كتبت- سوزى شكرى «شفرة بصرية 2» عنوان معرض الفنان التشكيلى الدكتور حمدى عبد الله المقام فى قاعه «الباب» بمتحف الفن الحديث بالاوبرا، يضم 90 لوحة رسم بالقلم الأسود الشيني، عنصر الخط بطل أعماله، أشكال رمزية تثير الدهشة حوار قائم ومتجدد، يرسم بدون إعداد مسبق، يتعامل مع التراث بمفهومه العالمى غير مقتصر على استلهام التراث المحلى أو الإقليمى، غير راض على من يدرس الفن ولم يمارس الفن والاكتفاء بالدرجة العلمية، غير راض عن المعارض المعدة بحسب تذوق الديلر، يتساءل أين اختفى الحاصلون على جوائز صالون الشباب؟ وغيرها من هذا التساؤلات المشروعة والقضايا التشكيلية فى هذا الحوار: ■ حدثنا عن معرضك «شفرة بصرية 2» وماذا تقصد بكلمة «شفرة»؟ - معرض «شفرة بصرية 2» هو امتداد للمعرض السابق «شفرة بصرية 1» الذى أقيم بقاعة الدبلوماسيين عام 2008، المقصود من الشفرة إرسال رسائل وجدانية وبصرية تخاطب كلا من حاستى الوجدان والبصر، مراعية شروط التشكيل ليعيد المشاهد قراءتها، «شفرة بصريه 2» هو رحلة داخل الذات البشرية وهى رحلة بحث دائم ومتجدد تقود الفنان إلى إيجاد التواصل بين ذلك المخزون البصرى السابق الذى يتمتع به الفنان من تلقائية وتعبيرية فى آن واحد. والنص البصرى بالأعمال يحمل أكثر من تأويل ويستوعب أكثر من قراءة، ولا يتوقف عند رسالة واحدة، بحسب الرسالة التى وصلت للمتلقى، ومن تعدد قراءات المتلقى تفك الشفرة المرسومة إذا هى شفرة متغيرة بحسب رؤية المشاهد. ■ الأعمال المعروضة كلها بطلها الخط، فما سبب اختيارك لعنصر الخط؟ - الخط عنصر من عناصر التشكيل الفنى، يتقمص أدوارا كثيرة بحسب العمل الفنى، والخط أداة موصلة للفكرة، الخط يحيط ويحدد الأشكال المرمزة ويصنع نصاً بصرياً، أعطيت دور البطولة لعنصر الخط وانسيابه على السطح بتلقائية، لما يتمتع به «الخط» من قدرته على التغيرات الشكلية وعناصر التشكيل معبراً وموحياً بما يتضمنه من تغيرات متنوعة، فنراه يتحرك بحرية وتلقائية عندما تستدعى التعبير عن بعض الأشكال التى تحمل ذات المعنى أو نراه مقيداً أو محبوساً داخل أطر أخرى وأحيانا نجده كل ذلك مجتمعاً فى حوار تشكيلى واحد. ■ حدثنا عن تنوع التيمات الرمزية التى استخدمتها فى أعمالك؟ الفنان الحقيقى يجب أن يكون متفتحا على كل العصور بعناصرها ورموزها ولا يربط نفسه بزمن معين أو حضارة بعينها، وبالتالى لا يرتبط بعناصر محددة سابقة المعالجة الفنية، ولا يتعامل مع التراث بالشكل الجاف سواء تراثا إسلاميا فرعونيا قبطيا أو غيرها، والفنانون يضعون انفسهم فى خطأ حين يصنفون أعمالهم بأنها من التراث الفرعونى مثلا هذا خطأ، التراث بمفهومة الشامل هو التراث العالمى بكل تراكماته الفكرية والفلسفية وأساطيره ورموزه وعناصره، فهذا هو الفن.. لغة عالمية، الانسان يعيش فى القرية