تساؤلات عديدة حول مستقبل كوريا الشمالية أثيرت منذ الإعلان عن وفاة الزعيم الكورى الشمالى كيم جونج ايل فى 19 ديسمبر الماضى وتولى ابنه الأصغر كيم جونج أون مقاليد السلطة فى هذا البلد الشمولى الفقير المعزول دوليا بسبب امتلاكه للسلاح النووى وساد الترقب للتغير الذى قد يطرأ على سياساته الداخلية والخارجية وفى ظل هذا الترقب العالمى جاءت الافتتاحية السنوية التى تحدد فيها بيونج يانج فى الأول من يناير الخطوط السياسية العريضة للبلاد خلال ال 12 شهرا المقبلة لتجيب عن بعض هذه التساؤلات مما جعلها تحظى باهتمام الخبراء والمحللين السياسيين. ففى إشارة إلى توحد جميع سلطات الدولة خلف الزعيم الجديد، حضت الافتتاحية التى نشرتها الصحف الرسمية - وتشبه خطاب حالة الاتحاد فى الولاياتالمتحدة - أعضاء حزب العمال الشيوعى الحاكم وأفراد الجيش والشعب على الاستعداد لأن «يكونوا حصونا ودروعا بشرية للدفاع عن كيم جونج أون حتى الموت». وأضافت الافتتاحية المشتركة أن كيم جونج أون «هو بالضبط كيم جونج ايل العظيم» وأنه «يملك الشرعية لمواصلة المعركة الثورية التى بدأها جده كيم إيل سونج مؤسس كوريا الشمالية وطورها والده كيم جونج إيل». وجاء هذا بعد تنصيب كيم جونج أون (29 عاما) بشكل سريع قائدا أعلى للبلاد وللحزب الحاكم وللجيش، ما اعتبره المحللون دليلاً على تمتع أون بنفوذ فعلى داخل الدولة رغم صغر سنه وقلة خبرته. وكان أون قد تم تجهيزه خلال السنوات الأخيرة كى يحل محل أبيه فى سدة الحكم حيث عينه والده فى الجيش برتبة جنرال بأربعة نجوم، وتم تعيينه فى مناصب عليا فى الحزب الحاكم. وتعهدت الافتتاحية بتحقيق ازدهار اقتصادى خلال عام 2012 بالرغم من اعترافها فى الوقت نفسه بأن أزمة الغذاء التى تواجهها الدولة مازالت تمثل قضية شائكة حيث تعانى كوريا الشمالية من نقص مزمن فى المواد الغذائية وتعتمد بشكل كبير على المساعدات الخارجية من الصين. وفيما يتعلق بجارتها الجنوبية التى تعتبر رسميا فى حالة حرب معها، هاجمت الافتتاحية كوريا الجنوبية متهمة إياها بانتهاج المواجهة والمناورات الحربية رغم جهود بيونج يانج لإعادة فتح الحوار، مما يعد تأكيدا للرسالة شديدة اللهجة التى أعلنت فيها لجنة الدفاع الوطنى التى تعد أقوى جهة لصنع القرار فى كوريا الشمالية أنها لن تغير سياستها بعد رحيل زعيمها كيم جونج ايل ولن تتعامل مع الحكومة الحالية فى كوريا الجنوبية. ومع ذلك يرى المحللون أن استخدام بيونج يانج للهجة الحادة مع الجنوب الهدف من ورائها حشد قواتها المسلحة والشعب خلف القائد الجديد. وبالرغم من دعوة الافتتاحية للولايات المتحدة إلى سحب قواتها من كوريا الجنوبية واصفة إياها بأنها العقبة الرئيسية فى طريق السلام، إلا أنها لم تشر إلى برنامج التسلح النووى الذى يشكل نقطة الخلاف الرئيسية بينها وبين الولاياتالمتحدةالأمريكية والذى فرضت على كوريا الشمالية عقوبات دولية بسببه، وهو ما يراه الخبراء إشارة على استعداد الدولة لاستئناف المحادثات السداسية المتوقفة منذ ديسمبر 2008، خاصة أن الاتصالات الدبلوماسية بين بيونج يانج وواشنطن كانت قد اكتسبت قوة دفع قبل إعلان وفاة ايل بحيث أثيرت توقعات بأن الجانبين على وشك التوصل لتسوية لوقف البرنامج النووى لكوريا الشمالية مقابل الحصول على مساعدة فى مجالى الطاقة والغذاء. وبشكل عام يرى الكثير من مراقبى الشئون الكورية فى كوريا الجنوبية أن الافتتاحية لا تشير إلى أى تغييرات جديدة كبيرة فى سياسات كوريا الشمالية حيث قال يانج مو جين، الأستاذ فى معهد الدراسات الكورية الشمالية فى سول، لوكالة رويترز إن الافتتاحية تدل بوضوح على أن معالجة مشكلة الغذاء - وليس تبنى سلوك عدوانى أو الدخول فى مفاوضات - ستمثل أهم أولويات الشمال هذا العام من أجل تعزيز قبضة أون على السلطة. ويتفق معه فى الرأى يو هو يول الخبير فى شئون كوريا الشمالية فى جامعة كوريا حيث يقول: يبدو أن الشمال يتأهب لتركيز سياسته فى الوقت الراهن على الشئون الداخلية مثل القضايا الاقتصادية بدلا من إحراز تقدم فى الشئون الدبلوماسية. كما نقلت صحيفة نيويورك تايمز عن شيونج سيونج - تشانج، المحلل بمعهد سيجونج فى سول، رأيه أن الافتتاحية تظهر أن كوريا الشمالية ستركز جهودها هذا العام على بناء نظام ديكتاتورى ستالينى يتمحور حول كيم جونج أون، وأضاف أنه فى ظل الهموم الداخلية من المستبعد قيام النظام بتحسين العلاقات مع كوريا الجنوبية أو العالم الخارجى.