انتخابات مجلس النواب 2025.. محافظ أسوان يقود مظاهرة في حب الوطن خلال جولة الانتخابات    انتخابات النواب 2025.. رئيس مدينة مرسى علم يتفقد سير عملية التصويت    بث فيديو الاحتفال بالعيد القومي وذكرى المعركة الجوية بالمنصورة في جميع مدارس الدقهلية    وزير الخارجية: الدول الخليجية شريكة لمصر في تحقيق التنمية الشاملة    بعد الزيادة الأخيرة.. كم يسجل سعر الذهب اليوم الاثنين 10 نوفمبر 2025 وعيار 21 الآن؟    بعد زيادة أسعار المحروقات.. ارتفاع أسعار النقل والمواصلات ب20.5% خلال أكتوبر الماضي    كامل الوزير: النقل والصناعة وجهان لعملة واحدة.. والسياسة تعتمد على بنية تحتية قوية    سعر الجنيه السوداني أمام الدولار بمنتصف تعاملات اليوم الإثنين    صحة غزة: دفن 182 جثمانا لمجهولين من الجثامين المستلمة من الاحتلال    مقتل 32 سجينا بعد اندلاع أعمال شغب في سجن في الإكوادور    ترامب يعفو عن جولياني وآخرين متورطين في محاولة إبطال نتائج انتخابات 2020    رويترز نقلا عن مصدرين مطلعين: سوريا أحبطت مؤامرتين من تنظيم داعش لاغتيال الرئيس أحمد الشرع    روني ينتقد محمد صلاح بعد الخسارة أمام مانشستر سيتي    ضبط شخصين يعلنان عن نفسهما عبر تطبيق هاتفي لممارسة أعمال الفجور بالإسكندرية    الداخلية تنقذ 17 طفلا جديدا من التسول بالجيزة.. وضبط 11 شخصا    تأجيل محاكمة المتهمين بقتل تاجر الذهب لجلسة 16 ديسمبر المقبل    تأجيل قضية مقتل تاجر مصوغات رشيد إلى منتصف ديسمبر لسماع المرافعة    سحب 837 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكترونى خلال 24 ساعة    مصرع صياد وإنقاذ اثنين إثر حادث غرق مركب أمام سواحل بورسعيد    تطورات الحالة الصحية للفنان محمد صبحي بعد دخوله الرعاية المركزة    فيديو.. ياسر جلال يعتذر عن تصريحه بشأن إرسال صاعقة جزائرية لمصر بعد حرب 1967    الأوبرا تشارك فى احتفالات اليوم العالمى للطفولة    انطلاق فرق التأمين الطبي لانتخابات مجلس النواب بالوادي الجديد    مسيرة لدعم المشاركة في انتخابات مجلس النواب بقنا | صور    واشنطن تتفادى الأزمة.. رويترز: مجلس الشيوخ الأمريكي يقر مشروع قانون لإنهاء الإغلاق الحكومي    نفذوا جولات استفزازية.. مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى    وزير النقل: ربط مصر بالدول العربية والأفريقية والأوروبية يحقق تكاملا اقتصاديا حقيقيا    راحة 5 أيام لفريق الأهلي بعد التتويج بالسوبر.. وتوروب يغادر إلى الدنمارك    حالة الطقس اليوم الاثنين 10-11-2025 وتوقعات درجات الحرارة في القاهرة والمحافظات    خبر في الجول - سيراميكا كليوباترا يبدأ مفاوضات تمديد عقد مروان عثمان    ماذا يحتاج منتخب مصر للناشئين للتأهل إلى الدور القادم من كأس العالم    الزمالك يترقب القرار الرسمي من فيفا لإيقاف القيد بسبب قضية ساسي    «القوس» هيقع في الحب وتحذير ل«السرطان» من قرارات مالية.. توقعات الأبراج لهذا الأسبوع    «توت عنخ آمون» تواصل خطف الأضواء من باقي قاعات المتحف المصري الكبير    معلومات الوزراء: المهارات المطلوبة لسوق العمل تتغير بوتيرة غير مسبوقة    الرعاية الصحية: لدينا فرصة للاستفادة من 11 مليون وافد في توسيع التأمين الطبي الخاص    وزارة الصحة: تدريبات لتعزيز خدمات برنامج الشباك الواحد لمرضى الإدمان والفيروسات    اليوم.. العرض الخاص لفيلم "السلم والثعبان - لعب عيال" بحضور صناع العمل    تنوع الإقبال بين لجان الهرم والعمرانية والطالبية.. والسيدات يتصدرن المشهد الانتخابي    مشاركة نسائية ب«لجان 6 أكتوبر» مع انطلاق انتخابات مجلس النواب 2025    لماذا استعان محمد رمضان بكرفان في عزاء والده؟ اعرف التفاصيل .. فيديو وصور    إطلاق منصات رقمية لتطوير مديرية الشباب والرياضة في دمياط    «الله أعلم باللي جواه».. شوبير يعلق على رفض زيزو مصافحة نائب رئيس الزمالك    تعزيز الشراكة الاستراتيجية تتصدر المباحثات المصرية الروسية اليوم بالقاهرة    هالاند يحكم سيطرته، ترتيب هدافي الدوري الإنجليزي بعد الجولة ال11    د.حماد عبدالله يكتب: " الأصدقاء " نعمة الله !!    رئيس الوزراء يدلي بصوته في انتخابات مجلس النواب 2025 بالمدرسة اليابانية بالجيزة    خطوات وموعد تسجيل استمارة التقدم لامتحانات الشهادة الإعدادية 2025    اتصال هاتفي بين وزير الخارجية ونظيره المالي    «الصحة»: التحول الرقمي محور النسخة الثالثة من المؤتمر العالمي للسكان    بدء تصويت المصريين بالداخل فى اليوم الأول لانتخابات النواب 2025    أمريكا: اختبارات تكشف الجرثومة المسببة لتسمم حليب باي هارت    «أنا مش بخاف ومش هسكت على الغلط».. رسائل نارية من مصطفى يونس بعد انتهاء إيقافه    وزير المالية: نسعى لتنفيذ صفقة حكوميه للتخارج قبل نهاية العام    هل يجوز أن تكتب الأم ذهبها كله لابنتها؟.. عضو مركز الأزهر تجيب    هل يذهب من مسه السحر للمعالجين بالقرآن؟.. أمين الفتوى يجيب    خالد الجندي: الاستخارة ليست منامًا ولا 3 أيام فقط بل تيسير أو صرف من الله    تعرف على مواقيت الصلاة بمطروح اليوم وأذكار الصباح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لحظة لانكسار الصمت.. العدالة فى وجه الجريمة

فى وطنٍ يعبق ترابه بتاريخٍ عريق وحضارةٍ لا تُنسى، خرج صوت طفل صغير من بين طيات الزمن، يحمل فى عينيه أحلامَ المستقبل وأسئلةً تنتظر الإجابة. اسمه ياسين، ورغم صغر سنه، إلا أنه كان يحمل فى صوته صدى للأجيال التى سبقته، وللآمال التى تعيش فى قلب هذا الوطن».
فى مدرسة، كان من المفترض أن تُحرس فيها الأرواح قبل الأجساد، وقعت الجريمة. لا نملك من اللغة ما يُغنى عن كلمة «اغتصاب»، ولا من الحروف ما يغسل قبحها. لكننا نملك الوجع، والوجع فى مصر لا يُسكِت، بل يُفجّر الحقيقة. جريمة فى حق الطفولة، فى حق النور الذى يُولد مع كل طفل. والفاعل؟ ذئب اختبأ فى هيئة بشر، وسُمح له أن يكون قريبًا من الملائكة.
وقف ياسين فى المحكمة، لا مرتجفًا ولا صامتًا، بل مرتديًا زى «سبايدر مان»، وكأنما أراد أن يقول لنا: «أنا أبحث عن بطلٍ ينقذنى»، لم يكن الرداء عبثًا ولا لهوًا طفوليًا، بل كان رسالة موجعة: أن الطفل الذى انكسرت بداخله الثقة يحاول أن يُرمّمها بخيط من الخيال، أن يبحث عن انتقامه فى الأساطير لأن واقعه خذله. تلك اللحظة لم تكن مشهدًا عابرًا فى قاعة عدل، بل كانت واحدة من أكثر مشاهد هذا البلد صدقًا. لأن العدالة، حين تتأخر، تتحول إلى حلم يُرتدى، ولا شيء أقسى من حلمٍ يرتديه طفل كى ينسى كابوسًا لم يصنعه.
لكننا، كشعب، نعرف جيدًا كيف نحزن. نحزن بكرامة، ونبكى دون أن نتحول إلى فتات. نعرف كيف نطلب العدالة، لا الانتقام. ولهذا، حين تحرّكت الدولة بسرعةٍ وصرامة، شعر الناس أن شيئًا من التوازن قد عاد. لأن العدل فى هذا البلد ليس ترفًا، بل ضرورة وجود، وركنٌ من أركان الوطن الذى لا يعيش إلا إذا صان أبناءه.
هذا الوطن، الذى انكسر حين انكسر ياسين، استعاد شيئًا من قوّته حين انتفض لأجله. لأن كرامة الطفل من كرامته، وبراءة الصغار لا تُداس تحت أقدام الوحوش. ولهذا كانت يد العدالة هذه المرة واضحة وسريعة، كما لو أن مصر بأكملها قالت لياسين: «لن نترك حقك يضيع، ولن نسمح للذئاب أن تظل بيننا».
لكن وسط هذا النور، تسلّلت همسات خبيثة من الظلام، حاولت أن تصبغ الجرح بلون طائفي، أن تزرع الفتنة فى رحم الحزن، وأن تجعل من الألم منصة للكراهية. أرادوا أن يُشعلوا النار فى بيتٍ واحد اسمه مصر.
ونسوا، أو تناسوا، أن المصرى حين يبكي، لا يسأل عن ديانة الدمع. أن الوجع لا يعرف فرقًا بين مسجد وكنيسة. أن الطفل حين يُظلم، لا يُظلم كمسلم أو مسيحي، بل كمصري. وأن الديانة الحقيقية التى توحّد هذا الشعب منذ آلاف السنين، هى «الوطنية».
مصر التى صلّت على الشهداء فى الميدان دون أن تسأل عن أسمائهم، لا تفتنها أوهام الحاقدين.. المصريون الذين يفتحون بيوتهم لأعياد بعضهم، لا يساومون على وحدتهم. لأن مصر لا تُقاس بعدد الصلوات، بل بصدق القلوب. هذه الجريمة، مثلها مثل أى جريمة، لا يُمكن ربطها بدين أو طائفة. المجرم لا يُصلّي، والذئب لا يعرف الله، والعدالة لا تُقسم على أساس الهوية، بل تُبنى على الحق.
يا من تحاولون تفتيت الوطن على جراح طفل، اعلموا أن مصر لا تُخدع. قد تحزن، لكنها لا تُفتن. قد تصرخ، لكنها لا تُمزّق. قد تنزف، لكنها تداوى جراحها بحكمة أم، لا بهذيان مغرض. مصر ليست دولة تُهدَّد من الداخل، بل وطنٌ يتجدّد من جرحه، ويزداد صلابة كلما حاول عدو أن ينكأه.
قضية ياسين ليست فقط قضية عدالة جنائية، بل قضية ضمير وطني. امتحان أخلاقى لكل فرد فى هذا البلد. هل سنحمى أبناءنا؟ هل سنعيد بناء الثقة فى المؤسسات التعليمية؟ هل سنطرد الذئاب من مدارسنا؟ وهل سنفهم أن الطفولة ليست فقط مرحلة عمرية، بل روح وطنٍ بأكمله؟
الطفل الذى ارتدى زى «سبايدر مان» لم يكن يرتدى قناع قوة، بل قناع حاجة. لم يكن بطلًا خارقًا، بل كان يطلب من هذا المجتمع أن يكون بطله الحقيقي. كان يقول: "أنقذوني، لا من المجرم فقط، بل من الخوف الذى يسكنني، من العار الذى لا أفهمه، ومن الصمت الذى يُخيفنى أكثر من الصراخ».
والمجتمع، إن لم يسمعه، فقد خان مهمته. إن لم يحمه، فقد فقدَ جوهره. لا يكفى أن نغضب ليوم، ثم ننسى، لا يكفى أن نُدين، ثم نُصالح، لا يكفى أن ننشر صوره، ثم نواصل الحياة كأن شيئًا لم يكن. يجب أن نُغيّر. يجب أن نُحصّن المدارس، نُحاسب المقصّرين، نُراقب، نُعلّم أبناءنا، ونعيد بناء الثقة التى كُسرت.
فى هذه القضية، كلنا ياسين. كلنا وُلدنا فى هذا الوطن نطلب الأمان، ونحلم بحضن لا يغدر، وشارع لا يعتدي، ومدرسة لا تُؤذي. وكلنا مسئولون عن حماية مَن لم يبلغوا بعد سنّ الدفاع عن أنفسهم.
وإذا كان المجرم سيُحاسب، فليكن الحساب رادعًا، لا انتقامًا. وليكن الحكمُ رسالة لكل من تسوّل له نفسه أن يقترب من براءة طفل. وليكن المجتمع على قدر هذا التحدي، فيُربي، ويُعلّم، ويُراقب، ويكسر دائرة السكوت التى جعلت بعض الذئاب تمشى بيننا فى ثياب البشر.
دعوا ياسين يرتدى ما يشاء، دعوه يحلم، دعوه يصدّق أن هناك من يحميه. أما أنتم، فاصنعوا من أنفسكم الأبطال الذين يحتاجهم، لا الأبطال الورقيين الذين لا يخرجون من الشاشات. ولتكن الوطنية هنا هى الدين الوحيد. لا دين لما جرى، ولا هوية للمجرم سوى أنه عدوٌ لكل ما فى هذا البلد من إنسانية.
إن مصر، وهى تداوى جراح هذا الطفل، تداوى روحها. وإن ياسين، حين يرتدى زى الأبطال، يُذكّرنا بأن هذا الوطن باقٍ، عصىٌّ على الحقد، أقوى من الجريمة، وأبقى من كل حاقدٍ وناقم، فاحفظوا هذه الروح، وكونوا لها طوق النجاة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.