اتفقت معظم الصحف العالمية على أن القرار الأمريكى بشأن التعليق الجزئى للمساعدات عن مصر خطأ كبير ارتكبته الإدارة الأمريكية والرئيس أوباما، مؤكدة أنه يصب فى مصلحة الإخوان المسلمين الذين يستغلون القرار الأمريكى للقيام بمزيد من أعمال العنف فى الشارع، وأشارت العديد من الصحف إلى أن مصر لن تقف مكتوفة الأيدى أمام القرار الأمريكى، وأنها ستبحث عن حليف أجنبى آخر يقدم لها تلك المساعدات بديلا عن أمريكا. وفى هذا الإطار نشرت صحيفة « نيويورك تايمز» الأمريكية مقالا للسياسى الجمهورى « نورم كولمان» أكد فيه أن القرار الأمريكى الأخير بالتعليق الجزئى للمساعدات عن مصر يضاف لسلسلة قرارات خاطئة اتخذتها الإدارة الأمريكية أدت لعواقب غير مقصودة بدلا من الاستقرار والأمل، وقال السياسى الأمريكى إنه فى الوقت الذى من المفترض فيه أن تساعد السياسة الأمريكية الحكومة المصرية المؤقتة من أجل التحرك نحو الديمقراطية، يعطى القرار الأمريكى الأخير ذريعة لهؤلاء الذين يكرهون الولاياتالمتحدة فى مصر، خاصة أن هذا القرار يصب فى مصلحة الإخوان المسلمين، ويجعل العديد من المصريين والأمريكيين يتساءلون فى أى صف تقف الولاياتالمتحدة، واتفقت مجلة « تايم» الأمريكية مع الرأى السابق، حيث أكدت أن قطع المعونة عن مصر لن يؤدى إلى الإطاحة بالنظام القائم، ولكنه سيشجع الإخوان على الاستمرار فى جهودهم لاستعادة السلطة، ولفتت المجلة إلى أن توقيت قطع المعونة الآن يؤكد النوايا الأمريكية السيئة، ولم يعد أمام مصر بديلا إلا البحث عن حليف أجنبى آخر يقدم لها مساعدات عسكرية تعويضا عن الأمريكية، وأن روسيا قد تقوم بملء هذا الفراغ. وقالت صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» الأمريكية إن قرار إدارة الرئيس الأمريكى أوباما بقطع المعونات العسكرية عن مصر تحرك سلبى من شأنه أن يزيد من ضعف وهشاشة النفوذ الأمريكى فى منطقة الشرق الأوسط، وأشارت الصحيفة إلى أن دول الخليج سعيدة للغاية بقرار قطع المعونات، خاصة وأنها مستعدة لكسب نقاط على حساب أمريكا وملء الفراغ المالى لمصر، من جانبها حذرت مجلة «كومنتارى» الأمريكية من أن قطع المساعدات العسكرية عن مصر، يعد مثابة أكبر خطأ تقع فيه تلك الإدارة، وأشارت إلى ما يمكن أن يترتب على قطع المساعدات عن مصر من تقليص النفوذ الأمريكى بها والذى يشهد تراجعا بالأساس، كما حذرت من مغبة أن يتم تفسير هذه الخطوة على أنها دعم لجماعة الإخوان وإرهابييها، ورأت المجلة أنه لا يمكن التنبؤ بكافة تبعات قرار قطع المعونة عن مصر، ولكن الشىء الأكيد هو أن مصر لم يعد لديها خيار بشأن البحث عن حليف أجنبى آخر يقدم إليها مساعدات عسكرية، مشيرة فى هذا الصدد إلى أن تحالف مصر مع أمريكا بدأ على أنقاض تحالفها مع الاتحاد السوفيتى، وكان مصحوبا بمساعدات نقدية أمريكية شريطة حفاظ مصر على معاهدة السلام مع الإسرائيليين، والآن مع عودة الزخم الروسى بالمنطقة على يد الرئيس بوتين على حساب نظيره الأمريكى