المُؤرّخ الإسرائيلى ذائع الصّيت ومؤلف العديد من الكتب فى تاريخ اسرائيل توم سيجيف.. فى زيارة لأستراليا. سيجيف هنا بدعوة من جامعة موناش الذّائعة الصّيت هى الأخرى - وهى فى مدينة ملبورن - حيث سيُلقى محاضرات فيها وفى بعض الجامعات الأخرى الى جانب بعض المراكز البحثيّة. زيارته لأستراليا ستستغرق نحو شهر أو يزيد. تحدّث قبل الزيارة الى صحيفة الأستراليان فى عددها الأسبوعى. الاستراليان واحدة من أعرق الصحف وأكثرها مصداقيّة هنا. سيجيف قال ان أفضل مؤرخى اسرائيل هم الّذين بمقدورهم معرفة عناوين أرامل قادة اسرائيل ووزرائها الذين فارقوا الحياة.أمّا السّبب فى ذلك فيرجع الى أنّ كبار قادة اسرائيل ووزرائها فى الستينات والسبعينات من القرن الماضى كانت لديهم عادة بالغة السوء. إذ كانوا يأخذون معهم الى البيت الوثائق المهمة والملفّات الخطيرة للاطّلاع عليها ثمّ لا يُعيدونها قبل أن يموتوا. لذلك فانّ الملفّات السريّة أو ما يسميها سيجيف كنوزاً للمؤرخين من أمثالها تبقى مع الأرامل.والمؤرّخ القدير فى نظره هو من يعثر على أرامل هؤلاء القادة والوزراء. تتراوح هذه الوثائق بين كونها سريّة أو سريّة للغاية. هذا الى جانب أنّه أحد المؤرخين الاسرائيليين الّذين يطلقون عليهم هناك لقب «المؤرّخون الجدد» الذين ظهروا فى ثمانينات القرن الماضى.. عندما أعلنت إسرائيل رسميّاً عمّا أسمته الموجة الأولى من أرشيفاتها الدّفينة. ويعترف سيجيف بصدمته حين اطّلع على هذه الأرشيفات والكنوز التّاريخية الّتى سبر أغوارها فى بيوت أرامل الزعماء والوزراء الرّاحلين. الصّدمة سببها أنّ ما قرأه فى الوثائق السّريّة يختلف كثيراً عمّا درسه هو وابناء جيله فى المدارس الاسرائيليّة. فالقادة والزعماء الإسرائيليون الأوائل لم يكونوا بكل هذا النُّبل وبكل هذه البطولات الخارقة. تأكيداً لكلامه يُضيف «أنّه فى الواقع لم يكن لدينا تاريخ.. بل كان لدينا مجموعة من الأساطير حول أشخاص حوّلناهم الى أنصاف آلهة. كانت لدينا طريقتنا فى التّفكير الأُحادى الجانب وكانوا يلقّنونها لنا فى مدارسنا. الأطفال لدينا تعلّموا – ولايزالون- أن دولة إسرائيل حين قيامها فى عام 1948 كانت أرضاً بلا شعب وكُنّا نحن شعبأ بلا أرض.. وأنّنا أقمنا دولتنا على أرض خالية خاوية على عروشها». المؤرخون الاسرائيليون الجدد من جيله هم الّذين اكتشفوا مدى الزّيف فى هذه الخرافات. فالوثائق الّتى رأوْها أكّدت لهم – كما يقول - أنّ أكثر من نصف العرب الّذين رحلوا عن فلسطين أُجْبِروا على الرّحيل بالعُنف المُسلّح.