توجت بريطانيا الأسبوع الماضى احتفالاتها باليوبيل الماسى لجلوس الملكة إليزابيث على العرش وهى مناسبة قد تمر قرون قبل أن تأتى مناسبة أخرى مثلها، فهذه هى المرة الثانية فقط التى يحتفل فيها ملك بريطانى بيوبيله الماسى بعد الملكة فيكتوريا فى عام 1897. ولم يكن مستغربا أن يشارك ملايين البريطانيين فى الاحتفالات التى تضمنت حفلات موسيقية وفعاليات ثقافية فى مختلف أنحاء البلاد نظرا للشعبية الكبيرة التى تحظى بها الملكة إليزابيث ليس فى بريطانيا وحدها بل فى جميع دول الكومنولث.ومنذ أربعة أشهر وتعم بريطانيا الاحتفالات بهذا الحدث التاريخى، حيث إن الملكة إليزابيث الثانية اعتلت العرش فى السادس من فبراير 1952، إلا أنها توجت ملكة رسميا فى الثانى من يونيو 1953. وقد شكلت الاحتفالات التى استمرت لأربعة أيام تتويجا للاحتفالات السابقة حيث تضمنت موكبا مائيا ضخما فى نهر التايمز اعتبر الأكبر من نوعه منذ عام 1662، حيث شارك فيه ألف قارب مختلفة الأحجام والأشكال تقدمها المركب الملكى الذى زين بالأحمر والذهبى وحمل على متنه الملكة وعدداً من أفراد أسرتها. وبالرغم من سوء حالة الطقس، فإن مئات الآلاف من البريطانيين اصطفوا على ضفاف النهر لمشاهدة الموكب الملكى وهو ما جاء بمثابة تأكيد لنتائج استطلاع للرأى أجرته صحيفة صنداى تليجراف أظهر أن إليزابيث الثانية هى الأكثر شعبية لدى 35% من البريطانيين بين ملكات وملوك بلادهم. كما أظهر استطلاع آخر لصحيفة ديلى ستار صنداى أن 75% من البريطانيين يعتقدون أن الملكة إليزابيث الثانية كان لها تاثير قوى وإيجابيا على المملكة المتحدة. وترجع هذه الشعبية إلى حد ما إلى تفانى الملكة حتى الآن وبالرغم من كبر سنها (86 عاما) فى أداء واجبها كملكة للبلاد فهى على حد قول المقربين منها للصحافة البريطانية تلزم نفسها بعدة مواعيد فى اليوم الواحد، وتقضى نحو 3 ساعات يوميا فى الاطلاع على الوثائق التى ترسلها لها الوزارات والسفارات والمكاتب الحكومية، الأمر الذى أكسبها خبرة كبيرة استفاد منها العديد من رؤساء الحكومات البريطانية على مدار ستين عاما من جلوسها على العرش والذين بلغ عددهم حتى الآن 12 رئيسا للوزراء. وقد تحدث الكثير منهم عن حكمتها، حيث قال عنها رئيس الوزراء السابق تونى بلير أكثر ما كان يذهلنى فيها هو حكمتها وثقافتها الواسعة. كما تحدث رئيس الوزراء الحالى ديفيد كاميرون عن “معرفتها الواسعة بالدول الأخرى”. ويزيد من شعبية الملكة رعايتها لأكثر من 620 جمعية ومؤسسة خيرية. ولم يكن متوقعا للملكة إليزابيث التى ولدت فى 21 إبريل عام 1926 أن تعتلى العرش ولكن شاءت الأقدار أن يتنازل عمها إدوارد الثامن عن العرش ليتزوج المطلقة الأمريكية واليس سيمبسون، وهكذا أصبح والدها جورج السادس ملكا على بريطانيا ومن ثم صارت إليزابيث ملكة بعد وفاته وكان عمرها حينذاك 25 عاما. وتأتى إليزابيث فى المرتبة الأربعين فى قائمة من تولوا عرش بريطانيا منذ استعادة وليام الأول عرش انجلترا فى عام 1066، وكان من بينهم 6 ملكات فقط. وللملكة مهام عديدة منها قيادة القوات المسلحة الملكية، ورئاسة البرلمان، ورئاسة كنيسة انجلترا، وتمثيل الدولة فى المناسبات الرسمية. ويحق لها إقالة الحكومة والاعتراض على قراراتها وحل البرلمان، إلا أن الملكة إليزابيث تنأى بنفسها عن التدخل فى أمور السياسة وتفوض هذه الصلاحيات لرئيس الحكومة. وبالرغم من تقدمها فى العمر، فإن الملكة إليزابيث مازالت تتمتع