بعد مرور ما يقرب من عشرة شهور على قيام ثورة 25 يناير.. أصبح مؤكداً أن ما يحدث فى مصر الآن لا علاقة له بالثورة ولا بالأهداف التى قامت من أجلها الثورة!.. أمضى خطوة أبعد وأقول إن ما يحدث فى مصر الآن هو خطة دقيقة ومحكمة وممنهجة لإسقاط مصر وإغراقها فى بحور الفوضى والدمار والخراب.. وأمضى لما هو أبعد من هذه الخطوة البعيدة وأقول إن أصحاب هذه الخطة الدقيقة والمُحكمة والممنهجة والذين يقفون وراءها والذين يتحملون مسئولية تنفيذها.. أصبحوا جميعا قريبين من تحقيق هدفهم.. خراب مصر وإسقاطها!.. ولست فى حاجة بعد ذلك إلى القول بأن المخططين والمنفذين يتحركون على ثلاثة محاور رئيسية.. استمرار الغياب الأمنى.. ومحاولة إسقاط الجيش.. وتخريب اقتصاد مصر عن طريق إصابة أدوات الإنتاج بالشلل!.. وأكثر ما أخشاه بعد ذلك كله أن يتصور القارئ أن كلامى معناه أن نسلم أنفسنا ونستسلم للمؤامرة وأصحابها.. أكثر ما أخشاه أن تضيع مصر من بين أيدينا ونحن واقفون نشاهد ونتفرج مذهولين بمشاهد المؤامرة.. صحيح أن المؤامرة أكبر مما نتصور.. وصحيح أن أصحابها اقتربوا جدا من أهدافهم.. لكن الصحيح أيضا أنها مصر.. وأننا مصريون!.. و أبدأ بالغياب الأمنى الذى يمثل واحدا من مفردات المؤامرة التى تعيشها مصر الآن.. والخطر الذى تقترب منه.. ليس هناك خلاف على أن غياب الشرطة طال بأكثر مما يجب.. وليس هناك خلاف على أن ممارسات البلطجية واللصوص وقُطّاع الطرق وغيرهم زادت بأكثر مما يجب!.. سرقة بالإكراه.. اغتصاب.. اعتداء على الممتلكات الخاصة سواء الأراضى أو العقارات أو السيارت.. التجاوزات التى يقوم بها البلطجية واللصوص وقُطّاع الطرق أصبحت تتم جهاراً نهاراً دون خوف أو حتى حياء!.. وأجهزة الشرطة تعانى من نقص كبير فى الإمكانات لكنها تعانى أكثر من عواقب أداء واجبها وتحمل مسئولياتها!.. أصبح سائداً بين رجال الشرطة أن أجهزة الإعلام تتربص بهم وأنها جاهزة لتحويل المجرمين وتجار المخدرات واللصوص والمغتصبين إلى شهداء وضحايا أبرياء.. إذا ما تم التعامل معهم بحزم وحسم.. أجهزة الإعلام لعبت الدور الرئيسى فى تحريض المواطنين على الشرطة.. فهى التى قامت بتسويق فكرة أن الذين اعتدوا على أقسام الشرطة وحرقوها وسرقوا ما بها من أسلحة.. شهداء فعلوا ذلك رداً على ممارسات الشرطة الظالمة لسنوات طويلة!.. الفضائيات على وجه التحديد لعبت الدور الأكبر فى استعداء المواطنين على ضباط الشرطة وجنودها.. وأظننا نذكر ما تعرض له وزير الداخلية الحالى منصور العيسوى من مهانة وإهانة وتجاوز فى أحد البرامج الفضائية عندما قام أحد المواطنين الذين اتصلت بهم مذيعة البرنامج بسبه علنا والاستهزاء به كضابط شرطة وكوزير.. كل ذلك ومذيعة البرنامج الشهيرة تكتفى بابتسامتها الصفراء دون أى محاولة للاعتذار!.. إذا أردنا عودة الشرطة لمكانها ومكانتها فلابد أولا من تأمينها من الفضائيات المتربصة بها.. ولابد بعد ذلك من التفريق بين قيام رجل الشرطة بواجبه ومسئوليته بالحسم والحزم المطلوبين.. وبين تجاوزه واللجوء للعنف.. ثم لابد أن نوفر له الإمكانات لحماية نفسه أولا فليس معقولا أن يحمينا من يعجز عن حماية نفسه!.. على أرض الواقع لابد من استعانة جهاز الشرطة بأفراد وجنود من الجيش.. على الأقل خلال هذه الفترة.. ومن الممكن أن يتم توجيه الغالبية العظمى من المجندين للخدمة فى جهاز الشرطة.. فى كل الأحوال لابد أن تعود أجهزة الشرطة قوية وقادرة على القيام بواجباتها ومسئولياتها.. والأهم ألا تتعرض للمساءلة إذا قامت بهذه الواجبات والمسئوليات!.. ولا تقل محاولة تخريب اقتصاد مصر خطورة عن غياب الأمن!.. *** كيف يمكن أن يستعيد الاقتصاد المصرى عافيته وسط كل هذه الإضرابات والاعتصامات والمطالب الفئوية؟!.. كيف يمكن أن تتحقق كل هذه المطالب مرة واحدة.. كأن الحكومة تملك مصباح علاء الدين؟!.. كلنا نتساءل وكلنا يعرف الإجابة.. ومع ذلك لم تنقطع المطالبات ولم تتوقف الاعتصامات والاحتجاجات.. الغريب أنها زادت.. والأغرب أنها تحدث لأسباب بعيدة عن العقل والمنطق.. وليس ما يحدث فى دمياط إلا نموذجا واحدا!.. أحداث دمياط بدأت قبل حوالى عشرة أيام.. وكان الانطباع الذى