بعد أن طالته يد الإرهاب الخسيسة، ودمرت جزءًا كبيرًا منه بفعل التفجير الإرهابى الذى ضرب مبنى مديرية أمن القاهرة قبل أكثر من شهرين، ما يزال مبنى متحف الفن الإسلامى يئن تحت وطأة الإهمال والنسيان.. ومازالت آثار الدمار واضحة على جدران المتحف.. وبقايا الزجاج والبلاط تتناثر فى كل مكان.. وكأن التفجير قد وقع بالأمس. “أكتوبر” رصدت هذه الصورة المأساوية التى يبدو عليها الآن أعظم متحف إسلامى فى العالم.. ورصدت كذلك خلية النحل البشرية التى تسابق الزمن داخل قسم الترميم بالمتحف لإنقاذ مجموعة من أهم التحف الأثرية الإسلامية التى أضيرت جراء التفجير. فى بداية جولتنا داخل متحف الفن الإسلامى التقت "أكتوبر" مع مصطفى خالد مدير عام المتحف الذى أكد أن التبرعات التى رصدتها بعض الجهات لم تصل بعد ولهذا لم تبدأ حتى الآن أعمال الترميم فى المبنى ولكن فى حالة توافر الأموال فإن عملية ترميم المتحف لن تستمر طويلًا خاصة بعد التأكد من سلامة الأساسات حيث سيتم تركيب واجهات عرض جديدة ومعالجة السقف المعلق بعد الكشف على كابلات الكهرباء وتركيب كاميرات مراقبة وإضاءة. وفيما يتعلق بالتحف الأثرية التى تضررت من التفجير فقد تم الانتهاء من ترميم بعضها مثل محرابى السيدة رقية والآمر بأحكام الله وجار ترميم باقى القطع ومنها قطع زجاجية وخزفية وتنور السلطان الغورى، أما مشكاوات السلطان حسن فلم يتم ترميمها بعد ومن الممكن أن نستعيض عنها فى العرض بمشكاوات من مجموعات أخرى لحين الانتهاء من ترميمها فنحن لا نستطيع تحديد الوقت الذى تنتهى فيه أعمال الترميم للقطع الأثرية لأن هناك قطعًا يستغرق ترميمها شهرا وأخرى ثلاثة أشهر. وأوضح مصطفى خالد أنه سيتم تنظيم معرض فى الحديقة المتحفية لعرض بعض آثار الانفجار مثل العامود الذى اخترق أحد النوافذ محطمًا واجهات العرض الزجاجية أمامه كذلك قطع من السور الخارجى للمتحف كى تكون شاهدًا على هذا العمل الإرهابى والاجرامى. ومع د. حمدى عبد المنعم مدير عام الترميم كان لنا حديث حيث قال إن عدد القطع التى أضيرت من التفجير يبلغ 126 قطعة ما بين قطع منتهية تمامًا وأخرى يسهل ترميمها وثالثة صعبة الترميم، فبالنسبة للآثار الخشبية بدأنا بأربع قطع هى الأكثر تضررًا وهى محرابا السيدة رقية والآمر بأحكام الله وهما الآن جاهزان للعرض، أما صندوق المصحف الخاص بالسلطان الغورى فقد تم الانتهاء من ترميمه بنسبة 5% وخلال أيام سننتهى من ترميم كرسى العشاء الملكى. وأضاف عبد المنعم أن الآثار الزجاجية هى الأكثر تضررًا من التفجير وهناك قطع من الصعب ترميمها أو ستحتاج إلى وقت وبحث وهم حوالى 7 قطع وجار حاليًا ترميم 10 قطع، أما بالنسبة للآثار الخزفية فيتم حاليا ترميم 9 قطع وبخصوص تنور السلطان الغورى فقد تم تجميع الأجزاء المفككة وسيتم الاستعانة بورش خاصة أو بمعهد الحرف الأثرية لأن لديهم إمكانيات لعملية اللحام وهناك قطعتان من النسيج تأثرا بالمياه التى تسربت من دار الكتب وتم الانتهاء من تجفيفهما وتخزينهما. وأشار إلى أن ما أصاب المتحف نتيجة التفجير جعلنا نعيد النظر فى نوعية واجهات العرض التى سيتم الاستعانة بها بعد ذلك، فأثناء تطوير المتحف سابقًا كنا حريصين على أن تكون الواجهة من زجاج سميك حاجب للأشعة ومضاد للكسر والسرقة ولكن اتضح أن هذه النوعية من الزجاج وقت الانفجار كان لها تأثير سلبى حيث إنها لم تكن تتحطم