نعم سأحتفل في الخامس والعشرين من يناير باستعادتي لوجودي بعد موات، بدخولي المعركة التي تركتها وتركتني، بشبابي الذي تنازلت عن عشر سنوات من عزّه لعهد مبارك الزائل. سأحتفل بدموع وتكبير وتعظيم لمن ارتفعوا أحياء عند ربهم يرزقون، دفعوا الدم كي نحيا جميعاً حياة حقيقية خارج السجن. سأنظر لصورهم، وحلمهم، ونقاء سريرتهم، وسأحاورهم وأناجيهم، علهم يغفرون ما قصرت فيه، ويسمعون أغنيتي في حبهم. سأحتفل باجتياحنا لحصون المجرمين، وبنومهم مذعورين من لحظة فناء، يؤخرونها فتقترب، ويؤخرون سعادتنا فنمد يدنا لنختطفها من بين أنيابهم. سأحتفل لأني بدأت العمل كي تحيا ابنتي حياة أفضل، ولو بذلت أنا عمري الباقي لأجل ذلك. لأن النضال من أجل حياتها صار أعز قيمة، ولأن ابتسامة الغد لها صارت مرهونة بما تقدم أمها وأبوها. سأحتفل لأنني أقاوم، وكل الوحوش التي تتغذي علي بؤسي لا تستحق، وكل يوم يمر وأنا وأنتم نتنفس يمنحنا أملاً نحن أولي به. سأحتفل علي جثة الماضي الذي يودعنا، وسأحتفل في مواجهة من يريد سرقة المستقبل، وسأحتفل بمشكلات في الطريق، وسأحتفل بانكشاف الوجوه وسقوط الأقنعة، والمواجهة الصريحة. سأحتفل بالشارع المليء بأصحاب الحقوق، يخرجون ويطالبون، يكسبون ويخسرون، ينافحون عن لقمة العيش الحلال، وعن الكرامة، ويزلزلون الأرض تحت أقدام الطغاة. سأحتفل بنجاتي من بلوغ الأربعين دون حدث يذكر، ودون ذكري غالية، ودون ما أرويه لبنتي. سأقول لها ذات يوم أن تراب بلادنا خضب بدماء جعلته ذهباً، وجعلتنا حرّاس علي مناجم الخير حتي نفتحها. سأحتفل بالمرور عبر بوابات تاريخ جديد، لن تقاوم مؤسسات العفن حركته، ولن تعيدنا عقارب الساعة خارجه، ولن تقف في وجهه صفقة عابرة ولا بناء واهٍ شيّد علي جثث الشهداء. سأحتفل بكل ما فجّرناه من أسئلة، ونكت، وتعليقات علي فيس بوك، وفضائح في الإعلام. وسأحتفل بكل هذه الجرأة التي نتمتع بها في نقد «الكبار» الذين لا يستحوا، وكل هذه المواقع التي عرفت أقدامنا الطريق إليها دون غربة. سأحتفل رغم تكاثر الطفيليات، والمواطنين «الشرفاء»، والمولولين علي الاستقرار، والآملين في استقرار ظاهر باطنه عذاب الآخرين. سأحتفل بما حملت في هذه السنة علي عاتقي، من راية حق وعدل وأخلاق، بيضاء سلمية ناصعة، تاج علي الرأس، حيّة في الوجدان، مرفوعة في وجه الظلم. سأحتفل وأجري علي الله، فلا مزيد من النكد يفيد، ولا مزيد من العويل. فتطهير الأرض من النجاسة لا يحتاج إلا لصبري وابتسامتي وعزمي وغنائي، واستعانتي بمن يحمي أرضي ورزقي وبنتي وحق من ماتوا وحق من يعيشون.