نسينا موقعة الجمل فى زمن الفريق «أحمد شفيق» الذى جاءنا كخدعة من المخلوع القابع حالياً فى المركز الطبى العالمى.. انشغلنا بكارثة لا تقل عنها بأى حال من الأحوال.. أقصد مجزرة استاد بورسعيد.. فعندما كان المخلوع يقاوم الرحيل، حدث أن نظامه أطلق علينا الحمير والبغال والجمال.. وبعد أن تم خلعه اكتشف أن الجريمة الكاملة هى السبيل الوحيد لتأديب شعب مصر.. فكان هذا «الإسفين» لخلق حالة من الفتنة الأهلية والاجتماعية، بعد أن فشلت كل محاولاته لتفجير الفتنة الطائفية! تعالوا نراجع شريط العام الأول من الثورة من آخره.. مجزرة استاد بورسعيد انتهت إلى تنفيذ ما صرخنا وطالبنا به بتوزيع رموز النظام الساقط على عدة سجون.. أى أنه كان مطلوباً من مصر أن تقدم قربانا لهذا المطلب العادل والضرورى والمهم.. دماء 77 شهيداً من خيرة وزهور شبابها.. ثم نعود إلى الوراء دون بطء أو تفاصيل.. لنتوقف أمام مجزرتى مجلس الوزراء ومحمد محمود.. انتهينا إلى إجراء انتخابات برلمانية فى مواعيدها بانضباط شديد ودون إراقة دماء.. أى أن إجراء هذه الانتخابات كان ثمنه ما يربو على 60 شهيدا من خيرة شباب مصر ومثقفيها.. ولما لا نعود إلى الوراء قليلا حيث كانت مجزرة ماسبيرو – أستخدم تعبير مجزرة مع سبق الإصرار والترصد – فقد كانت ثمنا لقطع دابر لعبة إشعال الفتنة الطائفية وحرق الكنائس.. وعودوا إلى الخلف قليلا لتجدوا أن أحداث البالون وما رافقها من مليونيات، قد أدت إلى الإسراع فى نقل المخلوع من منتجع شرم الشيخ إلى منتجع المركز الطبى العالمى.. ثم الشروع فى محاكمته مع زعيم عصابته «حبيب العادلى».. والعودة للخلف بأقل من ذلك بقليل، سنجد أن ثورات الشباب، أدت إلى فتح ملفات التحقيق معه والشروع فى نظر القضية. المهم أننا عشنا عاماً لا يتحرك فيه ساكن، دون مليونية أو مجزرة.. فقد تم حل الحزب «الواطى» – وقال عنه الشعراء: عايز الشعب كله يطاطى – عبر منصة القضاء.. أى أن القرار صدر بنضال شعبى.. والشىء نفسه حدث مع مخزن الفساد الاستراتيجى للنظام الساقط.. ومعلوم بالضرورة أنه كان يحمل اسم المجالس الشعبية المحلية.. كلنا يعلم أنه تم إسقاطه بنضال قانونى وقضائى. الثورة المصرية السلمية، التى عبر العالم عن انبهاره بها والشعب الذى فجرها.. واجهت المؤامرات الداخلية الأكثر قسوة، دون أن تدرك أو تلتفت للمؤامرات الخارجية التى ستتكشف تفاصيلها فيما بعد – تمت حياكتها فى واشنطن وتوزيعها عبر الرياض والدوحة – وظنى أن أكبر عملية التفاف على الثورة، تمثلت فى تلفيق ما اعتقدنا أنه صناعة لفرح الثورة.. فنحن عندما اتجهنا للاستفتاء على التعديلات الدستورية.. أخذتنا المفاجأة بأن المنهج المقرر للمرحلة التالية، يمضى داخل النهر فى قارب الفتنة الطائفية.. وافقنا على الرحلة.. واجهنا الصعاب.. دفعنا الثمن.. وللحقيقة لم نكن نعرف أنه سيكون فادحاً على النحو الذى رأيناه.. وأعظم ما فى هذا المشوار أن مصر لم تنزلق إلى الفتنة الطائفية والفوضى الشاملة كما أرادها المتربصون بالثورة والثوار والوطن.. فكان المنهج الجديد الذى تمثل فى فتنة أهلية واجتماعية، يتم تفجيرها من بورسعيد الباسلة.. فأهالينا فى بورسعيد معروف عنهم طيبة القلب وصفاء النفس مع عشقهم للحياة.. لذلك اختاروها كجبهة قتال يمكن ان ينقلب من خلالها مزاج وميزان الوطن.. لكن بلاهتهم وعجزهم عن التفكير، بسبب شيخوختهم وأفكارهم الخبيثة والرديئة.. قد تحطمت على صخرة حيوية الشباب وعنفوان الثورة.. فهم يخوضون حروباً لها بداية، تبدو فى أعينهم براقة.. ويعتقدون أن النهاية ستكون أكثر بريقا.. فإذا بها تنقلب عليهم لتدفعهم إلى جحورهم باحثين عن منفذ للهروب أو الخروج.. فيسألوننا عن الحل الذى يصعب عليهم تصوره أو تخيله أو الذهاب إليه.. وبما أن القدر ينصف مصر دائما.. فقد سقطت كل مؤامراتهم السابقة.. وأملى أن تحترق ما تبقت لهم من أوراق فى كتاب المؤامرة. مازال الطريق طويلاً.. والأيام القليلة المتبقية مليئة بالعجائب – كجراب الحاوى – وهذا ليس رجماً بالغيب أو محاولة قراءة كف المستقبل.. فأقل مواطن مصرى، أصبح يعرف من الذى سرق هذا الوطن.. ومن الذى يحاول أن يتسلم منه الراية.. فإذا كان نفوذ «مبارك» قد سقط.. فإن نظامه باق يحاول القتال دفاعاً عن مصالح الهاربين من دوران عجلة السقوط.. وإذا كانت حقيقة الكاذبين قد وضحت وتكشفت، فإن الإخوان الكذابون مازالوا يعتقدون أنهم خدعوا الأمة بقدر ما خدعوا أنظمة متتالية ومتعددة! ليست مجرد كلمات جميلة.. أو شعارات رنانة.. لكنها الحقيقة المدفوع ثمنها دم.. تؤكد أن أطراف الصفقات على حساب الشعب المصرى يعيشون فى حالة خوف ورعب شديدين.. فهم يخشون أن يكون مصيرهم هو ذاته مصير المخلوع ونفر من رموز نظامه.. ومهما امتلكوا من قدرات ونفوذ وثروات وأكاذيب.. ستلتقيهم الثورة المصرية فى كل ميادين التحرير.. فإذا كان ميدان واحد قد أسقط المخلوع.. فإن الميادين جميعها تحتشد لإسقاط من يستحقون الخلع، بعد أن حاولنا ترويضهم بتصدير حالة المصالحة المؤقتة معهم.. وإن كانوا يعتقدون أن أزمة الثورة المصرية فى حيوية وعنفوان شبابها.. فاعتقادنا الجازم أن أزمتهم فى انهم سلطة شاخت فوق مقاعدها.. ويبقى صاحب الحق فى تلك النظرية العلمية هو الأستاذ «محمد حسنين هيكل» الذى صاغها وأعلنها قبل أكثر من 15 عاما!