بعد نقاشات حول العجز وأعباء الدين البرلمان يوافق عليها.. بعد نقاشات ومناوشات بين نواب البرلمان وممثلي الحكومة دامت لأسابيع، وافق مجلس النواب، على الموازنة العامة للدولة وخطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للعام المالي 2025 / 2026. وتعرف «الموازنة العامة» على أنها بيان تقديري تفصيلي معتمد يحتوي على الإيرادات العامة، التي يتوقع أن تحصلها الدولة، والنفقات العامة اللازم انفاقها خلال سنة مالية قادمة؛ فالموازنة تعتبر بمثابة البرنامج المالي للخطة، التي تعمل بها الدولة عن سنة مالية مقبلة من أجل تحقيق أهداف محددة في إطار الخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للدول، ومن ثم فإن العلاقة بين الموازنة والخطة علاقة عضوية، حيث تتولى الموازنة تدبير احتياجات تنفيذ الخطة.
أثارت مناقشات النسخة الأخيرة من الموازنة العامة العديد من نقاط الخلاف بين ممثلي الحكومة وأعضاء مجلس النواب، وتمحور الجزء الأكبر من هذا الخلاف حول قضايا بعينها، أهمها، زيادة قيمة عجز الموازنة العامة للدولة، وزيادة حجم أعباء خدمة الدين العام فى الموازنة، والجدل حول كيفية تخصيص الموارد المالية وتوزيعها، وزيادة الإيرادات الضريبية بشكل غير مسبوق بما يثير مخاوف من زيادة الأعباء على المواطنين، وعدم مراعاة الضوابط الدستورية فى النسب المقررة للإنفاق على الصحة والتعليم والبحث العلمي. مخاوف النواب في الوقت الذي وافق فيه البرلمان على موازنة العام الجديد، أبدى عدد من النواب رفضهم للموازنة وتخوفهم مما قد يترتب على تنفيذها من أضرار بالغة بالمواطن والاقتصاد، خصوصا مع تخصيص نحو 65% من الاستخدامات فى الموازنة لخدمة الدين، وغياب استراتيجيات حقيقية لإدارة ملف الدين العام، وأن وضع الحكومة سقفا للدين العام لم يظهر أثره بعد على أداء الموازنة، وأنه أمام زيادة العجز لم تجد الحكومة بديلا عن زيادة الإيرادات الضريبية بما ترتبه هذه الزيادات من أثر سلبي متوقع على أداء الأسواق، حيث ينتظر أن يترتب على زيادة الأعباء الضريبية زيادات فى الأسعار واستمرار موجات التضخم والغلاء وتراجع جاذبية السوق المصرية للاستثمارات. وأبدى نواب آخرون تخوفهم من تراجع جودة التعليم وعدم قدرة الحكومة على إدارة ملف الاستثمارات وخصوصا فى قطاعات السياحة، وأن الاستثمار غائب عن الموازنة العامة للدولة، وأن عدم الانتهاء من المشروعات التي تم البدء فيها قبل سنوات يعد هدرا لفرص جادة، مطالبين الحكومة بضرورة التعامل مع ملف مناخ الاستثمار بجدية أكبر والعمل على تحسين المناخ بما يضمن زيادة الاستثمارات، لما يرتبط بزيادة الاستثمار من تبعات اقتصادية إيجابية على رأسها زيادة القدرة التشغيلية للاقتصاد، بالإضافة إلى العمل على وضع المزيد من آليات قياس كفاءة الانفاق، لأن زيادة الإنفاق دون التركيز على أثر وكفاءة هذا الإنفاق يستمر الوضع دون تغيير إيجابي يحلم به المواطن المصري. الموازنة الأضخم تأتي الموازنة الجديدة وهي الأضخم فى تاريخ مصر بإجمالي