التناقض من أبرز سمات الحكومة الحالية، لأنه في الوقت الذي يشكو فيه الوزراء من زيادة عدد الموظفين في مصر وما يمثله ذلك من أعباء علي موازنة الدولة نجد نفس الوزراء وبعض المحافظين ورؤساء الجامعات ومن في درجاتهم..! يستعينون بالأقارب والأصدقاء للعمل في وظيفة مستشار ومفيش رئيس شركة من شركات قطاع الأعمال إلا وله عدد من المستشارين الذين يساعدونه في كتابة مبررات لخسائر الشركة..! وبلغت الظاهرة درجة في الفجاجة تشعرك بأنه لم يعد هناك من يحاسب علي إهدار المال العام في وضح النهار! ولقد قدر البعض أن عددًا يشغلون وظيفة مستشار بالجهاز الحكومي بعد ممن آلاف مستشار يتقاضون أكثر من مليار و200 مليون جنيه سنويا!.. وقد ذكر الدكتور أحمد درويش وزير الدولة للتنمية الإدارية في حوار بإحدي المجلات الأسبوعية أن هناك بالفعل وظيفة مستشار (أ) ومستشار (ب) وتشمل من يتم التجديد لهم بعد انتهاء خدمتهم الوظيفية كما أنه يتم الاستعانة ببعض المستشارين في عدد من الوزارات وقدر معاليه عدد المستشارين في الجهاز الحكومي بحوالي 1800 مستشار فقط! وكما هي العادة لا توجد في المحروسة معايير لاختيار المستشارين أو توصيفهم.. لذلك فإن معظمهم يتم اختيارهم من الأصدقاء أو الأقرباء أو المعارف وعلي الأقل بلديات للوزير أو رئيس الهيئة أو المؤسسة أو الجامعة أو الشركة!.. وباستثناء السادة أعضاء مجلس الدولة فإنه وعلي حد علمي لا يوجد نص قانوني يحدد مهام المستشارين ولا رواتبهم. والمقابل المالي الذي يتقاضاه بعض المستشارين يتراوح بين عدة آلاف إلي 100 ألف جنيه شهريا بالإضافة إلي عدة ميزات عينية مثل السيارات والسفريات للداخل والخارج وما قد يصاحبها من بدلات.. وأنا أعرف عدد ممن يطلق عليهم المستشارون يسافرون عدة مرات سنويا للخارج تحت مسميات مختلفة (دعوة- زيارة- مهمة)..! والمصيبة الكبري أن البيانات الرسمية وقرارات تعيين المستشارين في الجامعات وبعض الجهات الرسمية قد تخلوا من قيمة الراتب الذي يحصل عليه المستشار وهذه تعد ميزة لهم وتحايل من صانع القرار لأن في هذه الحالات يتم دفع مكافآت لهم تقدر بآلاف الجنيهات من الحسابات الخاصة وأموال الشعب. والملاحظ أن معظم المستشارين في بلدنا تجاوزت أعمارهم سن نهاية الخدمة بسنوات.. ونادرا ما نسمع عن مستشار لا يزال علي رأس العمل في الخدمة.. والذي لا أفهمه هو قيام بعض رؤساء الجامعات بتعيين مستشارين لهم من خارج الجامعة مع العلم بأنه من المفروض أن الجامعة عقل المجتمع ومخزن ثرواته العقلية، فكيف يعقل أن يعين مستشار قانوني لرئيس الجامعة من خارج الجامعة والجامعة فيها كلية حقوق غنية بأساتذة القانون، أو تعيين مستشار هندسي في جامعة فيها كلية هندسة أو تعيين مستشار طبي في جامعة فيها كلية طب؟!.. والموضة الجديدة الآن هي تعيين مستشار للتعليم المفتوح في الجامعة مع أن كل جامعة فيها نائب رئيس جامعة علي رأس قطاع للتعليم فيه أكثر من موظف بدرجة مدير عام!.. وبعض الجامعات فيها مستشار لمركز الطب النفسي!.. ويشاع أنه سيتم تعيين مستشار في بعض الجامعات لشئون طلاب ماليزيا!.. ولذلك فإنه ليس من المستبعد أن يتم مستقبلا تعيين مستشار للذكورة وآخر للأنوثة،، ومستشارين في باقي المجالات والتخصصات التي يصعب حصرها!.. والتفاف المستشارين حول رئيس المؤسسة أو الجامعة جعلهم يمثلون مراكز قوي وعقبة أمام سير دولاب العمل اليومي في الجهة التي يعمل بها ويستخدم مسماه الوظيفي -مستشار- في تحقيق مصالح شخصية وإرهاب العاملين في الوزارة أو الجامعة أو الهيئة الحكومية لأن مفيش قرار يتم إلا بعد العرض عليهم.. ولذلك بات الرأي العام داخل المؤسسات يكرههم لأنهم ليسوا مستشارين للمؤسسة بل مستشارون لمن يدفع لهم المكافآت وصارت مهمتهم الرئيسية تقنين رغبات الممول الذي يوفر سبوبة من أموال الدولة وعلي حساب الشعب. وكم أتمني أن يبادر الدكتور نظيف بإلغاء وظائف المستشارين في المؤسسات الحكومية قدر المستطاع واختيار قيادات مدربة ومؤهلة لإدارة المؤسسات المختلفة بدون مستشارين كما اقترح علي دولة رئيس الوزراء إنشاء مكاتب استشارية الكترونية داخل القرية الذكية لخدمة القيادات الفتية التي تفتقر للخبرة والمهارة!.. وتوفر فلوس المستشارين وتعين بها أولادنا وبناتنا العاطلين وفي وقت يدوخ فيه المتفوقون وحملة الدرجات العلمية الرفيعة السبع دوخات للحصول علي وظيفة، أي وظيفة، وبدون جدوي.. علشان كده بنقول وبنعيد كفانا مستشارين لأن في ظل تواجدهم وكثرة عددهم تفشي الفساد وازدادت معدلات البطالة وتدهور الاقتصاد كما تدهورت منظومة التعليم وحدثت أزمة الخبز والماء.. ولو كان المستشارون شاطرين ماكانش كل ده جري!.. وبالمناسبة أذكر دولة رئيس الوزراء بأن الرئيس السادات كسب حرب أكتوبر بعدما طرد المستشارين الأجانب.