فى السنوات الأخيرة ارتبط مسمى النائب العام ومنصبه وقراراته بالعديد من القضايا التى شغلت الرأى العام وكانت محط أنظار طوائف وفصائل عديدة فى المجتمع المصرى. بعض هذه القرارات وصف بأنه جاء متأخراً وبعضها الآخر وصف بأنه غير صحيح وصادم وتدور حولها الكثير من علامات الاستفهام ويشوبها الشك والعديد من التساؤلات حول سلطاته وعلاقته بالقضاء والسلطة التنفيذية وكذلك دوره السياسى فى الأحداث الداخلية خاصة فى عهد الرئيس المخلوع حسنى مبارك والذى شهد المنصب فى عهده الحصول على حصانة غير مسبوقة بحيث أصبح لا يحق لوزير العدل التدخل فى أعماله النيابية أو القضائية. والأسابيع الأخيرة تحديداً شهدت جدلا كبيرا حول منصب النائب العام وإقالة المستشار عبد المجيد محمود من قبل الرئيس محمد مرسى وهو ما اعتبره القضاة انقلاباً على الشرعية وتعيين المستشار طلعت عبد الله بدلا منه ثم تقديم الأخير استقالته قبل أن يعود ويتراجع فيها، ورغم هذا كله سيظل منصب النائب العام هو ضمير المجتمع والحصن الحصين الذى يلجأ إليه جموع المصريين طلبا للحماية والحصول على حقوقهم وهو أيضا المحرك الرئيسى للدعاوى القضائية بكافة أنواعها، قراراته مصيرية وحاسمة ولا راد لها، وهو السبيل لمحاربة الفساد ومطاردة المفسدين. الميلاد ميلاد منصب النائب العام فى مصر يعود إلى بدايات العقدين الأخيرين من القرن التاسع عشر الميلادى وبالتحديد يوم التاسع والعشرين من شهر نوفمبر عام 1881 أى قبل إنشاء المحاكم لذا فهو الأب الحقيقى للقضاء المصرى الشامخ، وأول من شغل هذا المنصب هو اسماعيل يسرى باشا والذى أصبح فيما بعد رئيسا لمحكمة الاستئناف. ولأن منصب النائب العام جزء أصيل من هيبة الدولة المصرية وشموخها كان ضروريا على الاحتلال الإنجليزى على مصر أن يفرض سيطرته عليه بأن جاء فى عام 1883 بالسير بنسون ماكسويل ليتولى المنصب لمدة عام واحد أعقبه مواطنه ايموند وست قبل أن يأتى الدور على الفرنسى المسيو لوجول الذى شغل المنصب لمدة ست سنوات متتالية حتى عام 1895، وعقب محاولات كثيرة لتمصير المنصب تولى إسماعيل صبرى باشا الذى لم يستمر سوى أقل من عامين ليفرض الاحتلال الإنجليزى هيمنته مرة أخرى من جديدة بأن جاء بالمستر كوربت بك نائبا لمدة أحد عشر عاماً متواصلة شهدت نهاية الهيمنة الأجنبية على المنصب بعد تولى عبد الخالق ثروت باشا فى نوفمبر 1908 ومنذ ذلك التاريخ ولم يتول المنصب غير مصرى. كانت قضية مقتل أمين عثمان باشا هى أشهر القضايا التى ارتبطت بهذا المنصب والتى اتهم فيها الرئيس الراحل محمد أنور السادات قبل الثورة،كان المستشار عبدالرحمن الضوير هو من شغل منصب النائب العام فى هذا الوقت، وخلال نظره للقضية أصر على الحضور بنفسه لعمل طابور عرض المتهمين وقام بتبرئة السادات فى هذه التهمة، وعقب تولى الرئيس السادات رئاسة الجمهورية أصر على تكريم المستشار عبد الرحمن كان أحيل إلى التقاعد وقتها. ووفقا للدستور والقانون المصرى فمنصب النائب العام هو رأس الهرم فى جهاز النيابة العامة وهى شعبة من شعب القضاء وليست إدارة تتبع وزارة العدل كما يظن البعض، وهذا الجهاز مكون من محامين عموم ورؤساء نيابة ووكلاء نيابة ومساعدين ومعاونين، وجميعهم يمارسون وظائف قضائية وإدارية متصلة بجهاز النيابة، وقد سمى نائبا عاما نظرا لأنه ينوب نيابة عامة عن المجتمع فى تحريك الدعوى الجزائية والادعاء فيها أمام المحكمة المختصة ويوكل فى ذلك إلى مجموعة من الأشخاص يسمون وكلاء النائب العام أو وكلاء النيابة، والنائب العام غالبًا ما يكون رجلا بدرجة وزير وعضو فى المجلس الأعلى للقضاء ويعيّن بقرار من رئيس الجمهورية ولا يحق لأى شخص عزله أو إقالته من منصبه، وطبقا للقانون المصرى فإن النائب العام هو صاحب الدعوى الجنائية وهو النائب العمومى المختص بالدفاع عن مصالح المجتمع وأى جريمة تقع على أرض مصر أو خارجها ويكون أحد أطرافها مصرى يحق للنائب العام تحريك الدعوى الجنائية فيها. وللسلطتين التنفيذية والقضائية تاريخ طويل من الصراع الممتد فى جذور التاريخ فنجد أنه فى أبريل 1895 صدر قرار من مجلس الوزراء فى ذلك الوقت يحمل عنوان «أعمال للنيابة العامة وعلاقتها بجهات الإدارة» جاء فى بدايته: إن النائب العام وأعضاء النيابة تابعون لوزير العدل وملزومون باتباع التعليمات التى تصدر لهم من الوزارة، قبل أن يصدر مجلس الوزراء فى عام 1927 قرارا بإلغاء ما سبق وتصبح قرارات النائب العام حرة، وبعد عامين فقط من هذا الإجراء صدر قرار فى فبراير 1929 استردت بموجبه السلطة التنفيذية بعض سلطاتها على النائب العام بأن حظرت على النيابة أن تقوم بأى تحقيق إلا بموافقة وزارة العدل لكن لم يلبث هذا القرار طويلاً إذ تمت العودة إلى قرار يناير 1927 لتصبح علاقة النائب العام بوزارة العدل لا يحكمها إلا نصوص القوانين والعرف. وتعقيبا على ما شهده مكتب النائب العام منذ أيام من تجمهر وكلاء النيابة والاعتصام لحين تقديم النائب العام استقالته أكد المستشار وليد شرابى المتحدث باسم حركة قضاة من أجل مصر أن ذلك مرفوض تماما ولا يليق بمكانة ومنصب النائب العام ولابد من اتخاذ الإجراءات القانونية ضد هؤلاء حتى يكونوا عبرة لغيرهم ولكى نحافظ على هيبة ووقار المنصب.