الكونية الكبيرة، وأنا أعددت نفسى من بداية مشوارى الفنى أن اطلع على تراث كل دول العالم وتاريخها وادرسها ثم اعيد فرز العناصر والرموز ثم اجدها تواجدت فى ذكراتى البصرية، ولكن حين استعيدها على الورق، تكون تحولت واختزلت وأخذت شكل ومعالجة أخرى يصعب تحديد من أى زمن جاء العنصر، لكن الفنان الذى يستعين بعناصر من التراث الفرعونى مثلا ويضعها داخل عمله ويصنف نفسه أو يصنفه النقاد الغافلون على انه استلهم من التراث هذا تحليل خطأ نقدياً وأنا أرفض هذا التحليل لأنه نقل من التراث طبق الأصل لم يقدم أى إضافة فنية، إن نظريتى للتراث أعم وأشمل من الحدود الضيقة. ■ هل نعد العنصر مسبقاً وتقوم بحذف أجزاء أو إضافة أجزاء لتصل إلى شكل جديد للعناصر؟ - أنا أرسم فى أى توقيت أثناء محاضراتى فى البيت فى أى مكان اتواجد فيه ودائما معى أوراق وقلم أسود ولا أعدل فى الخط بمجرد سقوطه على الورق إذا حدث الفعل الفنى، لم اختر العنصر مسبقاً، العناصر تكونت بذاكرتى بفعل الخبرة والدراسة، لم التزام بمعايير ومقاييس تقيد انفعالتى، التحرر يتم فى التكوين ككل وليس فى عناصر بعينها، ومنذ كنت طالب بالكلية وأنا كان لى وجه نظر تحريفية فى الأشكال والعناصرعن دون قصد هى لزمات انفعالية تفرض نفسها. الأعمال كلها غير سابقة التجهيز أو التحضير، الفعل الفنى للعناصر والرموز يحدث تلقائى وناتج اللحظة ومباشر على سطح الورق البيضاء، فيحدث الاشتباك البصرى المرمز فى حينه، وكل رمز يؤدى دورة ويختلف من عمل لآخر بحسب العلاقات التشكيلية الناتجة من الرموز. حوارات وحكايات سيناريوهات تدور بين الأشكال العنصر الانسانى العضوى الهندسى والحيوانى والطائر المؤنسن وطائر حبيس وكائنات غريبة منها كائنات مقيدة الحركة وملامح الوجوه والعيون تنظر إلى أفق غير مرئى كلها احداث حدثت فى عالم التشكيل ونتجت نتيجة الترابط بين العناصر. ■ هناك فنانون قادرون على تسويق أعمالهم والبعض الآخر لا يسوق أعماله كيف تتعامل كفنان مع تسويق وبيع أعمالك الفنية؟ - لا أشغل تفكيرى بأن هذه الأعمال من أجل العرض، وأيضا ابتعد تماما عن التفكير فى بيع الأعمال وهل الأعمال لها مشترى أم لا؟، وما سعرها اليوم، أجد ان شيئين يعوقان الفنان الحقيقى هو انه يقدم أعمالا يعلم مسبقا ان لها مشترى، والشىء الآخر أنها أعمال للمعرض خاص. أنا حررت ذاتى وكيانى وأوراقى واقلامى من هذا التفكير، وجعلت نفسى غير حبيس لهذه الأفكار، بعد انتهائى من مجموعة لوحات أقرر عرضها، أقدم الفن من أجل الفن فقط. إنما للاسف شباب الفنانين المعاصرين أعمالهم فيها خداع تكوين وموضوع محبب لطبقة معينة، بالاضافة إلى أنهم ربطوا أنفسهم بالديلر والسوق، ولم أغفر لهم أنهم غيروا أسلوبهم الفنى من أجل الاحتياج هذا نصب عن طريق الفن، ويبحثون عن الأعمال الرائجة كأنهم