دأب الانسان منذ أن وجد على الأرض فى صنع دوائه واستخراجه من الطبيعة التى وجد فيها فكانت النباتات هى الغذاء والدواء وتطور الأمر لاكتشاف أعشاب طبيعية استخدمها الإنسان فى عمليات التخدير والتسكين وتضميد الجروح حتى ما كان يقع بالمصادفة فى يد الإنسان من مستخرجات الطبيعة الاخرى كأملاح بعض المعادن ومساحيق الصخور التى اكتشف إنها يمكن أن تستخدم فى علاج بعض الأمراض.. ولعل أكبر اكتشافات الإنسان فى العصر الحديث كانت من سموم فطرية – المضادات الحيوية التى كانت تعرف باسم البنسلين وهى مستخرجة من إفرازات فطر البنسليوم إذن ما هى السموم الطبيعية؟يقول الدكتور سعيد شلبى أستاذ الجهاز الهضمى والكبد ونائب رئيس أكاديمية البحث العلمى إن السموم الطبيعية مركبات كيميائية تنتجها كائنات حية سامة كالثعابين والعقارب والعناكب وبعض الحشرات مثل النحل البرى ودبور الأمازون وبعض الأسماك واللافقاريات البحرية إلى جانب النباتات السامة وأنواع من الطحالب والبكتريا والفطريات وتحتوى هذه السموم على بعض المشتقات ذات الخواص الطبية والبيولوجية المختلفة التى يمكن فصلها فى صورة نقية ومعرفة تركيبها الكيميائى وخواصها الطبيعية حتى يسهل التعاون معها. ويضيف د. سعيد شلبى أنه قد يتطلب الأمر تعديل تركيبها البنائى حتى يمكن استخدامها كدواء وهناك بعض المركبات التى تسبب تجلط الدم ممكن استخدامها لإيقاف النزيف فى العمليات الجراحية وفى بعض حالات الإجهاض ثبت أن بعض المركبات المفصول ة من سموم الأفاعى هى الوحيدة القادرة على ايقاف النزيف وعلى النقيض فهناك مركبات أخرى مستخرجة أيضا من سموم الأفاعى تؤدى إلى تحلل وإذابة الجلطات الدموية ومركبات أخرى يمكنها علاج ضغط الدم المرتفع وارتفاع نسبة السكر فى الدم وقد دلت بعض الأبحاث الحديثة أن السموم الطبيعية يمكن استخدامها فى علاج ضعف العضلات والتهاب المفاصل والروماتيزم وكذلك كمواد مخدرة أو قاتلة للألم كما استخدمت مركبات أخرى لقتل الخلايا السرطانية إلى جانب الاستخدامات الطبية المتعددة لأنواع كثيرة من النباتات الطبية فى علاج كثير من الأمراض بشرط استخدامها بوصفة طبية وبجرعات محددة ولفترات زمنية معلومة طبقا لمعايير علمية تضمن عدم حدوث مضاعفات. كنز من الدواء أما الأبحاث التى أجريت بواسطة الباحثين فى الجمعية المصرية للسموم الطبيعية ومقرها جامعة قناة السويس فقد انتجت هذه الأبحاث العديد من الأدوية المستخرجة من سموم الكائنات البحرية حيث إن الشواطئ المصرية فى البحرين الأبيض والأحمر بها الآلاف من تلك الكائنات التى يمكن أن يستخرج من بعضها العديد من المواد الطبيعية وبعض تلك المواد لها تأثيرات سامة كالعقرب فلها جهاز سام تستخدمه فى اللدغ وتسبب سمومها مشاكل صحية عديدة. وكان للدكتور طارق رحمى نائب رئيس جامعة قناة السويس العديد من الأبحاث والتى كانت اشهرها فصل مركبات دوائية وعلاجية من سموم الكائنات البحرية حيث أمكن التعرف عليها والتعامل معها