في الرابع من أكتوبر سنة 1917، وبعد أن تجاوز الستين بعامين رحل المطرب والملحن ذائع الصيت سلامة حجازي، أول مصري يؤسس فرقة مسرحية ويتجول بها داخل الوطن وخارجه، والعلامة الشامخة التي تقترن بالنجاح والشعبية في عالم الموسيقي فما أكثر الذين لم يسمعوا له أغنية واحدة، لكنهم يعرفون قيمته جيدا، تماماً كما هو الحال مع عبده الحامولي ومحمد عثمان ويوسف المنيلاوي وغيرهم من أفذاذ المبدعين الخالدين في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين. ولد الشيخ سلامة بحي رأس التين في مدينة الإسكندرية، واحترف قراءة القرآن الكريم، كما عمل مؤذنا في مسجدي البوصيري وأبي العباس المرسي، ثم اتجه لإنشاد قصائد الذكر وصولا إلي القاهرة حيث انضم إلي فرقة القرداحي، ومنها إلي فرقة خليل القباني، مشاركا في بطولة مسرحيات كثيرة منها هاملت وصلاح الدين الأيوبي، وشهداء الغرام. بعد أن ذاعت شهرته كون سلامة حجازي فرقته مسرحية تحمل اسمه واندمجت فرقعة مع جورج أبيض، ثم انفصلا بعد أن قدما عددا من المسرحيات الشهيرة، أبرزها الحاكم بأمر الله ومصر الجديدة وفي سبيل الوطن. مما يذكر في تاريخ العملاق سلامة حجازي أنه حظي بإعجاب الممثلة العالمية سارة برنار عند زيارتها للقاهرة، وقد بلغ في حبه للفن، مسرحا وغناء أنه لم ينقطع عنه أو يفكر في الاعتزال بعد الاصابة بالشلل، وظل إلي اليوم الأخير من حياته ملتزما بإسعاد جمهور مسرحه الغنائي، والأغلب الأعم من هذا الجمهور كان يبحث عن الغناء والطرب أكثر من انشغاله بالمسرح. سلامة حجازي الشيخ الفنان، صفحة مشرقة في تاريخ الفن المصري، وما أكثر الشيوخ الفنانين الذين تربوا في أحضان الأزهر، ولم يجدوا حرجا في احتراف الفن الذي يهذب الروح ويرتقي بالوجدان ويغسل القلوب من عكارات وسخافات الحياة، ما بالهم إذن يصنعون في أيامنا هذه تناقضا وهميا بين الدين والفن، وبين الدين والحياة أيضا؟!