يبدو أن الشعب اللبنانى كتب عليه العيش فى أجواء سياسية غير واضحة المعالم، وأن يواجهوا دائما المصير المجهول على مر العصور منذ إقامة الدولة اللبنانية عقب الاستقلال من الانتداب الفرنسى وأن يتحدث بالنيابة عنهم سياسيين يبحثون عن المصلحة الشخصية قبل المصلحة العامة. أعلن رئيس الحكومة اللبنانية المكلف مصطفى أديب أمس السبت، اعتذاره عن تشكيل الحكومة الجديدة. وجاء الإعلان عقب اجتماع عقده الرئيس اللبنانى العماد ميشال عون مع أديب أمس. وأشار أديب إلى أن اعتذاره عن التشكيل يأتى بسبب عدم تلبية شروطه من الكتل السياسية بعدم تسييس التشكيل، مؤكداً أنه مع وصول المجهود إلى مراحله الأخيرة تبين له أن التوافق لم يعد موجوداً. ولم يقدم أديب تشكيلة حكومته خلال خمس زيارات قام بها للرئيس عون منذ تكليفه، كان آخرها الجمعة. وتكمن المشكلة فى إصرار الثنائى الشيعى، «حركة أمل» و«حزب الله»، على الحصول على وزارة المال وتسمية وزيرها وسائر الوزراء الشيعة، فيما يصر رئيس الحكومة على المداورة الشاملة فى الحقائب بدءا بالمال، وأيضا على تولى اختيار وزراء الثنائى الشيعى واختيار الوزراء السنّة والمسيحيين والدروز. وكان تم تكليف مصطفى أديب فى نهاية أغسطس الماضى بتشكيل حكومة جديدة خلفاً لحكومة حسان دياب التى استقالت على خلفية الانفجار الذى هز مرفأ بيروت فى الرابع من نفس الشهر. ولاقى اعتذار أديب عن تشكيل الحكومة اللبنانية ردود فعل متباينة بين الأوساط السياسية، بين مهنئ على «شجاعته» فى اتخاذ القرار ومندد ب»الفشل» الذى من شأنه أن يُبقى البلاد فى حالة التوتر. وأعلن رئيس الوزراء اللبنانى المكلف، عن اعتذراه عن مهمة تشكيل الحكومة الجديدة، وذلك خلال كلمة ألقاها أمام الصحفيين، عقب اجتماعه السادس مع رئيس الجمهورية ميشال عون فى قصر بعبدا. وقال أديب فى كلمته: «حرصا منى على الوحدة الوطنية بدستوريتها ومصداقيتى، فإننى أعتذر عن متابعة مهمة تشكيل الحكومة»، وأضاف: «تبين لى أن التوافق لم يعد قائما». وتابع أديب: «أتمنى لمن سيتم اختياره للمهمة الشاقة من بعدي، وللذين سيختارونه، كامل التوفيق فى مواجهة الأخطار الداهمة المحدقة ببلدنا وشعبنا واقتصادنا». وتعليقا على القرار، قال رئيس مجلس النواب نبيه برى زعيم حركة أمل، إن حركته متمسكة بالمبادرة الفرنسية بعد اعتذار أديب. يشار إلى أن محور الخلاف على تشكيل الحكومة الجديدة، يتمثل فى مطالبة حركة أمل وحزب الله بتسمية عدد من الوزراء. من جهة أخرى، قال رئيس الوزراء اللبنانى الأسبق سعد الحريرى: «مرة جديدة، يقدم أهل السياسة فى لبنان لأصدقائنا فى العالم نموذجا صارخا عن الفشل فى إدارة الشأن العام ومقاربة المصلحة الوطنية». وتابع: «اللبنانيون يضعون اعتذار الرئيس المكلف مصطفى أديب عن مواصلة تشكيل الحكومة، فى خانة المعرقلين الذى لم تعد هناك حاجة لتسميتهم، وقد كشفوا عن أنفسهم فى الداخل والخارج». وأوضح الحريرى أن «الإصرار على إبقاء لبنان رهينة أجندات خارجية بات أمرا يفوق طاقتنا على تدوير الزوايا وتقديم التضحيات». وأشار إلى أن «أولئك الذين يصفقون اليوم لسقوط مبادرة الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، نقول لهم إنكم ستعضون أصابعكم ندما لخسارة صديق من أنبل الأصدقاء ولهدر فرصة استثنائية سيكون من الصعب أن تتكرر لوقف الانهيار الاقتصادى ووضع البلاد على سكة الإصلاح المطلوب». ومن جهة أخرى، أعرب رؤساء الحكومة السابقون نجيب ميقاتى وفؤاد السنيورة وتمام سلام، عن «أسفهم» على «ضياع الفرصة التى أتيحت للبنان». وأكد الثلاثة فى بيان مشترك تناقلته وسائل إعلام محلية، وقوفهم «إلى جانب أديب فى اعتذاره عن الاستمرار فى مهمته التى جرى الإطاحة بها»، وآملين «أن يصغى الجميع للضرورات والاحتياجات الوطنية، وأن يدركوا مخاطر التصدع والانهيار بدون حكومة قادرة وفاعلة وغير حزبية». وجاء فى البيان: «مع تكليف أديب تشكيل الحكومة الجديدة، لاحت فرصة إنقاذ لبنان بتأليف حكومة تبدأ بالعمل على استعادة الثقة ووقف الانهيار الاقتصادى والمالى والنقدى الحاصل»، لكن «من المؤسف أن يصار إلى الالتفاف على هذه الفرصة التى اتيحت للبنان ومن ثم الى إجهاض جميع تلك الجهود، وسيما أنه قد أصبح واضحا أن الأطراف المسيطرة على السلطة لا تزال فى حالة إنكار شديد ورفض لإدراك حجم المخاطر الرهيبة التى أصبح يتعرض لها لبنان. وبالتالى هى امتنعت عن تسهيل مهمة، ومساعى الرئيس المكلف مما أدى إلى إفشالها». وتابع البيان: «إن رؤساء الحكومة السابقين الذين اقترحوا تسمية أديب، لما يتمتع به من كفاية ومناقبية وطنية، وبعد أن تبنت معظم الكتل النيابية تكليفه، وبعد أن التزم أديب بتلك القواعد لتأليف الحكومة، فإننا نؤكد وقوفنا إلى جانبه فى اعتذاره عن الاستمرار فى مهمته التى جرى الإطاحة بها». كما سار الوزير السابق اللواء أشرف ريفى فى الاتجاه نفسه، وذكر عبر حسابه فى «تويتر»: «مصطفى أديب الذى صارع مافيا السلاح والفساد لشهر، خرج مرفوع الرأس ولم يشارك فى خداع اللبنانيين تحت عنوان حكومة تجريب المجرب شاهد على مأساة لبنان بهذه المنظومة ومؤسس لنهج كرامة ومؤسسات. كل التحية لك يا ابن طرابلس البار ويا ابن هذا الوطن الذى يشبهك وأمثالك».