أحسن الرئيس محمد مرسى صنعاً باتصاله الهاتفى يوم الثلاثاء الماضى بفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر للاعتذار عن تصرف مسئولى «البروتوكول» برئاسة الجمهورية فى احتفالية جامعة القاهرة رغم أن هذا الاتصال تأخر ثلاثة أيام كاملة وهو ما يقلل من قيمة الاعتذار عن الإساءة التى مست مقام ومنصب الإمام الأكبر ومؤسسة الأزهر الشريف كلها وعلى النحو الذى أثار استياء المصريين جميعاً. ورغم أن شيخ الأزهر أعرب عن شكره وتقديره للرئيس.. متمنياً له التوفيق فى جمع المصريين على كلمة سواء للتفرغ للعمل والبناء واستكمال أهداف الثورة، إلا أنه يبقى مطلوبا من الرئيس خطوة أخرى تبدو ضرورية لإزالة آثار إساءة مسئولى البروتوكول وهى أن يقوم بزيارة خاصة للإمام الأكبر فى مشيخة الأزهر. سوف تكون لهذه الزيارة التى يتعين أن تتم فى أسرع وقت رغم مشاغل ومهام الرئيس الجسام فى بداية رئاسته.. سوف تكون لها دلالتها بالغة الأهمية التى تجهض أية تفسيرات مغرضة لما حدث وتقطع الطريق على محاولات الدس بين الرئاسة ومشيخة الأزهر، وفى نفس الوقت فإن هذه الزيارة من شأنها أن تعكس عملياً ما أكده الرئيس فى اتصاله من تقديره واعتزازه بالأزهر وشيخه وعلمائه. *** ولعلى لا أبالغ إذا قلت إن هذه الإساءة التى وقعت بحق الأزهر وشيخه تستلزم إجراء تحقيق خاص وعاجل لكشف ملابسات ما جرى ومحاسبة المسئول الأول من بين مسئولى البروتوكول، خاصة وأن «بروتوكول» ترتيب جلوس كبار رجال الدولة والمسئولين تحكمه قواعد محددة وصارمة ولا تقبل التجاوز. ولذا فإن من ارتكب هذه الإساءة إما جاهل بقواعد البروتوكول (ولا يصح بقاؤه فى موقعه) وإما متعمّد (تجب محاسبته) على حد تعبير الدكتور نصر فريد واصل المفتى الأسبق، وفى الحالتين فإن الإساءة لا تغتفر. ثم إنه مما يؤكد جسامة تلك الإساءة للأزهر وعلى النحو الذى يُرجّح اتهام من ارتكبها بسوء القصد والتعمّد هو الحرص على إجلاس الدكتور زويل على يسار المشير طنطاوى مباشرة والدكتور البرادعى على يمينه وبعد الفريق عنان.. التزاما بقواعد البروتوكول باعتبار أن كليهما حاصل على قلادة النيل التى تجعل ترتيب من يحملها فى مرتبة الملوك والرؤساء ومتقدماً على كل كبار رجال الدولة وقبل رئيس الوزراء. ومن المؤكد أنه لا يغيب عن مسئولى «البروتوكول» بالرئاسة أن شيخ الأزهر بدرجة رئيس وزراء وهو بهذا المنصب وبهذه الصفة الرسمية بعد المكانة الدينية الرفيعة ووفقاً لقواعد البروتوكول.. كان مكان جلوسه فى الصف الأول وبجوار الدكتور كمال الجنزورى رئيس الوزراء. إن شيخ الأزهر هو الإمام الأكبر وهو شيخ الإسلام فى العالم الإسلامى، وهو بهذه المكانة الدينية الرفيعة والإمامة الإسلامية العالمية.. يتعين أن يكون مكانه فوق الجميع حتى لو لم يكن بدرجة رئيس وزراء. *** وللأمانة التاريخية فإنه يُحسب للرئيس السادات أنه كان وراء صدور قانون من مجلس الشعب