بذاكرة حديدية ولياقة صحية. ووفقا لأحد كبار مساعديها، فإنها تتمتع بروح متفائلة ساعدتها على التغلب على الأحزان المختلفة التى مرت بها على مدار حياتها. كما تتمتع الملكة بروح الدعابة والسخرية ولكن ذلك لا يظهر إلا فى المناسبات الخاصة جدا وبعيدا عن الأضواء. ويقول العاملون بالقصر إن الملكة تتسم بالتواضع فى التعامل معهم، وأنها بالرغم من تمسكها بالشكل التقليدى فى إدارة العمل بالقصر فإنها تتقبل الاقتراحات وتعمل بها إذا كانت صائبة. وفى حديث مع مجلة تايم الأمريكية، ذكر الأمير اندرو أن الملكة تعلم بكل ما يدور فى القصر وأنها شديدة الملاحظة وتكتشف أى خطأ حتى ولو كان صغيرا. ونتيجة للضغط السياسى على قصر باكنجهام للاقتصاد فى نفقاته، توصى الملكة العاملين بالقصر بعدم السير على السجاد الفاخر حتى لا يتلف وتوصى بالتأكد من إطفاء الأضواء بغرف القصر ليلا. ويذكر أن الملكة تكره بشدة قيام شخص مصاب بنزلة برد بزيارتها خوفا من انتقال العدوى إليها مما يعوقها عن أداء مهامها. وتحاول الملكة بقدر استطاعتها التفاعل مع الناس فعند منحها للأوسمة، على سبيل المثال، تدرس الملكة السيرة الذاتية للشخص المكرم مما يسمح لها بالحديث معه عند تسليمه الجائزة. وبالرغم من أن الملكة إليزابيث معروف عنها تمسكها بالتقاليد والرسميات والبروتوكولات الملكية فإنها من داخلها ربما تضيق ذرعا بطابع الرسميات والبروتوكول الذى يحيط بها، حيث صرحت ذات مرة بأنها تتمنى أن تعيش كامرأة عادية فى الريف وسط الخيول والكلاب التى تهوى تربيتها. وإلى جانب الفروسية، تهوى الملكة إليزابيث التصوير الفوتوغرافى، وقراءة الصحف، ومشاهدة التليفزيون بمختلف برامجه، واقتناء القطع النادرة من الذهب والفضة. وبمناسبة اليوبيل الماسى أقامت الملكة إليزابيث معرضا لمجوهراتها الشخصية لتروى تاريخ إنجلترا ويضم المعرض قائمة طويلة من المعروضات الماسية التى ورثتها صاحبة الجلالة بعد توليها الحكم حيث يعرض أقراطاً وسلاسل صنعت خصيصاً للملكة فيكتوريا وارتدتها من بعدها كل من الملكة ألكسندرا والملكة مارى والملكة إليزابيث الأم فى حفلات تتويجهن ومن بينها سلسلة العنق التى ارتدتها الملكة فيكتوريا فى عيد جلوسها على العرش وهى مكونة من 25 ماسة. ويعرض أيضاً بروش خاص صمم للملكة فيكتوريا ليناسب موضة فساتين الرقبة القصيرة التى كانت سائدة فى ذلك الوقت. كما يضم المعرض البروش الذى يظهر فى اللوحة الرائعة التى رسمها الرسام العالمى فرانز وانترهلد للملكة عام 1859 وفى الواقع فإن هذا البروش الفريد هو إعادة تصميم لقطعة مجوهرات قدمها السلطان التركى عبد المجيد للملكة، وقامت دار المجوهرات العالمية أر أند إس جاراد بإعادة تصميمه فى صورته الجديدة.. وهى نفس الدار التى صممت التاج الذى ارتدته الملكة فيكتوريا فى عيد جلوسها الماسى على العرش عام 1887 وقد صمم التاج لارتدائه فوق غطاء الرأس وهو الأمر الذى قررته الملكة فيكتوريا لنفسها بعد وفاة الأمير ألبرت.. كما يضم المعرض أيضاً سلسلة عنق صنعت فى جنوب أفريقيا وقدمت إلى الأميرة إليزابيث عام 1947 فى عيد ميلادها الحادى والعشرين، كما يضم أيضاً بروش ويليامسون الذى يضم أنقى وأكبر ماسة وردية اللون قد عثر عليها الجيولوجى الكندى الدكتور ويليامسون، وأهداها كقطعة ماس خام إلى الأميرة إليزابيث فى عيد زواجها وقد قامت دار مجوهرات كارتييه بقطع الماسة ووضعتها فى قلب بروش على شكل زهرة نرجس تحيط بها 200 ماسة صغيرة.