الأكاديمية المصرية فى روما التى تقع فى 4 شارع أوميرو بمنطقة حدائق فيلا بورجيزى فى قلب العاصمة الإيطالية روما. يعاد إليها رونقها وبهاؤها للمرة الأولى، فى احتفال مهيب، بعد ثمانين عاما من افتتاحها عام 1929، عندما كانت كائنة بقصر الساعة فى روما، ثم انتقلت إلى هذا المقر الذى صمم لها خصيصا عام 1965. تعد الأكاديمية المصرية هى الأكاديمية العربية والإفريقية الوحيدة بين 17 أكاديمية تنتمى لدول عالمية تهتم بالفنون والحضارة الإنسانية، لكن على المستوى العربى والأفريقى كانت مصر فقط بحكم مكانتها الثقافية والتاريخية هى التى حرصت، ومنذ سنوات طويلة على أن تكون لها أكاديمية للفنون فى العاصمة التاريخية للفن روما. مبنى الأكاديمية الذى تم تطويره مؤخرا، لم يكن قد حظى بأى تحديث منذ إنشائه عام 1965، حتى خصصت له رئاسة الجمهورية منذ سنوات قليلة، مليونا ونصف يورو للبدء فى تطويره، وهو ما تم على يد المهندس المعمارى المصرى حاتم السعيد، وكان قد حصل على جائزة الدولة للإبداع فى العمارة من نفس الأكاديمية. متحف دائم لآثار بدأت أعمال التطوير فى أكتوبر 2008 - كما يقول الفنان فاروق حسنى وزير الثقافة، بعد مناقصة فازت بها الشركة الإيطالية المنفذة، حيث تم تطوير الواجهات الخارجية للمبنى بما يعكس روح العمارة المصرية المعاصرة، فصممت بستائر زجاجية عاكسة، مع وضع بعض وحدات من الرخام المنقوش بالرسوم الفرعونية، وتطوير الاستوديوهات التى يقيم بها الفنانون، والورش الفنية لأعضاء جائزة الدولة للإبداع، وقاعات عرض الفنون التشكيلية، والمكتبة الفنية، وقاعة المسرح والسينما، التى تم تجهيزها بأحدث التقنيات الصوتية والضوئية، لاستقبال العروض الفنية والمهرجانات السينمائية، كما تم تطوير أجنحة الإقامة للفرق والفنانين الموفدين. لكن أهم ما شهده تطوير أكاديمية روما، هو إقامة متحف دائم للآثار المصرية، ليكون لمصر ولأول مرة منفذ دائم لعرض ثرواتها النادرة فى قلب أوروبا فى روما، حيث يضم 120 قطعة أثرية من مختلف الحضارات المصرية من فرعونية وقبطية ويونانية رومانية وإسلامية. لقد اختيرت قطع متميزة من مجموعة الفرعون الذهبى للملك توت عنخ آمون، ومومياوتان وتمثال للملك خفرع ورأس الإسكندر الأكبر ورأس اخناتون، وبعض لوحات وجوه الفيوم، وبعض الحلى والبرديات والعملات والأوانى الخزفية. استحدثت أيضا قاعات عرض حديثة، منها قاعة «الفن الحديث»، التى تضم أعمال الرعيل الأول والثانى من الفنانين المصريين، وقاعة «الإيجبتومينيا»، أى الولع بمصر، التى تضم مقتنيات الملك فاروق من الأثاث الفرعونى وركن حلوان. الرئيس مبارك تفقد أعمال تطوير الأكاديمية قبل افتتاحها، وتحديدا فى مايو الماضى، عند زيارته لإيطاليا، وأبدى اهتماما كبيرا بهذا التطوير، وتذليل أى عوائق فى طريقها. عندما افتتحت أكاديمية روما عام 1929، كانت بناء على فكرة طرحها الفنان التشكيلى الكبير راغب عياد، كان هدفها التعريف بالثقافة المصرية والعربية فى قلب أوروبا، ومزج الإبداع المصرى بالإبداع الإيطالى عن طريق التعاون الثقافى بين البلدين، وتتبع مسيرة دول كبيرة تهتم بالفنون سبقتنا إلى مثل هذا العمل. فكرة عياد كان راغب عياد يدرس الفن فى روما، حيث لاحظ أن العديد من الدول الأوروبية تهتم بإنشاء أكاديميات فنية لها فى عاصمة الفن