استخدامات قدرها 7.7 تريليون جنيه موزعة بواقع 4.6 تريليون جنيه مصروفات مقابل 3.9 تريليون العام الجاري بزيادة 18% بدفع من الزيادات الكبيرة فى أعباء الدين العام المقدرة بنحو 3.57 تريليون جنيه بزيادة 25، ما يجعلها تستحوذ على 74% من الإيرادات العامة، التي تقدر بنحو 3.12 تريليون جنيه بزيادة سنوية قدرها 19%، بدعم من الإيرادات الضريبية، التي تستهدف الحكومة زيادتها بنحو 31.3%، لتصل إلى نحو 2.65 تريليون جنيه تمثل 85% من إجمالي الموازنة العامة. ويترتب على هذه الزيادات فى جانبي المصروفات والإيرادات عجز قدره 7.3%، يتم تغطيته من خلال الاقتراض. ووفقا لتقرير لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، تقدر إجمالي الاستخدامات المالية فى الموازنة العامة للدولة عن السنة المالية 2025 – 2026 نحو 7.7 تريليون جنيه، بزيادة 1.2 تريليون جنيه عما هو متوقع فى السنة المالية الجارية 2024-2025، بمصروفات قدرها 4.6 تريليون جنيه، أي نحو 68% من إجمالي الاستخدامات بنسبة 22% من الناتج المحلي الإجمالي، وأن المقدر تحقيقه من الإيرادات الضريبية والمنح والإيرادات الأخرى من ممتلكات الدولة بنحو 3.1 تريليون، مقابل 2.6 تريليون العام الجاري. وتبلغ قيمة العجز الكلي، وفقا لما جاء فى كلمة د. فخري الفقي، رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، نحو 1.5 تريليون جنيه، مقابل 1.1 تريليون جنيه فى العام الجاري، ورغم ارتفاعه، إلا أنه يظهر انخفاضًا إذا ما نُسب للناتج المحلي الإجمالي الذي يتم سداد العجز منه، حيث شهد انخفاضًا يبلغ 7.3% فى العام المقبل مقابل 7.6% فى العام الجاري، وأن عدد الهيئات الاقتصادية يبلغ 63 هيئة موزعة على 12 قطاعا، بعدما كانت فى موازنة العام المالي الجاري 59 هيئة، وأن إجمالي المصروفات بما فيها الهيئات تبلغ 8.5 تريليون جنيه، والإيرادات 7.3 تريليون جنيه، بعجز 1.2 تريليون جنيه، أقل من عجز الموازنة العامة للدولة، نتيجة الفائض المحقق فى الهيئات الاقتصادية. 41 هيئة اقتصادية تخطط الحكومة أن تحقق 41 هيئة اقتصادية أرباحًا خلال العام المالي الجديد مقابل 16 هيئة اقتصادية متوقع أن تحقق خسائر، وأنه فى سبيل تعزيز أداء هذه الهيئات يفترض المضي قدما لتفعيل دور اللجنة العليا المعنية بدمج أو إلغاء بعض الهيئات، بما يسهم فى تحسين أداء هذه الهيئات وزيادة الفوائض المالية بما يدعم أداء الموازنة العامة للدولة، خاصة أن الموازنة العامة للدولة تقدم للهيئات الاقتصادية مساهمات مقابل ذهاب الفوائض للموازنة العامة للدولة، حيث قدر إجمالي فوائض هذه الهيئات فى 2025 – 2026 بنحو 355 مليار جنيه مقابل 415 مليار جنيه العام المالي الحالي، أكثرها من هيئة قناة السويس. وتولي لجنة الخطة والموازنة بالبرلمان، بحسب د. الفقي، أهمية كبيرة لقضية الاستحقاقات الدستورية للصحة 3%، والتعليم قبل الجامعي 4%، والتعليم العالي 2%، والبحث العلمي 1%، وأنه للسنة الثانية تم الالتزام بهذه الاستحقاقات الدستورية، وذلك من خلال