بالتركيز علي طريقتي "الحامدية الشاذلية" و"الخليلية" بحث د. عمّار علي حسن في كتابه "التنشئة السياسية للطرق الصوفية في مصر" فيما هو مرفوض ومستبعد للوهلة الأولي وهو إمكانية ربط السياسة بالصوفية، بل يذهب إلي ما هو أبعد من ذلك أن التصوف يقي السياسة من الفساد، لذا يبدو أن المؤلف ليس من دعاة فصل الدين عن السياسة إذا كانت علاقة الدين بالسياسة ستفضي إلي نتائج يوتوبية حالمة عادلة كتلك: "إن أساس الفساد في التجربة السياسية هو أن تكون مقطوعة الصلة بتجربة صوفية من الأساس، إذا يقل رجوع السياسي لذاته وترويضها ومجاهدتها حتي لا تقع في أمراض السياسة وعلي رأسها حب الجاه والتسلط". التصوف سلاح أمريكا ضد "القاعدة" هدفت الدراسة - التي استغرقت 16 عاما وكانت أطروحة للماجستير ثم توسّع فيها الباحث بواسطة الملاحظة بالمشاركة في الموالد والاحتفالات الصوفية، إلي تحليل الدور الذي تلعبه الطرق الصوفية المصرية - باعتبارها أقدم تاريخيا من الجمعيات الأهلية في مصر - في تشكيل الثقافة السياسية المصرية، من خلال تحليل لغة الصوفية والقيم السياسية الإيجابية التي تغرسها في نفوس وعقول أتباعها ومنها الحرية، العدالة، المساواة، الانتماء، الانخراط، والتسامح، ويشير د. عمّار إلي تبني الولاياتالمتحدة استراتيجية لتعزيز التصوف في الدول العربية والإسلامية في حربها ضد الإرهاب ومواجهة التنظيمات السياسية ذات الإسناد السياسي ومنها "القاعدة"، لكنها سياسة وفق عمّار محكوم عليها بالفشل. دين الحرافيش والعلمانيين يقول د. عمّار إن المتعجل وحده هو من يجزم بتنافر السياسة والتصوف، علي اعتبار أن السياسة عملية اجتماعية تحوي لعبا قذرة، بينما التصوف تجربة ذاتية انكفائية تبتعد عن السياسة وغيرها من مشاغل الحياة، لكن المؤلف يؤكد أن السياسة والتصوف منظومتان متداخلتان في علاقة تفاعل وتبادل، وأن الطريقة الصوفية تحقق وظائف سياسية غير مباشرة، فالتصوف ليس في أساسه دينيا صرفا، بل ظاهرة شعبية "دين الحرافيش" يمكن أن تكون قد نشأت كرد فعل لوضع اجتماعي أو سياسي سييء ومرفوض دفع البعض إلي الزهد وتفضيل العزلة علي الانخراط في الفساد، إلي جانب أن التدين شكّل عند البعض ومنهم الحركات الدينية المسيسة إحدي قيم الثقافة السياسية التقليدية، وأخيرا يكفي إحساس مريدي الطريقة بالتضامن والانتماء إلي جماعة أو تنظيم حتي ولو كان غير سياسي. يدعو الباحث لاعتبار الصوفية معادلاً دينياً للديمقراطية السياسية بما تحض عليه من تسامح وتحرر وانفتاح، ورغم أنها كيانات اجتماعية تقليدية كما يراها لكن ذلك لا ينفي عنها المساهمة في عملية التحديث. ودليله علي ذلك أن الطرق الصوفية عموما والمصرية خاصة خالفت كل التوقعات باندثارها، وكانت الاستمرارية من نصيبها عن غيرها من أشكال التعبير الديني الأخري مثل علم الكلام والفقه والتفسير، بل ضمت بين مريديها أكثر الفئات الاجتماعية والمهنية تحديثا أو حداثة، أو ما لم يشأ المؤلف قوله أكثرها علمانية ومدنية. يدلّل أيضا بترك ظاهرة التصوف "الصوامع" لتصبح أقرب إلي "الفلكلور" منها إلي الدين، ومن مجرد شحنات عاطفية تجيش بها صدور الزاهدين، إلي مؤسسات اجتماعية لها قوانينها، ليؤكد أنه لم يعد التصوف حالة من الزهد والتعبد الفردي، بل صار مؤسسات ضخمة عابرة للقارات، إلي درجة تعاون بعضها مع الاستعمار، فضلا عن جزء ظلّ عالة علي المجتمع، وجزء ثالث ارتبط بالحكّام وجهاز الدولة الأمني ب"حبل سري" واتكأت عليها السلطة لكسب الشرعية. وما يتوصل إليه الباحث أن الأديان بطبعها تنزع إلي السياسة، ووفق هذه الفلسفة يؤكد إمكانية الجمع بين الرباط الروحي والممارسة السياسية، والمزاوجة بين الإصلاح السياسي والإصلاح الديني، خاصة مع تنامي المد الأصولي، بدون أن تنتهك السياسة حرمة الأديان، مع التفرقة بين "تديين السياسة" و"تسييس الدين"، فالأول مقبول من أجل تهذيب حركة السياسة، أما الثاني فيجب رفضه علي الإطلاق، لأنه ينتج أنواعا وألوانا سياسية من التلاعب والتلفيق. الدور السياسي لشيخ الأزهر كانت مادة الكتاب فرصة لمراجعة أمور مهمة منها تحولات الدين، وعلاقة شيوخ الأزهر بالسياسة، فيتوصل عمار من خلال استعراض تاريخ الأزهر الممتد لأكثر من عشرة قرون وربطه بالأحداث السياسية التاريخية التي مرّت بمصر، إلي أن الأزهر ولد من رحم السياسة مرتديا ثوب الدين، لمحاربة التشيع والمذهب السني.