روما لشباب الفنانين المنتمين إلى تلك البلدان، الذين لا يجدون مكانا لإبداعهم ورعاية مواهبهم. فى يوليو من عام 1924، كتب راغب عياد إلى أحمد ذو الفقار باشا وزير مصر المفوض فى روما - فى ذلك الحين – أنه «يوجد لمعظم الأمم الراقية نوع خاص من الأكاديميات يضم طلاب الفنون لإتمام دراستهم، وهو عبارة عن بناء فخم يحتوى على مراسم لكل أنوع الفنون، ثم أماكن لسكن المشتغلين بالفن، وتقوم الحكومة بكافة النفقات اللازمة لإرسالياتها، علاوة على ذلك فإنها تمنحهم مبالغ معينة للوازمهم الخاصة، وفى نهاية كل سنة يقام معرض توضع فيه أعمال الفنانين التابعين لكل أكاديمية ويفتتح هذا المعرض ملك إيطاليا مع وزرائه فيمتعون الأنظار بها ويشجعون الطلبة، وأطلب أن تتوسطوا لدى حكومتنا لكى تجعل لها معهدا على الطراز الموجود لسائر الحكومات فى روما. عرض هذا الخطاب على وزير المعارف، الذى قام بدوره بعرضه على مجلس الوزراء، الذى وافق على إنشاء أكاديمية روما، لتلحق مصر بباقى الدول الراقية التى سبقتها فى إقامة مثل تلك الأكاديمية مثل: فرنسا وإنجلترا وأمريكا وألمانيا وبلجيكا وأسبانيا ورومانيا والدنمارك. فى عام 1929 افتتحت الأكاديمية المصرية بجناح الساعة بنفس منطقة بورجيزى، لكنه لم يدم فى هذا المبنى سوى عام واحد لتنتقل الأكاديمية عام 1930، إلى قصر كوللى أوبيو ، وهو مبنى قديم يقع وسط حدائق واسعة على أطراف تلال قصر الإمبراطور نيرون بالقرب من الكوليسيوم ذلك الأشهر فى وسط روما. فى عام 1938 عين الفنان سحاب رفعت ألمظ، وكان مبعوثا من قبل الملك فؤاد لدراسة القانون، فتولى إدارة الأكاديمية إلى جانب دراسته. فى نفس العام قدمت الحكومة الإيطالية عرضا للحكومة المصرية بأنها على استعداد لمنحها مساحة من الأرض فى منطقة جوليا – حيث تقام معظم الأكاديميات، لإقامة الأكاديمية المصرية، فى مقابل أن تمنح حكومة الملك فؤاد مساحة أرض لإيطاليا لإقامة مركز لدراسة الحفريات فى القاهرة. كان يلزم حتى تتم تلك المقايضة، عقد اتفاقية ثقافية بين القاهرةوروما، لكن المراسلات بين الحكومتين المصرية والإيطالية استغرقت فى هذا الشأن عدة سنوات. إسراف حكومى كما أن ثورة يوليو حين قامت لم تكن نظرتها للفنون والبعثات قد تبلورت بعد، حتى أنه فى عام 1956، رأت حكومة الثورة أن هذا إسرافا حكوميا، فأجلت الاتفاقية المصرية الإيطالية، ثم أعيد المشروع مرة أخرى على يد صلاح كامل يوسف نجل الفنان كامل يوسف بمعاونة د. ثروت عكاشة الذى كان يشغل منصب سفير مصر فى إيطاليا فى ذلك الحين، ليتم توقيع الاتفاقية الثقافية بين مصر وإيطاليا عام 1959، ثم يوضع حجر الأساس للمبنى الحالى عام 1961. افتتح مبنى الأكاديمية المصرية فى روما فى عام 1965، فى أحد أرقى أحياء روما، وقد خصص ميدانا صغيرا بالقرب من الأكاديمية لوضع تمثال لأمير الشعراء أحمد شوقى نحته الفنان الراحل جمال السجينى، تكريما لمصر ولمكانتها الحضارية. انتقلت تبعية الأكاديمية المصرية بروما إلى وزارة الثقافة عام 1970، التى اضطلعت بتعيين رؤسائها المتوالين، ومنهم صالح عبدون المدير الأسبق للأوبرا المصرية عام 1979، ثم الفنان فاروق حسنى من عام 1983، حتى عام 1987 حيث تولى وزارة الثقافة فى مصر. وفى عام 1988 تولى الدكتور مصطفى عبد المعطى الرئيس الأسبق للمركز القومى للفنون، ثم الدكتور مجدى قناوى عام 1995، والدكتور فاروق وهبة عام 2000، وسمير غريب عام 2002، ثم تولى الإشراف عليها عام 2004 عز الدين كامل، وأخيرا فى 2008 تولى إدارتها د.