إجمالي الإنفاق المباشر وغير المباشر، التي تقدر بنحو 1.8 تريليون بنسبة 10.7% من الناتج الإجمالي مقابل 10% استحقاق دستوري كحد أدنى. وبلغت مخصصات التعليم قبل الجامعي، فى مشروع الموازنة، نحو 685 مليار جنيه بنسبة 4%، و358 مليار جنيه للتعليم العالي بنسبة 2.1%، فيما بلغت مخصصات الصحة نحو 618 مليار جنيه بنسبة 3.6%، بينما يخصص للبحث العلمي 173 مليار جنيه 0.85%، علما بأن المقدر للناتج المحلي الإجمالي نحو 20.4 تريليون جنيه. وكانت توصية لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، كما جاء فى استعراض د. الفقي أمام اللجنة العامة بالبرلمان، ضرورة الإسراع فى دمج دواوين الوزارات، التي يمكن دمجها، والإسراع أيضا فى إجراءات الانتهاء من الأساسيات الواجب تنفيذها حتى يتم الوصول لموازنة كاملة معدة وفقًا لمنهجية موازنة البرامج والأداء، وإعادة النظر فى مخصصات طباعة الكتاب المدرسي التي تستحوذ على 53% من البند الخاص بنفقات طبع دوريات وحقوق التأليف، بحيث يتم العمل على وضع آلية لضمان تبادل الكتاب المدرسي فى سنوات لاحقة، ما يسهم فى التوفير أو يكون فى شكل إلكتروني بدلًا من الطباعة المكلفة. أعباء الدين كان عدد من نواب البرلمان أبدوا اعتراضهم على مشروع الموازنة العامة لما تضمنته من زيادات كبيرة فى أعباء الدين العام، حيث تقدر فوائد الدين بنحو 74% من إجمالي الإيرادات العامة للدولة، وأنه من الضروري العمل الجاد لوضع استراتيجية لخفض الدين العام، وهذا ما تقوم عليه -بالفعل- وزارة المالية التي تخطط لخفض الدين العام إلى 80% من إجمالي الناتج المحلي خلال العامين المقبلين، علما بأن الدين العام انخفض، خلال العام المالي الماضي، إلى 89% من الناتج المحلي الإجمالي مقابل نحو 96% العام المالي السابق له، بفضل تلقي مصر تدفقات من صفقة مشروع رأس الحكمة بقيمة 35 مليار دولار. وأدى حفاظ البنك المركزي على أسعار الفائدة مرتفعة خلال العام المالي الحالي إلى زيادة تكلفة الاقتراض على المالية عبر أذون وسندات الخزانة قبل أن يبدأ فى الخفض فى اجتماعه الأخير، ما أسهم فى زيادة أعباء الدين العام، حيث يقدر عبء فوائد الدين العام فى الموازنة العامة الجديدة نحو 50.2% من إجمالي المصروفات، ما أسهم فى خلق فجوة بين المصروفات والايرادات (7.3% عجز) تخطط الحكومة لسداده عبر اقتراض نحو 3.575 تريليون جنيه خلال العام المالي المقبل بزيادة 25% عن العام المالي الحالي بهدف سداد مديونيات العام الماضي وعجز الموازنة، حيث تعتزم المالية سداد مستحقات محلية وخارجية بنحو 2.1 تريليون جنيه. الاستحقاقات الدستورية جددت الحكومة، بحسب ما جاء فى كلمة د. أحمد كجوك، وزير المالية أمام نواب البرلمان، الالتزام الكامل بتنفيذ الاستحقاقات الدستورية فى مشروع الموازنة الجديد، وعلى رأسها ما يتعلق بقطاعات التعليم والصحة، مع استمرار جهود الحكومة فى حوكمة الصناديق والحسابات الخاصة، بالتوازى مع تنفيذ خطة ترشيد الإنفاق العام، بما يحقق الكفاءة الاقتصادية ويُعزز