعل معاكسة .. وإذا كان الزعماء العرب المعاصرون لم يفهموا السياسة الأمريكية، فهل هناك من زعماء غيرهم في هذا العالم يفهمون ما استراتيجيات أمريكا في العالم؟ وهل أن هيكل نفسه يفهم ما الذي تريده أمريكا .. إنني أتحدّي أي سياسي عربي أو غير عربي أن يبرهن لي ما الذي تريده الولايات المتحدة الأمريكية خصوصا منذ انهيار الكتلة الاشتراكية وسقوط الاتحاد السوفيتي، وازداد الغموض تماما بعد كل الذي حدث في الحادي عشر من سبتمبر 2001 .
إن الإصلاح والتغيير ليس أجندة سياسية يقوم بها الداخل أو الخارج من أجل ترضية هذا أو ذاك، بل إنهما ضرورة تاريخية تحتمهما المستجدات الداخلية العربية عند بدايات القرن الواحد والعشرين .. إن النخب السياسية والمثقفة العربية ليست افضل حالا ولا أصدق لسانا ولا أعظم قدرا من الأنظمة السياسية العربية.. إنها تساهم مساهمة حقيقية وكارثية في الوقوف ضد الإصلاح والتغيير بدليل مواقفها الفاضحة من ظواهر كارثية في حياتنا العربية المعاصرة، وإنها ليست مسلوبة الإرادة كما تقول، بل إن لها دورها في الوقوف ضد كل فكر إصلاحي وضد أي قرار إصلاحي وضد أي أفكار جديدة .
قصور الخطاب .. وعجز اللغة
لقد اتعبنا جداً هذيان الرجل وهو لا يتورع في أن يبحر عاريا في تاريخ المنطقة بلا منهج ولا لغة ولا أي أسلوب ولا أي تفكير ولا أي ترابط عقلاني.. إنه هذيان لا يتوقف عنه هيكل، والعجيب في الأمر أنه يسمي نفسه بعميد الصحافة العربية وليس باستطاعته حتي اليوم وبعد مرور ستين سنة في مهنته أن يتكلم بعربية مبسطّة بعيدا عن لغته وعاميته المصرية التي برغم تحببها في الفن والأحاديث العادية، إلا أنها تشوه المعلومات.. كيف برجل قضي جل حياته في قراءة العربية وهو لا ينفك عن استخدام عاميته الجلفية التي يحتاج قارئها أو سامعها أن يفكر أكثر من مرة في تفسير ما يريد صاحبها لغويا، ومن ثم يتابع بنفس اللحظة ما يريده من مضمون القول .
إن خطاب هيكل اللغوي لم يزل قاصرا علي أشد ما يكون التقصير، فإن كان يدّعي أنه قد ألف وكتب عشرات الكتب باللغة العربية، فهل يعجز حقا عن أن يتكلم في التليفزيون بعربية مبسّطة سلسة ويبدّل وهو يتكلم كلمات، مثل: (بص) إلي انظر و(ها نبص) إلي سننظر، و(علشان) إلي بسبب و(يفضل) إلي يبقي و(مش هاقول ) إلي لا اقول و(عشان اعدي) إلي لأن أمر و(ييجيش) إلي يأتي و(طليت عليه) إلي اطللت عليه و( أي حاجة) إلي أي أمر و (فضلنا) إلي بقينا .. الخ من الكلمات التي اعتاد عليها الخطاب المحلي في مصر خصوصا منذ عهد الرئيس جمال عبد الناصر الذي كان هو نفسه قد اشاع هذا الأسلوب في خطاباته.. ولكن الفرق بين عبد الناصر وهيكل كبير، فالأول كان ضابطا عسكريا تولّي قيادة مصر وهو في السادسة والثلاثين من العمر، ولم تتح له حياته أن يتثّقف بالعربية كما هو شأن هيكل الذي برغم أنه لم يعرف العالم أنه قد حصل علي أي شهادة جامعية حتي اليوم، ولكنه غدا عميدا للصحافة العربية مذ اعتمد عليه الرئيس عبد الناصر وجعله وزيرا وبدأ يطلق عليه إمبراطور مؤسسة الاهرام .. فليس من المعقول أن يتقدم الرجل ليخاطب الملايين علي شاشة قناة الجزيرة الفضائية بلغة بائسة يخفي هذيانا مريعا في المعلومات ويحول التاريخ بقدرة قادر إلي وجهات نظر .. ولا نستقطب منه إلا خلطا وخبطا .. يلمعها بين الفينة والفينة الاخري بكلمات انجليزية من قبيل كلمة (حتي) التي يعقبها ب(Even ) أو استراتيجي التي يعقبها (Strategy) وغيرها .
الإسهاب والإطناب والاستطراد
إن محمد حسنين هيكل يهرب كما هو شأن غيره نتيجة ضآلة معلوماته إلي صناعة خليط عجيب من الكلمات والاستطرادات المضحكة. إنه يبدأ في موضوع معين وفجأة تجده يأخذك إلي موضوع ثان والثاني إلي ثالث وينسيك ما بدأ فيه.. وبعد هذه التي وتلك اللتيا، تجده يعود بك القهقري إلي موضوعه الأصلي الذي يكون قد افتقد نكهته عند القارئ ويكون هيكل قد ربح الجولة، بحيث يتفنن الرجل في أن يلعب بمستمعيه وبعواطفهم ذات اليمين وأفكارهم ذات الشمال .. وفي الآخر لا نخرج من حديثه بأي معني وبأي قيمة وبأي نتيجة ! إن موضوعا معينا يمكن أن يختزل بما قل ودلّ .. إياك أن تضعه في فم هيكل إذ يأخذ به ليمطه ويستطرد به ويسهب فيه اسهابا لا معني له ويبقيك في عالم مقفل من الالفاظ وصناعة كلام فارغ وفي الآخر لا تخرج إلا بقبض الريح .. لا تنتهي معه إلا أن تقول إن الرجل يهذي وهو فنان في صناعة الهذيان.
لقد استمعت مرة إلي لقاء تليفزيوني أجري مع الدكتور طه حسين وكان قد وصل من الكبر عتيا.. فكم كانت المتعة كبيرة وأنت تسمع إليه والي لغته المحكمة وإلي اسلوبه الرائع وكلماته المرصوفة وإلي جملة من معانيه الجميلة .. وبعربية صافية لا غبار عليها .. ولقد استمعت مرة إلي لقاء تليفزيوني آخر أجري مع الفنان محمد عبدالوهاب في سلسلة من حلقات وبالرغم من لغته المصرية العامية، إلا أن لغته صافية ورجع حديثه كان جميلا وأن ترتيبه للعبارة كان رائعا.. فلماذا لا نجد هذا وذاك في محمد حسنين هيكل الذي ليس باستطاعته حتي اليوم وقد بلغ من الكبر عتيا أن يأتينا بلغة سلسة مترابطة وجميلة؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.