ليلي علوي زارت كندا الأسبوع الماضي ضمن فاعليات مهرجان الفيلم المصري في أوتاوا. عرض في الافتتاح فيلم خالد الحجر "حب البنات" بطولة ليلي علوي وحنان ترك وأحمد عز وخالد أبو النجا. وتلي ذلك عروض لأفلام "معالي الوزير" لسمير سيف و"طباخ الريس" لسعيد حامد و"واحد من الناس" لأحمد نادر جلال. المهرجان من تنظيم المكتب الإعلامي المصري برئاسة المستشار النشط السيد الهادي بالاشتراك مع معهد الفيلم الكندي والمنظمة المصرية الكندية بأوتاوا. طلب مني سيادة المستشار تقديم حفل الافتتاح بصفتي أستاذة سينما ووافقت عن طيب خاطر فالمستشار من أنشط المستشارين الذين التقيت بهم في كندا تقع علي عاتقه كثير من المسئوليات ونادراً ما تتوفر له الامكانيات المناسبة لتحقيق ما يحلم به من أنشطة. سبقت هذه الزيارة استعدادات مكثفة لاستقبال ليلي في مونتريال والاحتفاء بها في أوتاوا. لم يكف الناس سواء مصريين أو عربًا عن السؤال عن موعد مجيء ليلي والتأكد من مكان العرض، وهم بين مصدق ومكذب، كأن الخبر مجرد إشاعة لتخفيف وطأة الغربة علي نفوسهم. في اللقاءات العامة وبين الأصدقاء كانت التعليقات تتراوح بين تذكر أهم وآخر الأفلام التي لعبت بطولتها الفنانة المحبوبة وبين التساؤل عن السينما في مصر وعن التفاوت الهائل في المستوي الذي وصلت إليه الأفلام المصرية التي يشاهدها العرب هنا علي قناة الإيه أر تي. في صباح يوم الافتتاح اتصلت بالمستشار السيد الهادي لأطمئن علي وصول ليلي إلي كندا وكان بعض الأصدقاء في انتظار تأكيد الخبر من جانبي. جاءني صوته علي الهاتف مبتهجاً يقول نعم وصلت مونتريال أمس واليوم هي في أوتاوا. شعرت فجأة بدفقة حماس وفرح طفولي وكأن المساء يعدني بشيء مبهج، شيء يذكرني بفرحة العيد...عندما كنا ننتظر بفارغ الصبر حلول الصباح لنرتدي ثوب العيد ونستقبل الضيوف علي مدار اليوم، نفتح الباب بنفس الحماس كل مرة ونسأل بنفس الشوق عن الأخبار ولا يفوتنا الاطمئنان علي الصحة وتقديم أحلي ما عندنا للضيف، أحلي كلمة وأشهي طبق وأجمل ابتسامة. ببساطة أصبحت تلك الفنانة التي كنت اعتبرها بعيدة عن دائرة معارفي القريبة وأنا في مصر، وكأنها من باقي العائلة. وكأنني أعرفها منذ طفولتي، وكأنني أريد أن أريها بيتي وأسألها إن كانت تحب مدينتي وأدعوها لزيارتنا ثانية بعد انتهاء العيد. وكأن ليلي ضيفتي أنا شخصياً وكأن الناس الذين سألتقي بهم في المساء من نفس العائلة وكلهم سيرحبون بها مثلي تمامًا، بحب ووحشة كبيرة. في المساء نفسه، اجتمع جمهور خليط من الكنديين والعرب عند مدخل قاعة المكتبة القومية الكندية في انتظار وصول الفنانة...ألمح اللهفة والترقب في بعض العيون والتململ من الانتظار في عيون أخري. وتأتي الساعة السابعة وتأتي ليلي علوي بصحبة السفير المصري شامل ناصر ورجال ونساء السفارة، وفد رسمي يحيط بها وهي تتألق بابتسامتها الرائقة وثقتها وهدوئها وأناقتها. بدت في أفضل صورة وهي تقول لي إنها سمعت كثيراً عني، لابد أن الاسم ذكرها بالعائلة السينمائية التي أنتمي إليها، ولابد أن المستشار السيد الهادي حدثها عن كوني سأقدم حفل الافتتاح. ولكن ثمة شيء آخر، ثمة معرفة من نوع آخر تتوطد بين الناس بغض النظر عن الأسماء والوظائف. علي الفور تحلق حولها المصورون والصحفيون ثم بدأت المراسم بكلمة لمدير معهد الفيلم الكندي وتوالت كلمات الترحيب وقدمت بدوري ليلي علوي للجمهور مشيرة إلي أهم أعمالها ولكونها فنانة تتمتع بشعبية كبيرة وفي نفس الوقت شاركت في عدد من الأفلام المصرية المتميزة علي مدار العشرين سنة الماضية، بدءاً من "خرج ولم يعد" مروراً ب "سمع هس" و"يا مهلبية يا" و"تفاحة" و"المصير" وحتي "بحب السيما"...ثم صعدت ليلي إلي المسرح وتحدثت عن سعادتها بتكريمها في أوتاوا وعن أمنياتها باستمرار المهرجان وشكرت كل من ساهم في تنظيمه كما أشارت إلي ضرورة تقديم السينما العربية للجمهور الكندي وتمنت أن يقدم المهرجان في الأعوام التالية أفلاماً مصرية وعربية. في اليوم التالي شاركت ليلي في لقاء مع أعضاء الجالية المصرية والعربية في فندق شيراتون وتحدثت عن أفلامها وعن أوضاع الإنتاج في مصر وأبدت رأيها في ضرورة أن تتكفل الدولة بحماية السينما المصرية وحقوق المؤلف والمنتج المصري. ببساطة وعفوية أجابت عن كل الأسئلة بما في ذلك سؤال عن أول مرتب تقاضته من الإذاعة وهي طفلة وأول مرتب في السينما عن دورها في فيلم عاطف سالم "البؤساء". وبوضوح وحسم عبرت عن موقفها ممن يهاجمون السينما باعتبارها أداة تربية فقط وقالت إن الأساس هو أن السينما فن يدافع عن الحرية وهو المطلب الأساسي لأي فيلم. في مساء نفس اليوم، قدمت بصحبة ليلي فيلم "معالي الوزير" بحضور مدير معهد الفيلم الكندي. تحدثت باختصار عن فن السينما في مصر وتحدثت ليلي عن الفنان الراحل أحمد زكي وعن أهم أفلامه وأيضاً عنه كإنسان. ثم خرجنا للعشاء في مطعم قريب بصحبة عدد قليل من المعارف (تعرفت أثناء ذلك علي أخت ليلي الرائعة وابنتيها) وازددت قرباً من ليلي وعائلتها الرقيقة وكأنها أصبحت فعلاً ابنة خالتي (وأنا لم تكن لي ابنة خالة أبداً) وكأني انتخبتها لهذا الدور من سنين دون أن أدري. تبادلنا الحديث عن العائلة وصور الأولاد وأرقام الموبايل وتواعدنا علي لقاء في القاهرة في ديسمبر... هكذا، في يومين اثنين، حصلت صداقة! وكأن القاهرة لن تكون ممكنة في ديسمبر لو لم نلتق ثانية، ثلاثتنا. ولكن بعد تفكير، أقول وحتي لو لم نلتق لأن الحياة تأخذ الواحد منا في كل اتجاه، لا بأس، لقد عرفت كل منا الأخري وتركت أثراً لذكري طيبة. ذكري ليلة عيد وفرحة واكتشاف وتواصل رغم المسافات... أو بسببها.