لم يمض سوي أقل من خمسة شهور علي إسقاط حكم مبارك ومن الطبيعي ألا يكون من السهل إزالة تراكمات 30 عاما من الفساد والنهب واستغلال النفوذ من جانب رموز النظام ومن جانب قراصنة وعصابات البيزنس ومن جانب المماليك والخدم المحسوبين عليه.. فنحن نواجه تحديات ومشاكل عصر كان "أزهي عصور الفساد" في تاريخ مصر القديم والحديث.. وربما نواجه تداعيات لهذه التحديات والمشاكل لم تظهر بعد.. وهو ما يقتضي بمشاعر الوطنية التفاف الشعب حول القوات المسلحة باعتبارها المؤتمنة علي الثورة وعلي الوطن.. كما يقتضي الأمر بالمقابل تحركا وتدخلا حاسما سريعا من جانب المجلس الاعلي للقوات المسلحة لمواجهة هذه التحديات والمشاكل.. أول هذه التحديات أن البعض من عناصر النخبة المصرية من أنصار الدستور أولا ثم الانتخابات البرلمانية والرئاسية بعد ذلك - يحاولون في ظل مخاوف وهواجس تبدو منطقية في طرحها استدراج قطاعات الرأي العام المصري إلي تبني وجهة نظرهم في الدستور أولا حتي ولو كان الامر يعني الالتفاف حول استفتاء 19 مارس والقفز فوق نتائجه التي وافقت فيها أغلبية قوامها 77% من المصريين علي التعديلات الدستورية وعلي إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية أولا.. والباعث وراء موقف هؤلاء هو الخوف إذا ما أجريت الانتخابات أولا من تصويت أغلبية المصريين من البسطاء والمقهورين والمعدومين والعاطلين لصالح مرشحي الأحزاب ذات المرجعيات الدينية من إخوان وسلفيين وجماعات إسلامية وجهادية.. وبالتالي فوز تلك الأحزاب بالأغلبية وانعكاس هذا الفوز علي تشكيل اللجنة التي ستتولي وضع الدستور الدائم وعلي صياغة بنوده ومواده وهو ما قد يدخل أهل الرأي والفكر من الاتجاهات المختلفة في أزمات وصدامات ويدفع المجتمع المصري إلي مشاكل لا يمكنه تحملها.. ومن يدعون للدستور أولا وإن كانوا يثقون في تأكيد المجلس الأعلي للقوات المسلحة بأنه ضامن للديمقراطية والدولة المدنية في مصر وأنه لا يمكن أن يسمح وفق ما أعلنه في أكثر من بيان لأي تيار أو فصيل سياسي بأن يخطف الدولة والنظام ويصيغ الدستور وفق أهوائه.. إلا أن ذلك كله لا يطمئنهم!! التحدي الثاني أنه إذا أجريت الانتخابات البرلمانية أولا فإننا لا نعرف وحتي الآن وفق أي نظام سوف تجري تلك الانتخابات؟.. هل وفق القوائم الانتخابية النسبية أم وفق نظام يسمح بالانتخابات الفردية إلي جانب القوائم؟.. وهل يقدر القادة أعضاء المجلس الاعلي للقوات المسلحة المخاطر الكبيرة الناجمة عن السماح بالانتخابات الفردية لثلث مقاعد البرلمان - كما يتردد - من حيث انعكاس ذلك علي استعانة مرشحين من أنصار الحزب المنحل وغيرهم بالبلطجية في الدعاية والجولات الانتخابية والتهديد الكبير الذي يمثله خطر الاستعانة بهولاء وانتعاش سوق البلطجة والبلطجية علي الحالة الأمنية في كل محافظات مصر؟! يبقي التحدي الثالث والأخير من وجهة نظري فيما يتعلق بحق الترشح لمنصب رئيس الجمهورية حيث رأينا مرشحين يعلنون آراء وتصورات ومواقف يمكن أن تخلق توترات ومشاكل مع دول الجوار.. وربما يمكن أن تقود مصر إلي مواجهات وحروب ومشكلات إقليمية نحن في غني عنها في الوقت الذي نعاني فيه مشكلات داخلية ضخمة.. ولأن مثل هذه المواقف تمس أمورًا استراتيجية وتنعكس علي مصائر شعوب وتقتضي الحكمة والبصيرة ووزن الكلمات والقرارات وفق حسابات استراتيجية فإن المصلحة الوطنية لمصر تقتضي وجوب النص دستوريا علي تشكيل مجلس للأمن القومي يضم إلي جانب رئيس الجمهورية أعضاء المجلس الأعلي للقوات المسلحة ورؤساء الاجهزة الأمنية الاستراتيجية ورئيس الوزراء ووزراء الخارجية والداخلية.. وأن تكون مسئولية مجلس الأمن القومي اتخاذ القرارات الاستراتيجية.