يبدو أن الإخوة الإثيوبيين أعجبوا بحكاية " اللدد في الخصومة ، و المفاوضات المستمرة " فقد مضى حوالي عشر سنوات منذ بداية طرح موضوع إنشاء هذا السد الأثيوبي ، و منذ عام 2010 و نحن في مفاوضات مستمرة ، أحياناً ثنائية ، و أخرى ثلاثية ، و ثالثة متعددة الأطراف مع وجود مراقبين من أوروبا و البنك الدولي ، و أخيراً مجلس الأمن و الاتحاد الأفريقي و يمكن القول أننا أيضاً في مصر " بالنا طويل " ولكن " إللي له أول .. له آ خر " ، بمعنى أثيوبيا أقامت السد بتكلفة مرتفعة وصلت إلى حوالي ما يزيد عن أربعة مليارات دولار ، و من ثم لابد من الاستفادة مما تكلفته في صورة توليد كهرباء تكفي لكل الاستخدامات المطلوبة أو التوسع في النشاط الزراعي باستخدام طريقة ري مختلفة عن المعمول به حالياً من حيث الاعتماد على الأمطار فقط . و المعنى أن هناك وقت محدد للانتهاء من بناء السد و البدء في استخدامه ، و لأنه مقام على نهر دولي فلابد أن يكون هناك اتفاق على طريقة عمله في الملئ و التشغيل و في حالة المرور بفترات جفاف بسبب تراجع حجم الأمطار! ومرة أخرى.. لم تمانع مصر في بناء السد ولا كيفية الاستفادة منه ، بل عرضت المساعدة بخبراتها المختلفة و كانت النتيجة توقيع ما سمي بإعلان المبادئ " عام 2015 " و الذي اتضح أن أثيوبيا كانت تستهدف منه الحصول على موافقة مصر و السودان لتحقيق ما يسمى بشرعية الإنشاء حتى تتمكن من الحصول على التمويل الدولي المطلوب ، و لكن لا أعلم كيف فات على الإخوة الأثيوبيين أنه " إعلان مبادئ " و أنه لم يكن ملزم قانوناً لأحد و لم يتضمن آلية فض النزاعات، إلا أنه تم علناً و أمام كل العالم و بتوقيع من قيادات الدول الثلاث و بإرادتها الحرة ، و يتضمن في المادة الخامسة منه " عدم البدء في ملئ السد إلا بعد التوصل لإتفاق ، و التعاون و التوزيع العادل و المنصف للمياه ، و عدم الإضرار بدول المصب " . و بالطبع الدول لا تعد " كمائن " لبعضها البعض ، و أنما تجري اتفاقيات دولية و بروتوكولات للتعاون يجب أن تحترم ما تم الاتفاق عليه و تعمل على تنفيذه ، و حسن الجوار و العلاقات الودية و المصالح المشتركة تطلب ذلك و إلا كان " البديل " مؤلماً لجميع الأطراف . فالتفاوض الجاري حالياً و الذي أصبح العالم كله على علم بتفاصيله ، يتعلق بمصدر الحياه لشعب بلدين مهمين هما مصر و السودان ، و لا يصح و لا يمكن أن يترك العنان لطرف واحد – أثيوبيا – أن يهدد حياة شعبي الدولتين لأسباب واهية تتعلق بخلافات حول مدة الملئ أو القواعد الفنية للتشغيل و ضرورة إخبار الدولتين ( مصر و السودان ) بأية مستجدات حول ظروف هطول الأمطار و حجم المياه التي سيتم تصريفها من السد ! و من هنا يتضح للجميع أن المسالة ليست خلافات في وجهات النظر حول قضايا فنية يمكن حسمها – و قد حاول كل من أمريكا و البنك الدولي ذلك ، و حالياً يحاول الإتحاد الإفريقي ، و لكن اتضح للجميع أنه " تعنت " أثيوبي ، و محاولة للتضييق على مصر و الضغط عليها لأسباب او مصالح أطراف أخرى ! ، و هو ما لا يمكن لمصر قبوله بالطبع ، لأن الموضوع لا يحتمل المساومة ، و لأنه يتعلق بتأمين مواردنا المائية التي بالكاد تغطي ثلثي احتياجتنا – حيث نستكمل بقية الاحتياجات من مياه الأمطار القليلة و بعض المياه الجوفية المتوفرة في بعض المناطق ، إلى جانب إعادة تدوير مياه الصرف الصحي لاستخدامها في الزراعة والرى . كل ذلك و نحن حالياً حوالي 105 مليون مواطن ، فكيف سيكون الحال لو أصبحنا 150 مليون !؟ لقد رضينا بما هو موجود أو متاح ، و مع ذلك فالإخوة الأثيوبيين يتعنتوا و يترددوا .. ! ، و بالطبع للصبر حدود و ندعوا الله إلا نضطر لحماية حقوقنا التاريخية في مياه النيل العظيم الذي هو مصدر الحياة لمصر و المصريين . حفظ الله مصر .. و حفظ أهلها من كل شر