يقدمون «خط إنتاج» يخضع للعرض والطلب والسوق، إنما الفن يريد الحرية والتحرر والتخلص من كل القيود، حين قدم الفنان عبد الهادى الجزار لوحات لم يتقدم أحد لشرائها كان الناس يقبلون على شراء أعمال الطبيعه الصامتة، واليوم بقيت أعمال الجزار فى تاريخ الحركة الفنية لأنه قدم الفن الخالد لذلك احترم الفنانين الصادقين مع أنفسهم. ■ ما رأيك فى أعمال الفنانين التى طرحت تحت عنوان «الثورة»؟ - بعض الفنانين يملكون التعبير الفورى عن الحدث والبعض يأخذ زمنا للتعبير عن الحدث والفيصل بينهم هو القيمة، وبما اننا قولنا القيمة هو بقاء القيمة واستقرارها، رؤيتى لفن القيمة هو أن نتعامل مع الحدث برؤيه عالمية وليس بطابع المحلية مثلا الجرينكا لبيكاسو أصبحت معبرة عن الظلم فى كل العصور، دون استخدام لرموز المحليات نحن فى عصر الصورة يمكنها تنقل الحدث أسرع لكن الفن يخاطب كل العالم وأكررها الفن لغه عالمية. ومن تعاملوه مع موضوع الثورة تركوا أهم ثورة يحتاجها الفنان فى كل معارضة هى الثورة الداخلية للفنان ثورة على الشكل ثورة على العنصر ثورة على التكوين كل ذلك بالإضافه إلى وجود حدث وليس تسجيل الحدث، قدمت حدث الثورة من خلال رموزى الخاصة، فوضعت رموز من كل الاساطير الحضارة الإنسانية تأتى من اتساع رؤية الفنان وثقافته. ■ ملاحظ أن طلاب كليات الفنون بعضهم أصبح أعمالهم تتشابه مع أساتذتهم، فما رأيك؟ - سهل على أساتذة الفنون أن يجعلوا الطلاب يقدمون نفس المعالجة الفنية التى قدمها الأستاذ، ولكن صعب أن يتفاعل الأستاذ مع 20 طالبا مثلا، ولكل دارس فن شخصية فنية وفكر وفلسفة ومعالجة ورؤية وأسلوب وتقنية، المفروض ألا نعيد إنتاج أنفسنا فى الاجيال القادمة، طلابى بالكلية لم اقيدهم باسلوبى ولا بتفكيرى اشارك كل طالب بحسب رؤيته ومعالجته واكون سعيدا لانى باحضر مراحل الفكرة منذ بدايتها ويتعلمون الاساس الاكاديمى ثم يبدع كما يشاء ويحدف ويضيف ويقطع فى الشكل حتى يصل الى شخصيته وخصوصيته وفرديته. للاسف الاساتذة بعضهم لم يخرج من حيز فكرى ضيق، حتى حين اشاهد اعمال استاذ الفن او معلم الفن بالكلية أجد أنه لم يغير نفسه وغير مطلع على الجديد ولم يشارك فى فعاليات واكتفى انه دكتور فقط! حصل على الدرجة العلمية ووضع على دماغه ريشة وانتهى الامر ولم يمارس الفن وهذة كارثة كبيرة موجوده! الفن خبرة كما قال «جون ديوى». فاقد الفن والفكر ماذا نتوقع منه؟ بالتأكيد يعيد إنتاج ما يعرفه، أو يقدم أعمال تحت أدعاء أنها فن معاصر وهو فى الأساس لا يعرف ما هو الفن المعاصر، يستخدم كلمات وعبارات وشعارات ليهرب من حقيقته، بدل من يخوض فى تجارب جمالية وفنية جديدة، فمثلا أثناء معرض الذى أقيم فى قصر الفنون بالأساتذة الكلية الكثير من الأعمال رفضتها بصفتى من لجنة الفرز وما عرض هو كان أفضل ما قدم.