عادت الحياة أخيرًا إلى متحف الفنون الجميلة بالإسكندرية بعد أن ظل مغلقًا لأكثر من ثلاثين عامًا، وفى أحد أيام الشتاء الممطرة قام وزير الثقافة د.محمد صابر عرب بإعادة افتتاح المتحف الذى يضم بين أرجائه مجموعة من أشهر أعمال فنانى عصر النهضة وصولاً لأشهر مدارس التصوير الزيتى الواقعية والرومانسية فى أوروبا، إضافة إلى مقتنيات فنية لمشاهير الفن فى العالم. قصة المتحف الذى ظل مغلقًا منذ1981 تعود إلى قطعة أرض أهداها لبلدية الإسكندرية البارون «دى منشا» أحد التجار الأجانب حتى يتسنى عرض مجموعة الأعمال القيمة للفنان ادوارد فريدهايم والتى تبلغ 210 عملًا فنيًا، كان رئيس بلدية الإسكندرية « حسين صبحي» الذى عرف بأنه «راعى الحركة الفنية» هناك، وبعد وفاته أطلق على المتحف اسمه فأصبح يعرف باسم متحف «حسين صبحى» وظل يعرف بهذا الاسم لسنوات عدة حتى أصبح اسمه مرة أخرى « متحف الفنون الجميلة». فى عام 1949م تم تكليف المهندس المعمارى فؤاد عبد المجيد لوضع تصميم أول متحف للفنون الجميلة فى مصر والعالم العربى، و بعد افتتاحه بعام واحد أى فى عام 1955م أقيم به بينالى الإسكندرية لأول مرة، وافتتحه جمال عبد الناصر و مجموعة من كبار فنانى مصر التشكيليين ومنهم محمود سعيد.. محمد ناجى.. حنا سميكة.. سعد الخادم.. حسين بيكار.. محمد حسن .. كمال الملاخ.. حبيب جورجى.. وحسين صبحى. وعن مقتنيات المتحف الآن يقول الدكتور صلاح المليجى رئيس قطاع الفنون التشكيلية: يضم المتحف مجموعة من أعمال فنانى عصر النهضة، وصولاً لأشهر مدارس التصوير الزيتى الواقعية والرومانسية فى أوروبا فى القرنين 19 و20، كما يضم مجموعة كبيرة من المقتنيات الفنية من مختلف العصور لمشاهير الفن العالميين، من أهم مقتنيات المتحف لوحة «تمثالى أمنحوتب بالأقصر» للرسام الفرنسى الشهير جان ليون جيروم (1824 - 1904)، ولوحة للفنان بروسبر ماريلات وهى مشهد من شارع المعز لدين الله من أهم أحياء القاهرة التراثية التى بُنيت فى العصور الوسطى، ولوحة للرسام الفرنسى بيبى مارتن، الذى توفى بالقاهرة عام 1954، و عمل معلماً فى مدرسة الفنون الجميلة بالقاهرة خلال الأربعينيات من القرن الماضي، وكان يسكن فى أحد المنازل بحى «درب اللبان» بالقلعة . ومن أعمال فنانى القرن ال19 عمل ينتمى لمدرسة الفنان الإسبانى الشهير فرانشيسكو جويا بعنوان «القرود»، كما يتواجد الفنان الفرنسى جان فيكتور آدم بعمل «محاربة الأمازون»، وأخيراً من القرن العشرين أعمال جورج هنرى رولات، وبول ريتشارد، والإيطالى إنريكو براندانى. و توجد لوحة بورتريه لسيدة للفنان أدريان توماس من القرن 16، ومن القرن 17 مجموعة الفنان بيتر بول روبنز «مريم المجدلية»، وثلاث أعمال (مناظر طبيعية وأطلال رومانية) للفنان الإيطالى فيفيانو كاتاجورا، ومع أعمال القرن ال18 عمل للفنان الإيطالى العظيم جيوفانى باتستا تيبولو صاحب الجداريات الملحمية. سبقنا الى هناك الدكتور محمد صابر عرب وزير الثقافة، حيث زار عدة مشروعات فنية فى مجمع حسين صبحى من بينها مكتبة البلدية، و