وهى فى مكانها إنما كانت تسقط على الآثار ولذلك سوف نحاول أن تكون واجهة العرض الجديدة من الزجاج الخفيف حتى لا تمثل ثقلًا على الأثر فى حالة حدوث أى شىء لا قدر الله. وأكد حمدى عبد المنعم أنه نتيجة أعمال الترميم التى تتم فى العشرات من القطع الأثرية فقد نفذت خلال أسبوعين مواد الترميم التى كانت تكفى لمدة عام وقد قامت بعض الجهات بتوفير مواد الترميم لنا منها قطاع المشروعات. وفى قسم الترميم كان الكل يعمل فى مجموعات فهناك مجموعة الأخشاب ومجموعة المعادن ومجموعة الأحجار، المكان أشبه بخلية نحل والجميع يحاولون إنقاذ التحف الأثرية من الدمار. وقد تحدثت معنا أسماء رشدى أخصائية الترميم وعضو مجموعة الأخشاب حيث قالت إننا الآن فى المرحلة الأخيرة من ترميم محراب السيدة رقية وهى التنظيف النهائى والعزل وقد كان المحراب مُدمرًا إلى قطع وعلى مدى شهرين قمنا بتجميعها وتركيبها مثل البازل مستعينين بصور سابقة له ويتميز المحراب بالزخارف والتعاشيق المركبة التى من الصعب على أى حرفى حاليًا أن يصنع مثلها. ويعتبر محراب الآمر بأحكام الله من القطع النادرة على مستوى العالم حيث تقول عنه رباب عبد الغنى اخصائية الترميم إن عملية ترميمه لم تكن سهلة فقد تفتت نتيجة الانفجار إلى حوالى 15 جزءًا وقد تم الاستعانة بصوره القديمة مما ساعاد على تجميعه وتكوينه حتى يصل إلى هذا الشكل وتم معالجته من الرطوبة التى نتجت عن تشربه للمياه بسبب التسرب الذى حدث من دار الكتب، أما بالنسبة لصندوق المصحف الخاص بالسلطان الغورى فقد كان محطمًا إلى أجزاء ويجرى حاليًا تنظيفه تمهيدًا لتجميعه حتى يكون جاهزًا للعرض ويتميز الصندوق بزخارفه الذهبية والملونة من الخارج والداخل. ومن مجموعة المعادن تحدثت ألفت محمد أخصائى ترميم حيث قالت أن عدد القطع المعدنية التى أضيرت من التفجير حوالى 25 قطعة ما بين مشكاوات وأوان وتنانير وأسلحة مثل سيف قنصوه الغورى وسيف طومان باى المصنوعين من الحديد الصلب وعليهما كتابات بماء الذهب، فبعد التفجير تعرض السيفان للمياه بسبب التسرب من دار الكتب ونتيجة لتغليفهما لفترة تعرضا للصدأ لكن ليس بنسبة كبيرة و قد استغرق إزالته حوالى أسبوع. أما بالنسبة لتنور السلطان الغورى فهو مصنوع من النحاس وقد فُقد منه الكثير من الأشرطة الزخرفية والأرجل وجزء يحمل اسم السلطان الغورى كما حدث التواء فى بعض أجزائه ولصعوبة حالته فقد بدأنا فى ترميمه فورًا داخل المتحف نظرًا لضخامة حجمه حيث تم استعدال الأجزاء الملتوية وإعادة الأجزاء التى انفصلت عنه إلى مكانها وبهذا نكون قد انتهينا من ترميمه بنسبة 60% ويتبقى فقط الخطوات النهائية لتجهيزه للعرض. وعلى منضدة مجموعة المعادن وبجانب السيوف كان يوجد إبريق محطم ومشكاة معدنية يقوم بترميمها محمد عادل ومدحت سمير وقد علمنا منهما أن الإبريق مصنوع من النحاس وحالته ليست خطيرة، فنتيجة الانفجار تحطم الإبريق إلى عدة أجزاء يجرى حاليًا تركيبها، أما المشكاة فهى مصنوعة من البرونز وتعانى من الالتواء ويتم حاليًا استعدالها حتى تعود إلى شكلها الأصلى. وعن مجموعة الأحجار تحدثت أمانى الجمل أخصائية ترميم حيث قالت إن الانفجار أدى إلى تفتت 4 شبابيك جصية معشقة بالزجاج الملون ترجع للعصر العثمانى وهى ذات قيمة تاريخية وفنية أثرية ويجرى حاليًا ترميمها وقد نجحنا فى تجميع 95 % من أحد الشبابيك و50 % من شباك آخر.