كان ولا يزال كرسى الرئاسة له سطوته منذ عصر الفراعنة وأن من يجلس على هذا الكرسى يلتصق به وتنقلب معالم شخصيته تماما ويتحول إلى ما يشبه الوحش الكاسر ويفقد آدميته ومشاعره الإنسانية فى أغلب الأحيان. ويؤكد تاريخ مصر منذ عصر الفراعنة حقيقة سطوة كرسى الحكم وخير دليل على ذلك الملكة حتشبسوت التى استولت على الحكم من والدها تحتمس الثانى وكانت قوية الشكيمة حاسمة فى قراراتها وصنعت الكثير من أجل نهضة شعبها وجسدت إنجازاتها على معبد الدير البحرى فى الأقصر. وحفاظاً على الدم الملكى تزوجت الملكة حتشبسوت من أخيها تحتمس الثالث ولكنها كانت تكتم على أنفاسه ومنعته من ممارسة أى نشاط أو إصدار أى أوامر للرعية. وظلت حتشبسوت جاثمة على صدر زوجها وأخيها فى نفس الوقت وجمدته وجعلته بلا حول ولا قوة وعندما توفيت حتشبسوت انتقم منها زوجها تحتمس شرا انتقام وتمثل ذلك فى تكسير وهدم إنجازاتها من على المعابد التى شيدتها، حيث كان من عادة الملوك الفراعنة أن يسجلوا إنجازاتهم على المعابد والمقابر كما هو الحال فى معابد أبو سمبل ووادى الملوك فى الأقصر. وكان تحتمس الثالث يأمر أتباعه بحرق معابد حتشبسوت ورمى الزيت عليها لفترات طويلة تصل لعدة أسابيع متصلة وكلما ضعفت وخفّت حدة النيران يتم إلقاء المزيد من الزيت لاستمرار توهجها وبعد ذلك يتم رمى ماء بارد على المعابد المحترقة بعد تلك الفترة حتى تفتت المعابد فى صورة أحجار صغيرة وحتى يطمئن زوجها إلى اختفاء معالم هذه المعابد والكتابات التى كانت منقوشة ومرسومة عليها. وفى العصر البطلمى اتهموا كليوباترا السابعة التى حكمت مصر وحققت فيها الاستقرار والرواج بأنها ضحت بأختها «أرسنيوى» لتستولى على حكم مصر. وكانت تملك الحكم السديد فى شئون الحكم ولذلك أبعدت كليوباترا أختها حتى تحافظ على مصر، التى ضحت من أجلها بالكثير. وفى العصر الأيوبى قتلت شجرة الدر الملك عز الدين أيبك ملك مصر عندما تزوج عليها وأنجب ابنه على ليرث عرش مصر من بعده فحرضت أقطاى رئيس ديوانه على قتله وقامت أم على زوجة أيبك بقتل شجرة الدر بالقباقيب وخنقتها انتقاما لزوجها واستعادة العرش والكرسى لابنها. المقربون من حسنى مبارك كانوا يعرفون جيدا أنه كان يرفض توريث الحكم لابنه جمال، ولكن زوجته وابنه ضغطا عليه ومارسا كل الأساليب لإقناعه بذلك ومنهم حاشية السوء وأصحاب رأس المال والسلطة الفاسدة وكان ذلك سببا فى التعجيل بسقوط حكم مبارك وغضب جموع المصريين وارتفاع صرخات الظلم والاحتجاج العام. ولا يزال لكرسى السلطة بريقه ولمعانه وسطوته وقسوته وتجرده من المشاعر الإنسانية والتضحية بالزوج والابن والأخ والأخت من أجله. لعن الله كرسى الحكم لأنه مصدر للتوحش والاستبداد والتجرد الإنسانى.