متحف الخط العربى وانتهت الزيارة فى مركز الحرية للابداع حيث شهد وزير الثقافة تجربتين تستحقان التصفيق الحاد، الأولى معرض «عدسة» الذى قدم ابداعات ثلاثين فنانا على مدى 365 يوما من الجهد المتواصل الخلاق، أما التجربة الثانية فهى حفل ستديو الممثل «عينى علينا» و هو يجمع بين الغناء و الحكى، فى المسرح المستدير المستوحى من العمارة اليونانية القديمة اهتز الجميع على ألحان الشيخ امام و كلمات الشاعر أحمد فؤاد نجم، وقفشات الكاتب والفنان د0 سامى البلشى وهو مبسوط يتمايل مع أداء الفرقة الراقى و هم يؤدون: «نيكسون بابا»، كلمات و لحن و أداء لاتستطيع أن تطرده من ذاكرتك بسهولة: شرفت يا نيكسون بابا يا بتاع الووترجيت، عملوا لك قيمة و سيمة سلاطين الفول والزيت، فرشوا لك أجدع سكة من راس التين على مكة، وهناك تنزل على عكا و يقولوا عليك حجيت، واهو مولد سايب غايب شى الله يا آل البيت. ظلت نيكسون بابا تطاردنى طوال رحلة العودة و أنا أتساءل : أما آن الأوان للافراج عن أعمال هذا الثنائى الفريد؟ أما آن الأوان لاعتماد هذا التراث الغنائى السياسى ضمن أعمال الإذاعة المصرية؟ أما فريق ستديو الممثل فقد توجه اليهم د.عرب و صافحهم واحدا واحدا، ثم توجه الى الفرقة الموسيقية و صافحهم وأثنى على الجميع و هم حقا يستحقون الثناء. و بمناسبة الشباب أذكر أننى رأيت تجربة رائعة كانت فى بدايتها منذ حوالى عشر سنوات لمسرح مخصص لرعاية الأطفال، المسرح الصغير ملحق بمتحف محمد محمود خليل و حرمه بالجيزة، كان الشباب من الفتيات و الفتيان يعملون بهمة لإنجاح تجربتهم حتى سألت قائد الفريق، و كان شابا صغيرا عن راتبه فقال لى: احنا بنشتغل عشان الأطفال، مش مهم الفلوس، و لكن فجأة احمرت عيناه و امتلأت بالدموع؟! كانت الاجابة واضحة.. انهم موظفون بملاليم، وبعدها علمت أن أستاذهم يتقاضى من مكتبة الاسكندرية وقتها كمستشار أربعين ألف دولار شهريا! ونعود الى متحف الفن الحديث بالاسكندرية، دعونا نتجول: هذه سيدة جميلة تعطى ثديها لطفل رضيع، بجوار الصورة كارت باسم اللوحة: عذراء؟!! كذبت نفسى، بحثت عن صديقى الفنان سعيد عبدالقادر: تعالى قل لى يا أستاذ سعيد اللوحة دى بتقول ايه؟ طيب ليه عنوانها كده؟ أخذ الرجل يضحك و هو يضرب كفا بكف!! مشيت، لفت نظرى لوحة لفتاة تربط حبل بهيمة وقد ارتدت مريلة حول وسطها، وفى مقدمة اللوحة بهيمتان، نظرت للعنوان استرشد به لفهم اللوحة فوجدت كلمة واحدة حيوانات!! وهكذا تتابعت امام ناظرى العناوين: وجه امرأة،وجه طفلة،غروب، المتشرد، لوحة واحدة عنوانها متفق تماما مع المنظر، اسمها: ( الدوسة)، وهى تصور شخصية سلطان عثمانى تسبقه البيارق وهو فوق حصانه و حوله رجاله بموكب كبير، احتشد افراد شعبه على جانبى الطريق، ولكن الطريق نفسه مفروش و معبد بأجساد من البشر المنبطحين على بطونهم ليمر فوقهم السلطان ورجاله و خيوله؟! مين ده؟ لا احد يعلم، من الرسام؟ مجهول، هل المنظر حقيقى ام رمزى؟ لا احد يعلم، ولكن من اسم اللوحه المدون بجوارها تعرف انها تسجيل لحدث حقيقى : الدوسة.