كيميائيا وفصل المركبات التى يمكن الاستفادة منها عن الأخرى التى يمكن أن تسبب الضرر فمثلا وجد أن الحروق التى يسببها قنديل البحر يمكن التعامل معها بحمض الخليك أو حمض الليمون لأن المادة اللاسعة فى زوائد قنديل البحر كانت مواد قلوية وبالتالى فإن إضافة الحمض اليها يجعلها متعادلة ويقضى على قلويتها اللاسعة وكذلك قنفد البحر يمكن التعامل معه بوضع الزيت على مواقع اللدغ بالأشواك الرفيعة. قد أوضحت الأبحاث التى أجريت عن طريق الجمعية المصرية للسموم الطبيعية أن سموم الأفاعى الشهيرة مثل ثعبان الكبرى وحية الصحراء المصرية وسموم العقرب الصحراوى رغم خطورتها فإن لها فوائد طبية عديدة بل قد تكون تلك السموم ذات فائدة فريدة غير موجودة فى مركبات طبية أخرى فقد وجد مثلا أن مركبات سم أفعى الكوبرا المصرية بها العديد من الفوائد الطبية حيث أمكن تفكيك السم واستخراج عقارات عبارة عن مركبات بروتينية معقدة أمكن فصل مواد فعالة فى إذابة الجلطات الدموية وأخرى تستخدم فى تجلط الدم فى حالات النزيف وقد أمكن أيضا استخراج مواد من سم أفعى الكبرى يمكن استعمالها فى تدمير الخلايا السرطانية ومنها مركبات لزيادة الخصوبة عند الرجال أو قتل هذه الخصوبة الأمر الذى يمكن معه استنباط وسائل موضعية آمنة لتنظيم الأسرة وبذلك يمكن التقليل من تعاطى المركبات الدوائية الكيميائية المستخدمة لذلك الأمر والتى لها أعراض جانبية قد تكون خطيرة . سم العقرب الصحراوى للخصوبة هناك قصة رواها أحد الباحثين فى الجمعية المصرية للسموم الطبيعية أثناء عمله كطبيب فى إحد المناطق الصحراوية فى مصر أن بعض الأشخاص اللذين كان يعالجهم من لدغات العقارب فى تلك البيئة الصحراوية كانوا يتعافون من أمراض أخرى قد أصيبوا بها قبل ذلك مثل بعض الأمراض الجلدية والتى لم يحدد أسباب لها علاوة على أحد المرضى بالفيروس الكبدى قد نقص عنده نسبة نشاط الفيروس بعد أن لدغ بعقرب صحراوى. ضرورة توافر أطباء متخصين لمراقبة المرضى وتقدير النتائج يؤكد د. هانى الناظر أستاذ الأمراض الجلدية والرئيس السابق للمركز القومى للبحوث أن استخدام السموم الطبيعية كدواء أمر متعارف عليه من أزمنة طويلة حيث كان فى الماضى تتم العلاجات دون تقدير للآثار الجانبية التى قد تحدث للمريض من جراء التداوى بتلك السموم أما الآن وبعد تقدم الأبحاث الحديثة فى مجالات الأدوية وخاصة ما يتعلق منها باستخدام السموم الطبيعية فإنه أمكن تحديد أسباب الآثار الجانبية بدقة شديدة وتلافى أخطارها مثلا والكلام للدكتور هانى الناظر هناك علاج شائع لبعض أمراض الروماتيزم باستخدام سم النحل عن طريق اللدغ بالنحل فى أماكن معينة بالجسم وتلك الطريقة كانت تسبب لبعض المرضى صدمات أو حساسية شديدة بأن يصاب المريض بنوبات ربوية وضيق فى التنفس وربما تشنجات عصبية ولكن إذا تم أخذ الاحتياطات اللازمة من اجراء اختبارات الحساسية ومعرفة ما إذا كان المريض قابل لأن يتأثر من فعل السم أو لا يتأثر.