البيروقراطية والروتين الحكومى ذو قوة قتل ثلاثية وأشد فتكا وخطرا من البلطجة والفلول وعدونا المتربص بنا.. فقد نجح النظام السابق نجاحا منقطع النظير فى تعطيل عجلة الانتاج وتراجع النمو الاقتصادى وزيادة نسبة الفقر بشكل جنونى وظهور طبقة تحت خط الفقر تعيش بأقل من دولار فى اليوم.. وظهرت سيطرة رجال المال وليس رجال الأعمال وكان همهم «التكويش» على خيرات ومقدرات شعبنا المصرى العظيم وتركيز الثروة فى يد فئة معينة ومحدودة دون غيرها تمتلك السلطة وتفرض سياساتها بالقوة والبطش والتزوير ولا تسمح بالتنافس الحر سواء فى السياسة أو الاقتصاد وتحتل المراكز المرموقة فى المجتمع وتحتكر مقومات الاقتصاد الوطنى ولذلك سنت القوانين التى تخدم مصالحها الشخصية ووضعت التعقيدات الإدارية لتعرقل حياة العامة وتقبرهم فى أرضهم.. ولا يهمها صالح الوطن ولا مستقبله وهى فئة معزولة عن باقى فئات المجتمع ولا تعبأ فى بيع أصوله وركائزه الانتاجية برخص التراب لمستثمر غير جاد فى مقابل الحصول على «عمولة» وفارق سعر يقدر بعشرات الملايين وهذه الفئة التى احتكرت السلطة تجاهلت دور الإدارة ورسخت أسس تخلفها لافتقارها الكفاءات الفنية، ودائما ما تفضل المصالح الفردية على المصلحة العامة.. وتنتهج أسلوب ازدواجية المعايير فى تقييم المشروعات واتخاذ القرارات مما ينشأ عنه انحراف وفساد إدارى يتمثل فى الوساطة والمحسوبية والمبالغة فى الرشوة وإهدار قيم وأخلاق المجتمع ومعتقداته الدينية وقد جاء فى آخر تقرير حكومى أن 70% من المصريين تعرضوا لفساد إدارى ومحاولات ابتزاز من الموظفين على مستوى جميع المحافظات المصرية. ويشير تقرير صادر عن «مركز سلامة النظام المالى العالمى» إلى أن الأموال التى ضاعت بسبب الفساد الإدارى والمالى للنظام السابق وصلت إلى 6,4 مليار دولار وأطرح عليكم بعض نماذج المشروعات الاقتصادية التى عرقلتها وأفسدتها البيرو قراطية فقد توقف 99 مصنعا عن العمل بسبب الروتين الحكومى بالمنطقة الصناعية بكوم أوشيم بالفيوم بسبب أخطاء بسيطة فى البنية الأساسية من سوء إنارة وطفح للمجارى وعدم رصف الطرق الرئيسية مما ساعد على هروب المستثمرين.. ويقول تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات إن سبعة مليارات ضاعت على مصر بسبب سياسات وزير المالية السابق د. يوسف بطرس غالى، وتقرير آخر يتهم فيه الحكومات السابقة بالاقتراض دون تخطيط والدليل على ذلك أن هناك قروضا مرت عليها عشر سنوات دون استخدامها رغم أنها موجهة لتمويل مشروعات فى غاية الأهمية للمواطن المصرى مثل مياه الشرب والزراعة والكهرباء وضياع قرض ب 17 مليون دينار كويتى لتمويل مشروع تزويد 240 قرية بمياه الشرب النقية، وهل يعقل مثلا أن يعانى مواطن مصرى الأمرين فى إلحاق ابنه بالمرحلة التعليمية الحضانة بالمدارس التجربية.. أو يلف السبع لفات فى إدارة المرور لاستخراج رخصة قيادة أوسيارة أو يجهد نفسه فى أروقة إدارة الشهر العقارى للحصول على توكيل خاص أو عام.. ثم نطالب هذا المواطن الذى أثقلنا كاهله وميزانيته المتواضعة وأفقدناه الثقة وتراكمت لديه العقد النفسية وأصابه الاكتئاب أن يكون شخصا مؤثراً وقدوة فى أسرته ومنتجا لمجتمعه. فلا بد من الاهتمام بالتعليم وتطوير مناهجه لخلق جيل واع يتبع أسلوب المنهج العلمى الحديث والاهتمام بالتربية والحث على الفضيلة والانتقال من المركزية المتشددة الى اللامركزية فى اتخاذ القرار وتوسيع دائرة المشاركة، مما يدفع قوى المجتمع والأجهزة التشريعية والرقابية فى ممارسة دورها الرقابى على أداء تنفيذ السياسات العامة وانضباط الأداء الحكومى مع مراعاة رفع المستوى المعيشى للعاملين.. ويا للأسف حدث كل هذا التخبط الإدارى والفساد فى ظل وجود وزارة متخصصة للتنمية الإدارية.. وأخيرا أقول لا بد من تكاتف كل جهود المخلصين للقضاء على الروتين والبيرقراطية التى كادت أن تقتل أحلامنا.