تعتبر ثورة مصر هى الشاغل الرئيسى لإسرائيل . فهى محور الحديث على ألسنة السياسيين والقادة والمراكز البحثية، ولقد تقاربت التحليلات فى أغلبها فهى تحوى مزيجاً من الخوف والترقب لما يحدث مستقبلاً. فنتنياهو رغم أنه لا يخفى أسفه على نظام مبارك فإن ما يعنيه بالدرجة الأولى اتفاقية السلام . أما مشكلة الديمقراطية فى مصر فلا تعنيه . فقد صرح فى لقائه بمسئولين أمريكيين بقيادة السيناتور (ليندسى جراهام) قائلاً : (على المجتمع الدولى أن يدعو إلى إيضاح الدور المتوقع أن تقوم به مصر للحفاظ على اتفاقية السلام واحترامها ) و أشار لاستطلاع رأى أمريكى أن 54% من المصريين يؤيدون إلغاء اتفاقية السلام، وهو الأمر الذى ناقشه موقع جريدة يديعوت أحرونوت (أحد أشهر الصحف الإسرائيلية) التى رأت أن ثلث المصريين يوافقون على الحفاظ على اتفاقية السلام، والطريف أنها تستشهد بأقوال القيادى الإخوانى الأستاذ صبحى صالح والذى خص جريدة (نيويورك تايمز) بحديث عن أنه نفسه يؤيد اتفاقية السلام، ولكن فرق بين مشاعر الناس تجاه إسرائيل ورؤيتهم السياسية، ولا يوافق الأستاذ صبحى صالح على نتائج الاستطلاعات الخاصة بالإخوان، ويرى أن تأييد الجماعة أكبر بكثير مما تكشف عنه الاستطلاعات. أما ( شيمون بيريز ) فهو يرتدى ثوب المصلح أو ثوب الأم تريزا حين يتحدث عن الثورة المصرية فى لقاء مع الحاخام (عوفاديا يوسف) فيشبه خلع مبارك وسقوط نظامه بخروج بنى إسرائيل من مصر، ولكن لا يستطيع ان يستمر فى دور المؤيد طويلاً فيقول : ( إن العلاقات بيننا وبين المصريين تاريخية رغم أنها لم تكن جيدة، وهم يحتاجون لتوخى الحذر من ضلال الطريق ) ويستطرد فيقول: ( إن الشعب المصرى يحاول الخروج من العبودية، ومن مرحلة الجوع والخزى والعجز التى يعانى منها ). ولا نعلم من يعانى الخزى مما يفعل نحن أم هم!. ولقد اخترقت الصحافة الإسرائيلية ميدان التحرير وحاولت أن تنقل للقارئ الإسرائيلى صورة من وجهة نظر إسرائيلية . فالصحفى (يهودا نورئييل) من جريدة يديعوت أحرونوت زار القاهرة، ومكث فيها، بل وتغلغل فى أحيائها الشعبية وفى ميدان التحرير، وكتب مقالاً بعنوان : ( ثورة يا حبيبى ثورة ) ولقد ادعى فى ميدان التحرير أنه مصرى مغترب وعائد . ويبدو أن الجاسوس ( ايلان تشايم ) ليس هو المتجول الوحيد، فهناك الكثير ممن استغل جو الثورة والفوضى ليتحرك بسهولة، ويقول الصحفى الإسرائيلى عن نفسه إنه تناول الحشيش فى قهوة الفيشاوى، وشرب عصير جوافة فى جروبي، وسكر فى قهوة الحرية فى ميدان الفلكى، وذهب إلى الأهرامات، وتحدث مع أصحاب الخيول ومع باعة فى سوق الأزبكية، كذلك تحدث مع مسيحيين ومع جند مصريين.. ويذكر أن أسوأ معاملة تلقاها فى الأزهر حين رفضوا الحديث معه، وقد مكث فى التحرير لمدة ثلاثة أيام، وشارك فى غرس شتلات بالميدان، وإنه دخل الميدان بصفته مواطنا مصريا وتنقل بين الجماعات، وشارك فى الحوار الدائر بين المتظاهرين حول الموقف من حبس