ليكون منصب شيخ الأزهر بدرجة رئيس وزراء وليكون مكانه البروتوكولى متسقاً مع مكانته الرفيعة سواء داخل مصر أو خارجها، خاصة بعدما تواتر عن الحفاوة البالغة التى يلقاها شيخ الأزهر فى زياراته لبلدان العالم الإسلامى وحيث كان يُستقبل مثلما يستقبل الملوك والرؤساء. وقد لا يعلم الكثيرون أن منصب شيخ الأزهر كان بدرجة نائب وزير حتى طلب الرئيس السادات رفع درجة المنصب وكان الاتجاه داخل مجلس الشعب إصدار قانون ليكون بدرجة وزير، ولكن السادات برؤية ثاقبة وبإدراك واع لمكانة هذا المنصب الرفيع أصر على أن يكون بدرجة رئيس وزراء، وكان الشيخ عبد الرحمن بيصار (رحمه الله) أول شيخ للأزهر الشريف بدرجة رئيس وزراء. وقد لا يعلم الكثيرون أيضاً أن شيخ الأزهر رغم مكانته الدينية الرفيعة كان يتبع رسمياً وزير الأوقاف وشئون الأزهر، وهو ما كان إخلالاً جسيماً بمكانة الإمام الأكبر. *** ويذكر للشيخ الشعراوى (رحمه الله) أنه أول من استنكر ورفض بشكل شخصى هذا الإخلال بمكانة شيخ الأزهر عندما كان يشغل منصب وزير الأوقاف وشئون الأزهر فى أواخر السبعينات من القرن الماضى عندما كان الشيخ عبد الحليم محمود (رحمه الله) شيخاً للأزهر، إذ كان على الشيخ عبد الحليم محمود أن يذهب لمكتب الشيخ الشعراوى بحكم منصبه لتوقيع القرارات والأوراق وهو ما رفضه الشيخ الشعراوى. لقد أصر الشيخ الشعراوى كوزير للأوقاف أن يذهب هو إلى الشيخ عبد الحليم محمود كلما اقتضت الحاجة لتوقيع أوراق أو قرارات، بل إنه وفقاً لشهود العيان كان الشيخ الشعراوى يجلس على الأرض فى مكتب الشيخ عبد الحليم محمود لتوقيع الأوراق. *** ما فعله الشيخ الشعراوى كعالم أزهرى جليل وكداعية إسلامى مجدّد قبل أن يكون وزيراً، وكذلك ما فعله الرئيس أنور السادات بإصدار قانون خاص ليكون شيخ الأزهر بدرجة رئيس وزراء.. كان فى واقع الأمر استدراكاً لخطأ بروتوكولى كبير يمس مكانة الأزهر الشريف.. جامعاً وجامعة.. كعبة المسلمين الثانية ومكانة شيخه وشيخ الإسلام.. وهو خطأ كان كبيراً.. صحّحه الشيخ الشعراوى عملياً وصحّحه الرئيس السادات رسمياً وقانونياً. *** غير أن مسئولى البروتوكول فى رئاسة الجمهورية الذين لم يراعوا قواعد البروتوكول فى ترتيب جلوس شيخ الأزهر.. أساءوا للأزهر الشريف وشيخه وعلمائه بقدر ما أساءوا للرئيس محمد مرسى فى اليوم الأول لتوليه مهام منصبه رسمياً، بل أساءوا للمصريين جميعاً.. مسلمين ومسيحيين أيضاً، إذ لا يخفى أن المسيحيين المصريين يعتبرون الأزهر الشريف حصناً حصيناً لهم. *** لذا فقد أصاب الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب حين انسحب ومعه وفد علماء الأزهر.. غيرة على الأزهر الشريف وصوناً لمكانته ومكانة منصب شيخه، وأحسن الرئيس مرسى صنعاً حين اتصل بشيخ الأزهر للاعتذار عما جرى. *** وتبقى مكانة الأزهر ومكانة شيخه الرفيعة ويبقى مكانه دائماً فى المقدمة وقبل الجميع.