فى سوريا، فإن هناك اعتقاد بدأ يترسخ بأن موسكو قد تملأ الفراغات التى خلفتها واشنطن. أما صحيفة « أوبزرفر ريبورتر» الأمريكية فأشارت إلى أن الإدارة الأمريكية تستخدم المعونات التى تقدمها للدول كورقة ضغط للتلاعب فى السياسة الإقليمية والدولية، وذلك بما يتماشى مع مصالحها ويحقق أهدافها، وقررت الولاياتالمتحدة إطلاق سراح أكثر من 1.6 مليارات دولار من المساعدات العسكرية والاقتصادية لباكستان التى عُلقت عندما تفككت العلاقات بين البلدين خلال الغارة السرية التى قُتل فيها أسامة بن لادن عبر الضربات الجوية الأمريكية، والتى أصابت بدورها جنودًا باكستانيين، وقالت الصحيفة الأمريكية إنه بالرغم من الجدل بشأن غارات الطائرات الأمريكية بدون طيار، فإن باكستان أعلنت مؤخرا عن إعادة الحوار الاستراتيجى بعد وقفة طويلة، وأضافت أن الولاياتالمتحدة جمدت مساعدات عسكرية لمصر تصل لنحو 1.5 مليارات دولار ، واليوم تفرج عن مساعدات لباكستان كانت مجمدة منذ مقتل زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن. ولم تختلف تحليلات الصحف الفرنسية كثيرا عن الأمريكية، فذكر الصحفى الفرنسى « بيير روسلان» فى مقال بصحيفة «لوفيجارو» أن الإجراء الأمريكى يؤكد مدى فقدان الولاياتالمتحدة لنفوذها فى الشرق الأوسط، وأضاف أن تعليق المساعدات الأمريكية الجزئية العسكرية إلى مصر يتم فى شكل عقوبة لدفع النظام المصرى للديمقراطية، ويمثل أيضًا خطوة للخلف فى إطار سياسة التراجع الاستراتيجى التى تنفذها واشنطن للابتعاد عن الشرق الأوسط والتركيز بشكل أكبر على منطقة المحيط الهادئ بسبب النهضة الاقتصادية فى آسيا، واعتبر الكاتب الفرنسى أن فلاديمير بوتين -الذى استغل مؤخرًا تراجع الدور الأمريكى ليثبت موقعه مجددا فى الملف السورى - يحلم أن تعود مصر مرة أخرى إلى «مدار موسكو»، كما كان الحال خلال الحرب الباردة وحتى وفاة جمال عبد الناصر فى عام 1970، قبل سياسة التوجه للغرب التى اتخذها السادات. وأوضح روسلان فى مقاله أنه بصرف النظر عن الموقف المستخدم بالقاهرة لوضع نهاية لحكم الإخوان، ينبغى على الولاياتالمتحدة أن تدعم النظام المصرى إذا كانت واشنطن تريد الدفاع عن أولوياتها الأساسية فى المنطقة، والحفاظ على اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل، ورأى الكاتب الفرنسى أنه من غير المرجح فى الواقع أن يكون لتعليق إمدادات الأسلحة الأمريكية تأثير مقنع على سياسة القاهرة، فالخطاب العسكرى المصرى معادى للولايات المتحدة، إن لم يكن أكثر مما كان عليه فى ظل حكم جماعة الإخوان، وأشار إلى أنه بصرف النظر عن روسيا التى تتمنى أن تطلب منها مصر ذلك لتسهيل عودتها إلى البحر المتوسط، فمصر لا ينقصها الشركاء لتعويض الانسحاب الأمريكى فى إشارة إلى تعليق المساعدات، فالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت قد وعدوا بتقديم 12 مليار دولار مساعدات لتعويض المساعدات التى كانت قطر قد تعهدت بها لدعم جماعة الإخوان.