مبارك وأبنائه أو اعدامهم، والبعض طلب ترك الأمر للمحاكم، وآخرون رأوا أن مبارك ليس وحده الفاسد وأن معه آخرين، ويذكر أنه جمع العديد من الملصقات، وإن أحد البائعين لاحظ دوام تواجده فقال له انه يراه من ثلاثة أيام ولم ير منه خيرا. فالرجل يجول ويصول فى القاهرة ويسمع ويسجل فالمدينة فتحت أبوابها ونوافذها بلا رقيب، ومن المؤكد أن هناك أكثر من ايلان تشايم . ولقد تمادت الصحافة الإسرائيلية فى تحليل مواقف القوى المصرية من اخوان وليبراليين وحركات شبابية بالإضافة إلى موقف الجيش. فرافى يسرائيل أستاذ فى دراسات الشرق الأوسط بالجامعة العبرية فى مقال بعنوان : (الاخوان المسلمون جيدون لنا) يرى أن القوى المختلفة سواء مستقلة كالبرادعى وعمرو موسى وغيرهما قد يختلفون مع الاخوان فى أمور الشريعة، ولكن لا تتفاوت المواقف بخصوص إسرائيل والولايات المتحدة والسلام فى الشرق الأوسط، ولا فارق بينهم فكلهم يطالبون بمراجعة العقد الموقع قبل ثلاثين عاماً يقصد اتفاقية السلام، ويرى أن الاخوان سيكونون جيدين لهم لاندفاعهم وخطأ رؤيتهم والغائهم لاتفاقية السلام إذا وصلوا للحكم مما يتيح لإسرائيل الوسيلة لإعادة الاستيلاء على سيناء، ويرى أن دول الغرب ستؤيد إسرائيل آنذاك، وستفهم موقف إسرائيل تجاه مصر للحفاظ على حقوقها واحتياجاتها الأمنية. ويثير عمرو موسى اهتمام الصحف الإسرائيلية والمحللين بصفته من أبرز الشخصيات المرشحة للرئاسة فيرى (يوسي بيلين) فى جريدة (إسرائيل هايوم) أن عمرو موسى يعتبر فى إسرائيل كناصرى، وإنه لم يوافق أبداً على السلام معهم، ورغم أنه محسوب على النظام البائد فله كلمته ومواقفه المستقلة، ولم يكن محباً لإسرائيل لكنه سيطبق اتفاقية السلام، وإذا جرت عملية سياسية سيرغب فى أن يشارك فيها . وقد اهتمت إسرائيل باستطلاعات الرأى سواء التى تجريها جهات مصرية أو أجنبية، ويرى عدد من الكتاب أن الجيش لم يتول مع سقوط مبارك بل تولى من 52، ولا يهم هل يُحاكم مبارك وأبناؤه؟ أم يتغير الدستور، أم يقمع بالقوة؟ ويذكر كاتب المقال أن الضباط الأحرار نشأت من الجناح العسكرى للاخوان، أما الاخوان فيرى أنهم ليسوا حركة شعبية بل فى الأساس منظمة يحكمها قادة مدللون، وان الاخوان يواجهون بمعارضة مؤسسات أكثر تشددا كالقاعدة التى ينسب إليها الكاتب قولها ان الاخوان حركة علمانية تنسب خطأ إلى الإسلام . فهم يرون أن القاهرة بسبب مركزها فى العالم العربى لا طرابلس أو تونس هى ورقة الاختبار التى سيفحص بحسبها حجم نجاح الثورات العربية . فى حين يرى محللون أخرون أن الجيش يعمل على التوفيق بين مؤسسات الحكم الذى هو على دراية تامة بها، ولكن كلما تقدم رجال الجيش خطوة فانهم يتوقفون لمعرفة هل لاقت استحساناً، ان العالم الإسلامى سيظل بمثابة عالم لا يمكن أن يليق مع إسرائيل . هذه الكتابات المختلفة تعكس المفهوم الإسرائيلى للثورة المصرية وهى تجمع بين الخوف والترقب لما سوف تتمخض عليه الساحة المصرية.