يمثل فيلم (Amour) أو «حب» للمخرج النمساوى المعروف مايكل هانيكى تجربة مؤلمة وقاسية فى المشاهدة، لم أحب الفيلم ولم أتعاطف مع رؤيته رغم الجوائز التى حصل عليها، فاز مثلا بجائزة السفعة الذهبية فى مهرجان كان عام 2012، واعتبره الكثيرون أفضل فيلم أوروبى لنفس العام، وهانيكى مخرج كبير لا يختلف اثنان على تمكنه وبراعته بالذات فى إدارة ممثلى أفلامه، وقد أعجبنى كثيرا فيلمه (الشريط الأبيض) ولكن فيلم (حب) فيه مسحة من الادعاء وبعض التلفيق، هكذا رأيت الفيلم بعد ساعتين من العذاب النفسى من مشاهدة امرأة فوق الثمانين تتوجع، يرعاها زوجها ثم يكتم أنفاسها فى النهاية بدافع الرحمة به وبنا، كان وسيظل نوعا من الادعاء أنه وصف هانيكى ما شاهدناه بأنه (حب) الأجدر به أن يصفه بأنه « موت» أو «ألم» أو أية عاطفة أخرى! أعلم أن كل نقاد الدنيا كتبوا شعرا فى الفيلم، ولكنى لم أجد مبررا لأن يتعذب المشاهد لمجرد أن يقول المخرج إن الإنسان يقتل من يحب رأفة به، آن (إيمانويل ريفا) وزوجها جورج جان لوى ترانتينان أساتذة موسيقى يعيشان معا ولهما ابنة هى إيفا (إيزابيل هوبير) تعيش بعيدا عنهما، فجأة تصاب آن بجلطة تجرى لها عملية تنتهى بها إلى امرأة قعيدة على كرس ساعدها على إبدال ملابسها، يحضر لها الكتب لتقرأ مع الوقت يزيد شعورها بالكآبة والضيق، تبدو مشكلتها فى أنها تكره الأطباء والمستشفيات. تطلب من جورج أن يتعهد لها بألا تذهب إلى المستشفى، تتفاقم حالتها بجلطة إضافية تجعلها تتألم بصوت عال، لا تستطيع أن تكمل جملة مفيدة، يصر الزوج على الاستعانة بممرضة لمدة ثلاثة أيام فى الأسبوع، الابنة تطلب منه أن يوفر لها رعاية طبية فى المستشفى، ولكنه تعهد لزوجته المريضة بألا يفعل، يتعارك جورج مع ممرضة أحضرها، يستعين بممرضة أخرى، لا شىء يحدث سوى تكرار لمشاهد ألم الزوجة ومعاناتها. يذهب جورج إليها يحكى لها قصة من طفولته، ثم يكتم أنفاسها بمخدة السرير، يغلق نوافذ شقته، ويجلس ليكتب رسالة، تتحدث عن تلك الحمامة التى دخلت شقته فأطلق سراحها، نشاهد آن وقد ظهرت من جديد وهما يستعدان للخروج، ينتهى الفيلم بالابنة (إيفا) وحيدة فى المنزل الفارغ، هناك تفسيرات كثيرة للمشاهد الأخيرة ربما يكون أقربها هو أن جورج سيموت أيضا بعد أن قتل زوجته، وأن خروجهما من المنزل هو خروج رمزى ومجاز. ما شاهدناه لا علاقة له حتى بفكرة الموت الرحيم، لأننا رأينا رجلا يريد أن يحرر نفسه من الضغوط النفسية والعصبية التى أصابتنا نحن أيضا بالكآبة، شىء أقرب إلى الحوادث التى يقوم فيها الأب المجهد العائد من العمل وضغوطه بكتم أنفاس طفلة رضيع، لا علاقة للحكاية بالحب، كما يريدها هانيكى، ومن باب الادعاء الإشارة إلى أن تلك العاطفة المركبة تدفع إلى الموت إلا إذا انحرفت إلى ما يقترب من الشذوذ، كان منطقيا أكثر أن يقتل هو نفسه لأنه لا يحتمل أن يشاهد زوجته بهذه الحالة. الفيلم شديد التقشف فنيا لدرجة أن هانيكى لم يستغل حب الزوجين للموسيقى، لم تكتمل مقطوعة واحدة، قد يكون ذلك مقصودا لكنه جعل الفيلم بعيدا عن الشاعرية، فمعظم اللقطات محايدة ومتوسطة، ولم ينقذنا من هذا الجفاف سوى الأداء الرائع ل (إيما نويل ريفا) فى دور عمرها الذى قدمته ببراعة وباقتدار.