نقلته وسائل الإعلام للمواطن المصرى أن أبناء محافظة دمياط غاضبون وأنهم عبّروا عن غضبهم بقطع الطريق المؤدى إلى مدينة رأس البر وإلى ميناء دمياط وذلك لأن الحكومة ضحكت عليهم!.. ما فهمناه من وسائل الإعلام أن إصرار الحكومة على تشغيل مصنع موبكو للبتروكيماويات بدمياط هو السبب.. حيث إن المصنع تنتج عنه مخلفات ضارة تصيب الإنسان والحيوان والنبات بالأمراض القاتلة.. هكذا فهمنا من أجهزة الإعلام المختلفة.. الفضائيات والصحف وغيرها.. وعندما أصدرت الحكومة قرارها بإيقاف العمل فى المصنع.. فهمنا أيضاً أن المشكلة تم حلها، وأن قرار الحكومة الذى صدر بتوجيهات المجلس العسكرى قد أعاد الأمور لنصابها الحقيقى.. غير أننا فوجئنا باستمرار المشكلة بل وزيادة حدتها. حيث لم ينفض الاعتصام ولم يتراجع أبناء دمياط عن حصار مدينة رأس البر والميناء.. وكان السبب أنهم غيروا مطالبهم.. من إيقاف العمل بالمصنع إلى هدمه وتفكيكه (!!!).. ثم بدأنا نكتشف وجود أبعاد أخرى للمشكلة أوقعتنا فى حيرة عظيمة.. وزارة البيئة - المفترض أنها الجهة المختصة - أعلنت على لسان وزيرها ماجد جورج أن مصنع موبكو يطبق المعايير وأن الانبعاثات الناتجة عنه فى حدود الأمان البيئى.. والأهم أن قياسات الهواء فى ميناء دمياط والمنطقة الصناعية أثبتت خلوه من الملوثات البيئية والمطابقة للاشتراطات والمعايير.. فى نفس الوقت أكد المهندس مدحت يوسف رئيس مجلس إدارة شركة موبكو استعداد الشركة لاستقبال لجنة أوروبية للتأكد من سلامة الحالة البيئية للمصنع ثم عاد فأبدى استعداد الشركة لاستقبال لجان من الأممالمتحدة ومنظمة الصحة العالمية.. وذلك لأنه - على حد قوله - متأكد من أن نسبة التلوث البيئى فى مصانع موبكو بدمياط أقل من الحدود المسموح بها.. المفارقة أنه فى الوقت الذى يحاصر فيه أبناء دمياط مدينة رأس البر وميناء دمياط لإرغام الحكومة على (تدمير) مصنع موبكو.. كان العاملون فى المصنع يعلنون اعتصامهم فى القاهرة احتجاجاً على قيام الحكومة بإغلاق المصنع.. ثم بدأت المشكلة تكتسب أبعادا خطيرة حيث قام عدد من الأشخاص - أكدت وسائل الإعلام أنهم ملثمون - قاموا باقتحام محطة الكهرباء التى تغذى ميناء دمياط وأجبروا العاملين فيها على قطع التيار الكهربائى عن ميناء دمياط!.. الخسائر فادحة تقدر بالملايين.. خسائر المصنع وخسائر الميناء.. ويطرح السؤال نفسه: لماذا قطع الطريق؟ ولماذا حصار مدينة رأس البر؟ ولماذا تعطيل ميناء دمياط كله؟.. لماذا هذا التصعيد المبالغ فيه؟!.. ولو أن المصنع هو سبب الاضطرابات والاحتجاجات والاعتصامات.. فلماذا تجاوزت هذه الاضطرابات والاحتجاجات والاعتصامات حدود المصنع؟!.. ويتبقى ثالث مفردات المؤامرة.. إسقاط الجيش!.. *** ليس خافياً المحاولات المتعمدة والمتكررة للصدام مع الجيش.. ليس خافياً المحاولات المشبوهة لاقتحام وزارة الدفاع.. حجة الذين قاموا بهذه المحاولات أنهم كانوا يريدون أن يبعثوا برسالة إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة.. رسالة تطالبه بنقل السلطة للمدنيين!.. ما حدث فى ميدان العباسية من محاولة اشتباك مع أفراد الجيش ثم ما حدث بعد ذلك أمام مبنى التليفزيون بمنطقة ماسبيرو يؤكد أن هناك مؤامرة تستهدف وقوع صدام بين الجيش والشعب.. وأن حكاية نقل السلطة ما هى إلا حجة وذريعة.. خاصة أن الجيش أعلن مراراً وتكراراً أنه سيسلم السلطة وأنه غير راض عن استمراره خارج الثكنات!.. اللافت للنظر أن أى مشكلة تطفو على سطح الأحداث يتم اقتيادها عمدا إلى منطقة الصدام مع الجيش.. الانتخابات.. المبادئ فوق الدستورية.. خلافات القوى السياسية وصراعها على السلطة.. كلها وغيرها مسائل يحولها البعض - ربما بمنتهى الحرفية - إلى صدام مع الجيش والمجلس الأعلى للقوات المسلحة.. نبرة انتقاد الجيش بدأت تزيد فى الآونة الأخيرة بشكل ملحوظ.. من أشخاص معروفين ومحددين. أعمى الذى لا يرى كل ذلك!.. *** مصر فى خطر عظيم.. مصر تواجه مؤامرة لإسقاطها. وإذا كانت وراء هذه المؤامرة قلة تفعل ذلك بدافع الخيانة والانتقام من الوطن.. فإن معظمنا يساعد هذه القلة بالسير وراءها متجاهلين ومتغافلين.. أنها مصر.. وأننا مصريون!..