من استدامة المالية العامة، وأنه هناك تنسيق كامل مع مجلس النواب فيما يتعلق بمشروع الموازنة العامة للدولة للعام المالى 2025 – 2026، إذ تستهدف الحكومة تحقيق التوازن بين ضبط الإنفاق وتوسيع مظلة الحماية الاجتماعية. وتم وضع عدد من المستهدفات فى الموازنة الجديدة، بحسب كجوك، لتحقيق خفض فى العجز والاقتراض، مع إطلاق والتوسع فى حزم الحماية الاجتماعية ومساندة الأنشطة الاقتصادية، والعمل على خفض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلى إلى نحو 82%، بالتوازى مع تراجع معدلات التضخم وأسعار الفائدة، ما سيؤدى إلى تحسن كبير فى خدمة الدين، وأنه تم -بالفعل- تحقيق إنجاز ملموس على مستوى الدين الخارجى، الذي تتمسك الحكومة بتحقيق خفض يتراوح بين مليار ومليارى دولار سنويًا، وهذا ما تحقق بالفعل السنوات الأخيرة. وفي متناول السعي لزيادة الإيرادات العامة، تخطط الحكومة لتحقيق معدل نمو الإيرادات الضريبية هذا العام قدره 35%، وذلك دون فرض أى ضرائب جديدة على المواطنين، وتلك الزيادة جاءت نتيجة لتيسيرات وتشريعات جديدة، وحل مشكلات ضريبية قائمة منذ سنوات، ما شجّع عددًا كبيرًا من العاملين فى الاقتصاد غير الرسمى على الانضمام طواعية إلى المنظومة الضريبية»، وأنه سيتم الاعلان قريبًا عن نتائج حزمة التسهيلات والحوافز، التى تم تقديمها، التى أسهمت فى رفع كفاءة التحصيل، وتعزيز العدالة الضريبية، دون تحميل المواطنين أعباء جديدة. موازنة النمو والاستقرار حسب وزير المالية، تعد موازنة العام المالي المقبل، موازنة النمو والاستقرار والشراكة مع مجتمع الأعمال ومساندة أكبر للأنشطة الصناعية والتصديرية، حيث تستهدف الموازنة تحقيق فائض أولي بنسبة 4% من إجمالي الناتج المحلي (الفائض الأولي يقيس عجز الموازنة بعد استبعاد فوائد الدين)، وتخصص الموازنة نحو679 مليار جنيه للعام المالي المقبل لدعم زيادة الأجور للموظفين العاملين بالدولة بزيادة بنحو 18% عن العام المالي الحالي، وتنفيذ قرار رفع الحد الأدنى لأجور العاملين بالدولة من 6 آلاف جنيه إلى 7 آلاف جنيه، وزيادة أجور العاملين بالدولة والهيئات الاقتصادية بحد أدنى يتراوح بين 1100 إلى 1600 جنيه بحسب الدرجة الوظيفية. وتتضمن الموازنة العامة الجديدة تخصيص 8.4 مليار جنيه لدعم الاستثمار السياحي وزيادة طاقة الغرف الفندقية؛ لاستيعاب المزيد من السائحين، و44.5 مليار جنيه لتنشيط الصادرات بمعدل نمو سنوي 93%، وتخصيص 29.6 مليار جنيه بالموازنة الجديدة لدعم الإنتاج الصناعي بمعدل نمو 69% عن موازنة العام الحالي، وتخصيص 5 مليارات جنيه لدعم الصناعات ذات الأولوية لزيادة الطاقة الإنتاجية من الآلات والمعدات، وتخصيص 5 مليارات جنيه حوافز نقدية لتمويل عدد كبير ومتنوع من المبادرات الموجهة للمشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، وتخصيص 3 مليارات جنيه لدعم صناعة السيارات ومستلزماتها ومكوناتها بمصر، وتخصيص 3 مليارات جنيه لمساندة مبادرات التحول إلى مصادر طاقة أكثر كفاءة.