أعتقد أن الاستفتاء على التعديل الدستورى فى الأسبوع الماضى بفعالياته الشفافة وغير المسبوقة فى التاريخ المصرى المعاصر يعتبر بحق علامة فارقة فى حياة الشعب المصرى وذلك لأسباب عدة أهمها أن هذا الشعب العظيم يختزن بداخله كما لا يستهان به من إحساس حاد يجسد اعتزازه بحضارته وتباهيه بعراقته، وقد بدا هذا واضحا فى استجابته الفورية لهذا التحول الديمقراطى غير المعهود والذى تجددت طاقته لديه مع مولد ثورة الشباب فى الخامس والعشرين من يناير، فى الوقت الذى ظن فيه كثيرون أن هذه الطاقة قد نفدت تحت وطأة ما مورس عليه من عوامل الإحباط طوال ثلاثين عاما كاملة. وقد جاءت نتيجة الاستفتاء مؤكدة على ذلك بما لا يدع مجالا لأى شك حيث الملايين التى قاربت العشرين ما بين مؤيد ومعارض للمواد المعدلة، ورغم أن المؤيدين تقاربت أعدادهم حول الخمسة عشر مليونا فى مقابل ما يقترب من خمسة ملايين إلا أن ذلك يؤكد بشكل واضح مدى التجاوب من جماهير الناخبين قناعة منهم بأن أصواتهم لن تذهب سدى أو أن تكون عرضة للتلاعب والتزوير وقد صدق حدسهم جميعا حيث كانت إجراءات الاستفتاء يسير وفق القانون وتحت إشراف قضائى كامل وغابت عنها ما تعوده الناخب المصرى من تبديل لإرادته الحرة، كما كانت اللجنة المشرفة على الاستفتاء عند حسن ظن الجميع على اختلاف اتجاهاتهم وتباين آرائهم وفق قناعاتهم الشخصية وعقائدهم السياسية. ورغم أن تحذيرا واضحا جليا قد تضمنه مقال الأسبوع الماضى من غيبة الغالبية العظمى ممن لهم حق التصويت ووصفناهم بأصحاب الخيار الثالث الذين يؤثرون السلامة ظنا منهم أن أصواتهم لا قيمة لها ولا أثر فى النتائج المعدة سلفا وذلك بحكم العادة المقيتة طوال عشرات السنين، ولم يدرك هؤلاء أن هذا الإرث السلبى هو نتاج عهد قد مضى زمانه وانهارت أركانه بثورتنا المصرية المظفرة والتى أنهت بمولدها عهود الفساد وتزييف إرادة المواطنين الشرفاء. وإذا كان عدد من لهم حق التصويت ممن بلغوا الثامنة عشرة قد وصل إلى قرابة الخمسين مليونا فإن نسبة من حضر ومارس حقه القانونى المشروع فى الاستفتاء لم يصل إلى نصف هذا العدد بما يعنى أنه مازال هناك من يفضل خياره الثالث وهذا بالطبع لا يتسق مع الروح الجديدة للثورة وما أحدثته من أجواء إيجابية تستوجب تجاوبا جديدًا هو الآخر دعما لما ننشده من بناء ديمقراطى لمصرنا الحبيبة وضمانا لمكتسبات ثورتها العظيمة، وحتى لا تكون كمن يجلدون ذواتهم فإن أمورا كثيرة قد تداخلت ولم يكن معظمها منزها عن أغراض سياسية شائهة وأهواء عقائدية مرفوضة وذلك لتعكير هذه الأجواء الديمقراطية الرائعة كالذين أشاعوا أن رفض هذه التعديلات الدستورية يتناقض وصحيح الدين الإسلامى وذلك دون سند من الشريعة الإسلامية السمحاء، حتى بلغ بالبعض قولهم الواهم بأن الرفض هو حائل دون دخول الجنة ورغم سذاجة هذه الفتوى المبتدعة فقد اقتنع بعض الناخبين بهذا الكلام الأجوف خاصة البسطاء منهم، وعلى الجانب الآخر ظن البعض أن هذه التعديلات قد تكون بما تتضمنه من قيود منظمة عائقا دون الوصول إلى ترشحهم لمنصب الرئاسة وبين هؤلاء وهؤلاء تقف الأغلبية الصامتة فاقدة تأثيرها المأمول فى هذه الظروف الدقيقة التى يتشكل خلالها التحول الديمقراطى على أرض مصر وذلك نتيجة تقاعسها عن آداء واجبها الوطنى. وهنا لابد من وقفة جادة واجبة حتى نحد من إنشاء هذه الظاهرة المؤسفة والتى لم يعد لها مجال الآن كما لم يعد لها مبرر لأنها تتعارض مع ما للشعب المصرى من وعى حضارى عريق وحتى يتحقق ذلك فلابد من تشريع جديد يستحدث لهذا الغرض النبيل نحن أحوج ما نكون إليه فى هذه الأيام المصيرية كما أصبح واجبا حتميا على كل طوائف الشعب المصرى وهو أن تكون الانتخابات على اختلاف نوعياتها فى عدة أيام لتصير الفرصة متاحة لكل أفراد الشعب للإدلاء بأصواتهم لنتلافى ما شاهدناه من زحام وطوابير طالت لعدة مئات من الأمتار وكان ذلك دافعا أساسيا لعزوف الناخبين ممن غادروا مقار اللجان الانتخابية عن مباشرة حقوقهم السياسية فى تقرير مصيرهم واختيار ممثليهم ولنا فى الاستفتاء الأخير المثل الحى على ذلك خاصة بعد أن صار عدد الناخبين أكثر من نصف عدد أفراد شعب مصر كاملا وفق ما استحدث من آليات التصويت التى أتاحت حق الانتخاب بالرقم القومى فهل يتحقق ذلك فى الانتخابات القادمة برلمانية ورئاسية.. نأمل ذلك.