والأرض كانت أبعد ما تكون عن الخالية أو الخاوية على عروشها. وهناك اسرار لما حدث فى عام 1948 مازالت فى طى الكتمان. فى حديثه أشار سيجيف الى أسطورة أخرى يرى أنّها تُجافى الحقيقة. وهى أنّ جميع الدول العربية لم تكن فى يوم من الأيّام راغبة فى السّلام مع اسرائيل. فى كتابه « 1949» كشف أنّ سوريا فى ذلك الوقت كانت مستعدّة لمباحثات سلام مع اسرائيل.. إلّا أنّ دافيد بن جوريون رئيس وزراء اسرائيل فى حينها رفض حتّى مُجرّد الخوض فى هذا. ما حدث من عدوان على العرب الفلسطينيين فى عام 1948 وقبلها وبعدها.. يبقى موضوع تتعامل معه الحكومات الاسرائيليّة المتعاقبة بحساسيّة بالغة ولا تود الخوض فيه وكأنّه رجس من عمل الشّيطان. وأضاف «هكذا استمروا فى الغرس بعقولنا خرافات من نوعيّة أنّنا لم نقع فى ألخطأ ولا فى الخطيئة، إنما كل الخطايا ارتكبها العرب. لذا دارت عليهم الدّوائر وحاق بهم مكرهم السيّء». ويستغرب سيجف هذا الإصرار من جانب حكومات اسرائيل المتتالية على تجهيل طلاب ومواطنى إسرائيل والتَّعتيم عليهم بحقيقة ماحدث.. لكى تبقى فقط اسراراً على الإسرائيليين..بينما هى معروفة للعرب. فهم أدرى بما أصابهم. «المشكلة أن حكوماتنا تريد حتى اقناعنا بأنّنا يجب أن نجهل ما يدركه العرب من تاريخ المنطقة». آخر كتاب أصدره سيجف كان عن مطاردة اليهود للقادة النّازيين الّذين نكّلوا بهم فى الحرب العالميّة الثّانية. وصنّفته صحيفة النيويورك تايمز بأنّه ضمن الكتب العشرة الأكثر مبيعاً فى الولايات المتّحدة.كتابه القادم سيتناول حياة بن جوريون وسيرته الذّاتيّة. سيجيف يحمل معه الى استراليا مايرى أنّه تحذير عمّا يجرى فى إسرائيل الّتى بها أقليّة عربيّة.. خصوصاّ من ناحية التركيبة السكّانيّة «الديموجرافيّة». حيثُ يرى أنّ أعداد السُكّان هناك تتزايد بدرجة سريعة جدّاً فقط بين نوعين شديدى الاختلاف. العرب من جانب وغلاة التطرف الأرثوذوكى اليهودى من الجانب الآخر. فمثلاً أغلبيّة الأطفال المُقيّدين فى مدارس القدس حالياً إمّا أطفال عرب وإما أطفال متطرّفى اليهود. وهذا معناه - كما يقول- نهايةً لحلم الحالمين من أمثاله بأن تبقى إسرائيل يهوديّة وديمقراطيّة فى ذات الوقت. فى رأى سيجيف أنّ إسرائيل مازالت تُناور وتتلاعب بالوهم حين تُعلن أنّ احتلالها للأراضى المُحْتلّة هو احتلال مُؤقّت. «خصوصا بعد أن مرّ الآن خمسون عاماً على احتلالنا لتلك الأراضي. ولا يزال موقف حكومتنا الرّسمى هو حل الدّولتين. اِلّا أنّنى لا أعتقد أنّ حكومتنا الحالية تُؤمن بهذا الحل.. بل تُحاول تفريغه عن مضمونه». ويُضيف سيجيف أنّ نتانياهو يقول إنّه مع حل الدّولتين «هو قالها ولكنّى لا أعتقد أنّه يعنى ما يقول .. بل هو سياسى يناور.انه يتجاهل تماما تسمية هذه المناطق بالأراضى بالفلسطينيّة أو حتّى بالأراضى المحتلّة أو بالضّفّة الغربيّة..بل يصر على أنّها أرض اسرائيل. انه يؤمن بأنّنا ما زلنا فى بداية حقبة تاريخيّة علينا فيها زرع المزيد من المستوطنين على هذه الأراضى فسياسات حكومته كلّها تسير على هذا الدّرب.»