من طبائع البشر إن حدث حدث مبهج فى وقت معين فإنهم يتخذون هذا الوقت عيدا يحتفلون بهذا الحدث. وتختلف مظاهر الاحتفال من شخص لآخر ومن شعب لآخر. ومن هذه المقدمة نستطيع أن نفهم قول الله تعالى (شهر رمضان الذى أنزل فيه القرآن). فإن الحدث المبهج فى الآية هو نزول القرآن ومظهر الاحتفال هو صيام شهر رمضان فاختار الله صيام رمضان ليكون مظهرا للاحتفال بنزول القرآن. والسؤال: لما اختار الله الصيام بالذات للاحتفال بالقرآن؟ والإجابة: لأن الصائم يتخلى عن الطعام والشراب والشهوة كما قال الله فى الحديث القدسى (يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلى). فهو بهذا يتحرر مما يقيد حريته ويخلى تفكيره ليكون مستعدا لقراءة القرآن فيحصل التدبر المطلوب، لأن مقصود القراءة هو التدبر قال الله (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) وكلما كان الإنسان أكثر تحررا من قيوده كان أكثر استعدادا للعبادة وكانت العبادة أكثر تأثيرا فى قلبه. ولذلك كانت تكبيرة الإحرام فى أول الصلاة (الله أكبر) فرضاً لا تتأتى الصلاة إلا به. ومع قول المسلم (الله أكبر) يستحب له أن يرفع يديه إلى أذنيه بالطريقة المعروفة لدى المسلمين. ومعنى رفع اليدين مع تكبيرة التحريم بهذه الطريقة إشارة من المسلم إلى أنه قد رمى كل همومه وقيوده خلف ظهره قبل أن يقبل على ربه فى الصلاة. فيحصل التحرر المطلوب فيكون مهيئا للعبادة. ونفس المعنى أيضا يتجرد المسلم فى حجه من أى مظهر من مظاهر الترف فيتجرد من ملابسه ويلبس ثيابا رقيقة بسيطة هى ثياب الإحرام. ويحرم عليه أن يمس طيبا أو يجامع زوجته الحلال. أو حتى ينشغل بعقد زواج له أو لغيره، لأن هذه الاشياء هى القيود التى تحيط بالبشر فتشغله عن ربه فلا يصح له حج إلا إذا تفرغ لله. وهذا هو سر اختيار الصيام ليتناسب مع نزول القرآن. وإذا عرفت هذا نجد أنه من المستغرب أن شهر رمضان أصبح بأفعال البعض شهراً للقيود فتجد الكثير ينشغل فى هذا الشهر بالطعام عن باقى الشهور فهو بهذا ناقض حكمة الشهر. ولا أعنى بكلامى تحريم الطعام الشهى فى رمضان (قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق) ولكن أعنى عدم الإسراف المبالغ فيه وهو مقصود قول الله تعالى (كلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين).