نكتب هذا التحقيق ونحن نعلم أنه ربما يكون المشهد الأخير فى حياة الرئيس السابق مبارك، نكتب هذا ونحن نعلم أن كل دقيقة تمر الآن على الرئيس السابق تعنى الكثير والكثير.. تعنى أن هذا الرجل الذى حكم البلاد لمدة 30 عاما متوالية يمر الآن بأخطر لحظات حياته.. رجل ينتظر ملك الموت، ويتلقى نظرة الوداع.. رجل لا حول له ولا قوة، قال عنه الأطباء إنه يعانى كل أمراض الدنيا، وأصبح «جلد على عضم».. لم يعد شيئا بعد ان كان كل شىء، قد يلقى ربه. قبل مثول المجلة للطبع، وقد يلقاه بعد الطبع بلحظات أو ساعات، فالله وحده أعلم بأعمار عباده.. رئيس ملأ الدنيا وشغل الناس ثلاثين عاما متوالية، فأصبح الآن نسيا منسيا.. فسبحان العاطى الوهاب، وسبحان المعز المذل الذى قال فى كتابه.. وما ربك بظلام للعبيد. مشهد دراماتيكى يبدأ بحكم المؤبد بحبسه 25سنة يتكهرب الجو.. تسود الدنيا فى وجه الرئيس السابق، تتساقط الدموع خلف نظارته السوداء ترتعد فرائصه لكونه «بشر»، يقول فى قرارة نفسه.. معقول.. هذه هى مصر التى خدمتها لأكثر من 60 عاما.. مصر التى خدمتها حربا وسلما.. مصر التى قررت أن أموت فيها.. ولكن.. هى الأيام والعبر.. وأمر الله ينتظر.. المشهد الثانى كان هذا هو المشهد الأول ويأتى قرار النائب العام ليبدأ المشهد الثانى حيث يأمر المستشار د. عبد المجيد محمودبنقل الرئيس السابق إلى مستشفى سجن طرة، مفاجأة غير متوقعة.. الرئيس التى كانت تهتز الأرض من تحت قدميه، وكانت إشارة من إصبعه كفيلة بقلب الدنيا رأسا على عقب، يدخل سجن طرة.. لم يعرف أنه ذاهب إلى السجن إلاّ فى عقب وصوله إليه. يرفض الرجل أن تطأ قدمه أرض طرة التى دخلها من قبل مصطفى أمين فى عهد عبدالناصر. وفى النهاية يدخل مبارك مستشفى السجن ليبدأ المشهد الثالث تشتد الأزمات، تتدهور الحالة الصحية، يصبح «جلد على عضم» وبعد أن كان فى المقدمة أصبح فى خبر كان.. انهيار، وبكاء وحسرة على ما فات، لم تستقر حالته منذ دخوله المستشفى وحتى كتابة هذه السطور.. تتوالى الأحداث.. صدمة عصبية عنيفة، وانهيار نفسى كامل، وارتخاء فى الأعصاب وغيبوبة مستمرة، وأجهزة تنفس تعمل ليل نهار فى محاولات مستميتة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.. ساءت حالته أكثر وأكثر عندما جاءت سوزان لزيارته.. وجدته مسجى على فراشه تساقطت الدموع من عينيها كأنها السيل، ألقت بنفسها عليه، فمن يصدق.. هذا هو رئيس الجمهورية، وهذه سيدة مصر الأولى. يوم بعد يوم تتدهور صحة مبارك يوماً بعد يوم يصبح بين الحياة والموت.. يعانى من أزمة نفسية حادة وذبذبة أذينية، وارتفاع فى ضغط الدم مع نوبات ضيق فى التنفس وخشونة فى الركبة، وصعوبة فى الحركة والتنقل.. تعرض الرئيس السابق للغيبوبة أكثر من 5مرات دفعت د. سامى مناع مدير مستشفى السجن الإشراف على علاجه بنفسه ويعاونه فريق من الأطباء على أعلى مستوى.. ومع استمرار الحالة اضطر مدير المستشفى إلى الاستعانة بأطباء القلب والأوعية الدموية والصدر من مستشفى الشرطة وبعد فحص الحالة أوصى الأطباء بضرورة نقله إلى مستشفى القبة أو المعادى.. ليس لأنه رئيس جمهورية سابق وليس لأنه فى حالة لايرجى شفاؤها، ولكن لأنه مواطن مصرى.. مواطن مثل خيرت الشاطر، وأيمن نور، ومحمد بديع، ومصطفى أمين وهشام طلعت مصطفى وغيرهم الكثير.. ومع سوء حالته كما قالت المصادر الخاصة فإن جهات معينة رفضت نقله وطلبت توفير كل المستلزمات الطبية فى مستشفى المزرعة لحين تشكيل لجنة طبية بأوامر من النائب العام وإشراف لواء محمد إبراهيم وزير الداخلية. أول ليلة وإذا كان الشئ بالشئ يذكر فقد كانت أسوأ ليلة فى حياة مبارك هى ليلة دخوله سجن مزرعة طرة، حيث اصيب فيها بحالة هياج شديدة، وأزمة نفسية حادة ورفض تناول الطعام والأدوية، كما فقد توازنه فى تقييم الأمور، وعلى الفور وحتى لا تتحمل بمفردها ومايمكن أن يحدث من مفاجآت طلبت إدارة السجن الاستعانة بفريق آخر من الأطباء من خارج المستشفى لوضع حل سريع لتلك الحالة المتأخرة، وبالفعل، جاء أطباء من مستشفى الشرطة، وأقنعوا الرئيس السابق بتناول الأدوية والأطعمة المقررة وشرب أكبر كمية من السوائل للمحافظة على وزنه، وتحريك شرايين قلبه، وضبط ضغط الدم الذى يعانى منه منذ وقت مبكر فى محاولة جادة لاستعادة وزنه وإنقاذه من الموت بسبب رفضه تناول الأطعمة والمشروبات. ومرت الليلة الأولى على خير، وجاءت الليلة الثانية حيث كان الرئيس السابق أكثر تماسكًا، والتزاما بلوائح السجن، إلاّ أن الجديد فى الموضوع كما أشارت المصادر هو التزام مبارك بالصمت المطبق، والشرود الذى كان باديًا عليه فى أوقات اليقظة، والنوم العميق الذى لازمه لساعات طويلة بعد استسلامه للمصير المحتوم. وفى اليوم الثالث جاءت سوزان ومعها خديجة وهايدى ومحمود الجمال، فرأته فى حالة غير حالته التى كان عليها فى المركز الطبى، حالة يرثى لها.. ينام وحيدًا على سرير متحرك وبجواره كرسى ظهرت عليه آثار الزمن، حالة نفسية سيئة لاتسر عدوًا ولا حبيبًًا. وفى ذات السياق اعترف المصدر الخاص أن الجناح الذى أودع به مبارك فى مستشفى السجن كان على مايرام وتوجد به غرفة كبيرة للعناية المركزة، وبداخلها 5 حجرات إفاقة وأجهزة طبية حديثة وإشراف طبى كامل وأطقم تمريض على أعلى مستوى ولكن ماقيمة كل هذا إذا كانت فى السجن؟!.. عندها بكت سوزان بشدة، بكت وكأنها تبكى لأول مرة فى حياتها، فبكت هايدى وخديجة ومحمود الجمال، وكل من رأى هذا المشهد تأثر قلبه وإن لم تتأثر عيناه. ولأن الشواهد تؤكد أن الرئيس السابق مبارك فى النزع الأخير، وأنه الآن أصبح بين الحياة والموت فقد استجابت إدارة سجن مزرعة طرة لطلب مبارك بنقل نجليه جمال وعلاء من محبسهما ليكونا بجواره بناء على قانون «لم الشمل» المعمول به فى السجون المصرية، والذى يتم سريانه على كل مساجين الأسرة الواحدة بغرض تجميع أفراد الأسرة فى مكان واحد، استجابت الإدارة على نقل جمال فقط ليكون بجوار والده على أن يظل علاء فى محبسه حتى إشعار آخر. حالة الرئيس وفى الوقت الذى انتقل فيه جمال ليكون بجوار والده، تأخرت حالة الرئيس السابق أكثر وأكثر حيث تعرض «5» مرات لحالات إغماء متكررة وتم وضعه على جهاز التنفس الصناعى «5» مرات أيضا، مما يؤكد أنه دخل مرحلة الخطر. ومن جانبها طالبت اللجنة الطبية المكلفة من قبل اللواء محمد إبراهيم يوسف وزير الداخلية بناء على تعليمات المستشار د.عبدالمجيد محمود النائب العام بسرعة نقل الرئيس السابق إلى مستشفى آخر تتوافر فيه الأجهزة الكافية لعلاجه، بعد أن تأكد لها من خلال الفحوص أن الرئيس السابق مصاب بذبذبات أذينية أدت إلى ارتفاع حاد فى ضغط الدم، وتسارع ضربات القلب، كما أوصت بسرعة علاجه نفسيا حتى يخرج من الصدمة العصبية التى تعرض لها من دخوله مستشفى سجن طرة. ومع نفى بعض المصادر نقل مبارك إلى مستشفى آخر غير مستشفى السجن فقد كشفت مصادر أخرى أن تأخر الحالة الصحية لمبارك دفعت كل الأجهزة المعنية إلى بحث سرعة إنقاذه ومن المتوقع إرسال سيارة إسعاف مجهزة لمقر المنطقة المركزية للسجون لنقل مبارك إلى مستشفى المعادى العسكرى وقد تم تحديد الغرفة 308 لاستكمال علاجه بإشراف فريق الأطباء، الذين كانوا يتابعون حالته منذ البداية. ومن جانب آخر، وحتى لايزايد أحد على جهاز الشرطة أو قطاع مصلحة السجون فى هذا التوقيت الحرج، فقد عاملت إدارة سجن طرة الرئيس السابق بما تقتضيه اللوائح والقوانين الخاصة بالمساجين المحكوم عليهم بالمؤبد ولم يتم استثناء الرئيس السابق فى شئ.. دخل مستشفى السجن نظرًا لحالته الصحية المتأخرة، وبناء على قرار اللجان الطبية وقرار النائب العام، لم يتميز مبارك فى شئ فغرفة العناية المركزة التى دخلها فى أول يوم، لم يكن بها - كما قال اكثر من مصدر- جهاز تليفزيون أو تليفون، لدرجة أن الرئيس السابق طلب من إدارة السجن ضرورة توفير تليفزيون لقتل الوقت، وكانت المفاجأة أن إدارة السجن تطوعت وأحضرت له «تليفزيون محلى»، لايأتى إلاّ بالقنوات المحلية المصرية فقط، الأولى والثانية والثالثة، والطريف أنه عندما سأل عن باقى القنوات قالت له الإدارة «ربنا يسهل» لأن استخدام الدش أو الفضائيات يخالف لوائح وقوانين مصلحة السجون. أما عن غرفة العناية المركزة وإن كانت مجهزة بأجهزة طبية حديثة قيل إن ثمنها تجاوز ال8 ملايين جنيه، إلاّ أن تلك الغرفة المعروفة برقم 8 لم تزد مساحتها على 40 مترا، وبها 5 أركان كل ركن على شكل غرفة صغيرة وفى كل غرفة سرير إفاقة تحسبًا لأى ظروف تطرأ على أحد من زوار مبارك خاصة أن صحة سوزان تأخرت فى الآونة الأخيرة بعد دخول مبارك مستشفى السجن. ومن هنا -كما هو واضح- فإنه لا يوجد «خيار وفقوس» فى مصلحة السجون كما يردد بعض أصحاب الهوى فى الميادين؛ والدليل أن اللواء محمد نجيب رئيس قطاع المصلحة لم يوافق على طلب الرئيس السابق بنقل نجليه جمال وعلاء ليكونا بجواره ووافق فقط على نقل جمال كما تنص اللوائح والتعليمات فى حين ترك علاء يعانى الوحدة فى محبسه، رغم أنه يعيش حالة نفسية سيئة ويترقب نبأ وفاة والده فى أية لحظة. كما رفضت إدارة السجن أيضًا مناشدة الرئيس السابق الذى طالب بنقله إلى المركز الطبى العالمى، حيث أكدت له الإدارة فى رد رسمى ان هذا مخالف للوائح، وأنه يعامل كأى سجين بصفته مواطنًا مصريًا كما قامت إدارة السجن بتسليمه الملابس الرسمية للمساجين بالمستشفيات، والتى تم إعدادها له منذ شهر تقريبًا، بالإضافة إلى بدلتين أخريين وكوتشى، وعدد من الأطقم الداخلية وتركته يعانى الوحدة، مع التنبيه على فريق الأطباء بحسن المتابعة والملاحظة، وعدم التدخل فى أى شئ سوى الأمور الطبية. وبناء على مصادر داخل السجن فقد اتصل الطفل عمر علاء مبارك بجده قائلاً له: «ليه ياجدو عملوا فيك كده؟!!» فأكد له مبارك فى صوت متهدج أنها مؤامرة ياحبيبى وإن مصر الآن فى خطر، وتابع قائلا: جدك رجل شريف، وسوف تثبت الأيام بأنه كان كبش فداء حتى يتمكن الخونة من إسقاط مصر وتحقيق مصالح خارجية. وأعترف مبارك قائلا -كما قال المصدر- أن السنوات العشر الأخيرة كانت السبب الرئيسى فى ضياع حكمى، وتشويه صورتى، ثم ألقى باللوم على سوزان قائلا لها: أنت السبب فى كل شئ، لقد شجعتى جمال على مشروع التوريث، واختراع أمانة السياسات مما دعاها إلى تغيير دفة الحوار والتركيز على حالته الصحية. مفاجأة وفى مفاجأة من العيار الثقيل كشف نفس المصدر أن الرئيس السابق طلب من سوزان أن تأتى له فى الزيارة القادمة بكاسيت، ليوجه من خلاله خطابًا للشعب المصرى، يكشف فيه حقيقة مايحدث فى مصر منذ 25 يناير وحتى 11 فبراير، على أن يتم بث الخطاب من خلال التليفزيون المصرى فقط. وفى مفاجأة أخرى فقد نصح مبارك هايدى وخديجة زوجتى ابنيه جمال وعلاء بالسفر إلى الخارج خشية الانتقام منهما فى حالة وصول الإخوان للحكم بعد فوزهم فى مجلسى الشعب والشورى، وإصرارهم على الفوز بكرسى الرئاسة. وأضاف المصدر ان مبارك قال لهايدى وخديجة وسوزان فى حضور رجل الأعمال محمود الجمال، إن أركان النظام السابق كانوا يكرهون جمال وكانوا يتحينون الفرصة للانقضاض عليه وكانوا سيبيعونه فى أول الطريق. على هامش القضية رغم الالتزام الكامل بكل ما قاله المستشار عادل قورة أثناء حواره مع أكتوبر فإنه اعترض على صياغة بعض العبارات التى لم تخرج عن النص، وإيماناً بحق الرد، فقد جاء معالى المستشار لمقر المجلة ليشكر الأستاذ محسن حسنين رئيس التحرير على مجمل الحوار وتسليمه رسالة قال فيها: ورد فى الحوار الصحفى الذى أجراه معى الأستاذ إبراهيم عبد الغنى والمنشور فى مجلة أكتوبر العدد 1858ص 51، بعض العبارات التى لم ترد على لسانى، وهى: 1 - «أن كل هذه الشواهد تؤكد أن جماعة الإخوان تريد السيطرة على مؤسسات الدولة وهذه أول سكة الندامة». 2 - عبارة «ولكن الواضح للعيان أن تصريحات الإخوان تحتاج إلى تأديب وتهذيب وإصلاح وأن من كتب له هذا الخطاب، يجب أن يكون أكثر كياسة حيث أضره ضررًا بالغًا، لأنه بذلك الخطاب اكتسب عداوة أكثر من 5 ملايين مواطن». 3 - لم أقل - كذلك - «إن الإخوان تعتبر الفوز بمنصب الرئيس مسأله حياة أو موت». أرجو من سيادتكم نشر ذلك فى العدد القادم من مجلتكم الموقرة، إعمالاً بحق الرد. وتفضلو بقبول وافر الاحترام المستشار د. عادل قورة مفاجأة.. طرة ومبارك مواليد 28 ============== فى مفارقة غريبة أن يكون قرار إنشاء سجن مزرعة طرة هو نفس العام الذى ولد فيه الرئيس السابق حسنى مبارك، حيث تم إنشاء السجن بقرار من مصطفى النحاس باشا عام 1928، فى حين «خرج» الرئيس السابق على «وش» الدنيا، عندما وضعته والدته الحاجة «نعيمة» رحمها الله فى قرية كفر مصيلحة بالمنوفية عام 1928 أيضًَا. وبالنسبة لسجن طرة فقد وافق مصطفى النحاس باشا، وزير الداخلية، آنذاك على إنشاء السجن لتخفيف الضغط على سجن أبوزعبل، والذى تم إنشاؤه لتأديب الهنجرانية «الغجر»، وقاطعى الطريق، وذئاب الجبل فى الصعيد «الجوانى». ومع مرور الوقت أصبح سجن طرة 7 سجون فى بعض.. أشهرها: سجن المزرعة وليمان طرة، وسجن الاستقبال، وطرة شديد الحراسة المعروف بسجن «العقرب». وفى ذات السياق آمن كل من النبوى إسماعيل، ومحمد عبدالحليم موسى، وزكى بدر وحسن الألفى وحبيب العادلى وزراء الداخلية السابقين أن السجن تأديب وتهذيب وإصلاح فقاموا بإنشاء مشروعات صغيرة داخل السجون لتتحول إلى مراكز إنتاج بدلاً من أن تكون تجمعًا لعتاة الإجرام.