رمضان يجدد النشاط فى النفس ويبعث العزيمة على الاستمرار فى العبادة، والملاحظ أن الناس فى العادة ينشطون فى أيام رمضان الأولى لما يحسّون من التغيير ويجدون شيئًا من لذة العبادة نتيجة الشعور بالتجديد فى أول الشهر ثم ما يلبث هذا الشعور أن يبدأ فى الفتور والضعف بل الاضمحلال والرتابة، عما كان فى أوله، ثم تأتى العشر الأواخر بعد ذلك وما فيها من القيام وليلة القدر لتنبعث بعض الهمم والعزائم مرة أخرى، لكن هل من الصحيح أن يحدث لدينا نوع من التكاسل ونوع من الفتور فى وسط هذا الشهر أم ينبغى علينا استدراك ذلك حتى نفوز برمضان؟ حول ذلك كان هذا التحقيق:-يقول د. عبد الفتاح العوارى عميد أصول الدين جامعة الأزهر بالقاهرة: الأصل فى الطاعة النشاط لها وشدة الرغبة فى أدائها، وكان النبى ? يدعو ربه دائمًا اللهم بلغنا رمضان، ومن هديه ? فى رمضان أنه كان ينتقل فى عبادته تدريجًا من الأيسر إلى الأشد، حيث ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه إذا جاء العشر الأواخر من رمضان شد مئزره وهجر أهله ولزم معتكفه، ففى هذا دلالة على أن الأصل فى الطاعات أن تنتقل بك من التدرج الروحى والسمو الأخلاقى والارتفاع عن الماديات وطغيانها إلى درجة الالصفاء والنقاء، فإذا ما وصل إلى العشر الأواخر من رمضان جعلت نفسك كتاجر دخل سوقًا فحاول الكسب فى أوله فلم يوفق فتعمل جاهدًا فى آخره وجد ونشط قبل أن ينفض السوق. فكذلك موسم الطاعات فيها صفقات الجنان تعقد، وحرى لمن يريدالفوز بجنت عدان أن يشمر عن ساعد الجد وبذل قصارى ججهده قبل فوات الأوان حتى يستحق الرضوان من الله وحتى يأتى يوم القيامة سيدخل من باب الريان الذى لا يدخل منه إلا الصائمون، ويفرح الفرحة الكبرى عن لقاء ربه كما أخبر بذلك خير العاكفين العابدين صلى الله عليه وسلم: للصائم فرحتان يفرحهما فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه، أما الكسالى والمهملون والخاملون الذين فوتوا فرص الطاعة وزمن العبادة هل لهم فيما أعد الله سبحانه وتعالى لأصحاب الجد والاجتهاد؟ فالمسلم إن أراد أن يحقق حقيقة الصيام التى توصل إلى تقوى الله عز وجل والفوز برضاه عليه كما قطع شوطًا من أيام رمضان وأوقاتا من لياليه أن يزداد نشاطًا فى الطاعة وجَدًّا فى الصلاة، وأن يضاعف قيامه لربه فلا يقتصر على صلاة التراويح بعد العشاء، فليجعل لنفسه مع ربه وردًّا آخر من القيام قبل دخول وقت السحور، وبهذا يكون المسلم الصائم قد حقق هذه الفريضة وأداها كما أرادها الله تبارك وتعالى؛ لكى تكون وسيلةلتحمل الصبر والجلد فيزداد المسلم بها قوة على القيام بما كُلف به من واجبات سواء أكانت دنيوية أو دينية، وبهذا يشعر المسلم بعد فراغه من رمضان أنه فى عيد حقيقى فيكبر ربه فرحًا بما صنع فى رمضان من وفائه بعهده مع مولاه. وذلك كما قال على بن أبى طالب كرم الله وجهه حينما رئى يوم العيد يأكل خبزًا خشنًا فسئل عن ذلك فقال إنما العيد منقبل بالأمس صومه وكل يوم لا يُعصى الله فيه فهو لنا عيد. ويقول د. عبد الله رمضان أستاذ الأدب والنقد بجامعة المدينة العالمية بماليزيا والاستشارى بالرابطة العامية لخريجى الأزهر: لأن الناس يكونون بعيدين خلال العام عن الطاعات والنوافل هذا يجعل الإنسان عندما يأتى رمضان ينكب على العبادة فى أول والطاعات والنوافل احتفاءً بهذا الشهر الكريم ولأنهم غير متعودين على قليل من العبادة، مايلبثون أن يفتروا عن العبادة والتراويح وقيام الليل، فنجد بعض الناس يفترون فى باقى أيام رمضان مع أن كل أيام وليالى ذات شأن وكلها روحانيات ومباركة، خاصة العشر الأواخر منه إلا أن بعض الناس ينشغلون بأشياء أخرى، مع أن النبى كان إذا أتت العشر الأواخركان يشد مئزره ويوقظ أهله لإحياء هذه الليالى بالعبادة. لكن بعض الناس يريدون بذل أقل مجهود والحصول على أكبر فائدة، وهى ثقافة مصرية نجدها فى عموم الممارسات الحياتية فيطبقونها على العبادة، فنجد مثلا شخصًا فى تجارته ومجمل حياته لا يخشى الله ولا يراعيه ولايراعى حقوق الناس أيًّا كانت ثم يركز جهده كل فترة بقضاء عمرة أو حجة؛ ظنًّا أنها تمحو ما كان يرتكب من آثام وخطايا وأكل حقوق الناس. ويقول سيد أبو موسى إمام وخطيب مسجد الخضر بالمعتمدية جيزة: تتفاوت أحوال الناس فى رمضان كما تتفاوت فى سائر مواسم الطاعات، فمن الناس من يستغل رمضان للإكثار من الخيرات، وكبح جماح النفس عن المعاصى والمنكرات، ومنهم من يدخل عليه رمضان ويخرج عنه وهو مازال فى حيرته وتخبطه وارتكابه للمنكرات، وبذلك يتجلى فى حقه معنى الحديث: (رغم أنفه من أدرك رمضان ولم يغفر له) فتجد فى أول رمضان الناس يملأون المساجد وأحيانا الساحات حولها ثم يتناقصون إلا أيامًا وليالى قليلة. وعندما تأتى العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك حيث يقضى بعضهم ليالى هذا الشهر فى القيام والتقرب إلى الله يقضيها بعضهم فى الأسواق وغيرها، وفى الوقت الذى تحض فيه الأحاديث الشريفة على تفضيل هذه الليالى عن غيرها يتسلل الكسل إلى نفوس بعض المسلمين وما قد يبدو من أعراض التعب والفتور.