السويس بلد ساحلى جميل.. البحر يحيطها من ثلاثة جوانب ولذلك هى شبه جزيرة، ويمر بها أعظم خط ملاحى عالمى.. قناة السويس التى جعلت من هذا البلد ذا شهرة عالمية.. أما أهلها فهم خليط من الحجازية والأتراك والصعايدة وأبناء النوبة والشرقاوية وقديما كان اليونانية والطلاينة ممن يعملون فى شركة «الكنال» والتجارة فى البقالة والحلويات واللوتارية وبيع الخمور، وكان يقف على رأس شارعنا عمارة الخواجة لوانيدو وعلى الطرف الآخر بيت الصعايدة والكل يتعايش كأسرة واحدة.. والسويس أول خط يواجه أى عدو ولذلك على مر التاريخ قدمت أبطالا ورجالا وفدائيين ممن قاوموا الانجليز والفرنجة ومن منا لا يذكر فدائيى كفر محمد عبده والمقاومة الشعبية أثناء حرب الاستنزاف بعد 1967، وهى كبلد أهله جذورهم من الأتراك والصعايدة فهم دمهم «حامى» وصعب ان ينسوا ثأرهم حتى لو بعد الزمن.. على الرغم من أن السويس قدمت التضحيات على مر العصور وفى كل الأزمات التى مر عليها الوطن فإنها كانت الأقل حظا فى كل شىء.. فبعد انتصارات أكتوبر وعودة أهلها إليها لم يتحقق لهم التعمير كما يجب أن يكون. المدن التى بنيت للناس الذين عانوا فترة طويلة وقد هدمت منازلهم وجدوا بيوتا فقيرة البناء شكلا ومضمونا رغم أن هذه المدن تبرع ببنائها الملك فيصل وأمير الكويت ولكنهم هبروا الفلوس وبنوا حاجة كده على قد الحال.. كل المقدمة هذه واجبة قبل أن أتحدث عن الوضع الحالى المشتعل فى السويس الآن.. عندما بدأت الثورة كان أول شهيد سقط فى السويس وهذا ربما ما أشعل الثورة فى كل أنحاء مصر.. لقد استهان الضباط الذين هم حماة الوطن بشباب هذا الوطن وقتلوهم، شباب فى عمر الزهور بعضهم كان أبا لأطفال وبعضهم كان سيتزوج قريبا وبعضهم كان يعيل أسرة وأخوات، وشباب أحلامهم كانت أمامهم.. ذهبوا فى لحظة لأنهم دافعوا عنا جميعا، وهم الآن يطالبون بحق طبيعى جدا فى القصاص. العين بالعين والسن بالسن والبادى أظلم، كيف تصل الاستهانة بدماء الشهداء من أبناء الثورة ولا يؤخذ حقهم مما قتلهم مع سبق الاصرار والترصد، لماذا لا يكون الفصل فى هذه القضايا سريعا وعن طريق المحاكمات العسكرية حتى يرتاح أسر الشهداء الذين حرقت قلوبهم على أبنائهم؟ أعود مرة أخرى للتجاهل الذى تعيشه السويس كبلد يدفع أبناؤه ثمن حبهم لعبدالناصر، السوايسة معظمهم شعب يميل إلى الرئيس عبد الناصر وكان الرئيس عبد الناصر يحب هذا البلد لأنه قضى فترة من عمره فيه؛ وأذكر أن الرئيس عبد الناصر عندما جاء السويس يستقبل العائدين من اليمن فى الستينيات من القرن الماضى.. قال لهم انتم شعب نظيف وجميل وواضح من ملابسكم النظيفة المكوية ولم المح فردا يرتدى ملابس غير مكوية.. الرئيس السادات لم يحب السوايسة فلم تنال السويس أى اهتمام.. محافظون يأتون لخدمة النظام ولا اكتراث بالبلد ولا مرافقه ولا شوارعه ولا نظافته، ومعظم المحافظين الذين أتوا إلى السويس لم يقدموا شيئا يذكر لأبناء هذا البلد.. كل اللى عملوه امتلأت البلد بالغرباء الذين يجنون خيرات هذا البلد إما بالحصول على الأراضى وإما الاشتغال فى مشروعات خليج السويس، كل رئيس قطاع أو هيئة يأتى بأقاربه للعمل ويأخذون فرص أبناء السويس للعمل وأبناؤها من خريجى الجامعات يجلسون فى بيوتهم، السويس البلد الذى يعد من أغنى محافظات مصر من عائدات البترول والقناة والسياحة والأسماك والبلد تشعر انه فقير لأنه لا اهتمام به على أى مستوى.. المساكن التى تبنيها المحافظة للناس شىء فقير شكلا ومضمونا. الشوارع وحتى الميادين الرئيسية تمتلئ بالزبالة والأتربة، الأسعار غالية فى كل شىء ولا رقابة.. التعليم أسوأ تعليم على مستوى كل البلاد.. الجامعة التى تبنى منذ سنوات تسير خطاها كخطى السلحفاة.. ومشروع خليج السويس تعطل سنوات حتى سرقت منا الاستثمارات؛ دبى سبقتنا وتحولت هى إلى هونج كونج الشرق. المحافظون باعوا البلد بملاليم فى الساحل والأراضى الزراعية وأهملوا مشروعات حيوية كالمياه التى يشربها السوايسة آسنة لآن ترعة الإسماعيلية التى يشرب منها السوايسة مياهها راكدة وتحتاج إلى ضخ مياه فيها وتنظيفها من الحشائش والعفن.. هل سيأتى حاكم ينصف أهل السويس ويعوضهم عن الإهمال والجحود الذى لاقوه من جراء سياسات تحكم بالهوى؟. هل سيأتى حاكم يعيد للسويس رونقها وجمالها ونظافتها التى كانت قبل عام 1967. هل ستعوضون شهداءنا الذين سقطوا من أجل هذا الوطن وتريحون قلوب الأمهات الثكالى والآباء المكلومين؟. لابد ان تسرع الحكومة باجراءات حازمة وسريعة لمحاكمة الذين قتلوا الشباب فى السويس حتى تهدأ السويس وتهدأ مصر كلها عندما يأخذ كل ذى حق حقه.