أشرف رضا، أستاذ العمارة الداخلية بكلية الفنون جامعة القاهرة، حيث تم البدء فى أعمال التطوير. قوانين مصرية وإيطالية لم تكن المهمة سهلة ولم تكن جهة واحدة تتبعها الإجراءات أو حتى هى تخضع لقوانين دولة واحدة لهذا كانت هناك صعوبات عديدة كما يقول فاروق عبد السلام مستشار وزير الثقافة: تنفيذ كل مراحل تطوير الأكاديمية كان يتم عن طريق مكتب وزير الثقافة مباشرة، وكان توفير التمويل اللازم هو أهم العقبات التى واجهت هذا المشروع، فالمبلغ الذى خصصته رئاسة الجمهورية وهو 1.5 مليون يورو لم يكن كافيا، فتم استكماله من صندوق التنمية بمبلغ 3.5 مليون يورو، كما ساهمت ووزارة التخطيط ب 6 ملايين جنيه مصرى ولم تكتف رئاسة الجمهورية بالمبلغ السابق فقط. بل قدمت أيضا 1.7 مليون يورو لمتحف الآثار. يضيف أيضا فاروق عبد السلام أن هناك مشاكل كثيرة وتفاصيل أكثر واجهتنا مع المحليات فى إيطاليا كنا نعمل على تذليلها وكنا نقوم على الفور بإبلاغ السفارة لتقوم بحلها معنا، فعلى سبيل المثال موافقات البلدية، التى تحتاج إجراءات طويلة فى الدول الأوروبية، أيضا توصيل الكهرباء، حيث يقع خط ترام فى المنتصف بين الكابل وبين مبنى الأكاديمية، ولا يمكن قطعه وتوصيل الكابل خاصة أن الترام هو خدمة عامة أيضا شحن الآثار كان يجب أن يتم بأسلوب علمى وآمن حتى تصل على حالتها، بالإضافة للمتابعة المستمرة وذلك بخروج لجنة هندسية شهريا للمراجعة، وإبداء الملاحظات وإجراء التعديلات اللازمة، ومراجعة الأسعار، فكيفية خروج مناقصة سليمة على أرض خارجية مع مراعاة القوانين المصرية والإيطالية. أى أننا كنا نعمل على حل الكثير من المشاكل فى إطار قوانين مصرية وإيطالية معا. فلسفة الأكاديمية لكن الفلسفة الأساسية التى تقوم عليها أكاديمية روما، التى استطاعت أن تقدم لمصر أجيالا من شباب الفنانين، امتزجوا بالعالم الخارجى، ونهلوا من الفن فى منبعه الحقيق، أن هذه الأكاديمية قد أنشئت من أجل التواصل مع المجتمع الثقافى الإيطالى، من خلال خطة نشاط ثقافى بإقامة معارض وندوات وعروض ومحاضرات موجهة إلى المجتمع الأوروبى وخاصة الإيطالى، إضافة إلى أن الأكاديمية هى التى تقوم بتنفيذ قانون جائزة الدولة للإبداع، الصادر عام 1975، لتشجيع المواهب الفنية، لكن قلة المستفيدين من هذا القانون، دفع الدولة إلى تعديله بالقانون رقم 49 لعام 1984، ليصبح مشتملا على الفنون الجميلة والمسرح والسينما والموسيقى، حيث ينص على إيفاد عدد من شباب الفنانين المصريين الواعد سنويا فى مجالات الفنون المختلفة، للدراسة والاحتكاك بنظرائهم الإيطاليين، واكتساب الخبرات الممكنة لتطوير الإبداع الفنى والحياة الثقافية فى مصر. من هنا تستقبل الأكاديمية فى كل عام عشرة فنانين من الشباب يقومون بتنفيذ مشروعاتهم الفنية وتقديمها نهاية المدة، لتحكيمها من خلال اللجنة المشرفة على الجائزة، واختيار الفائز. كما تقوم الأكاديمية أيضا بتنسيق مشاركة مصر فى بينالى فينسيا الدولى، الذى يعد المعرض العالمى للفنون، بل يعد أعرق المعارض فى العالم، فيرجع تاريخه إلى عام 1895، وتشغل مبانيه جزاء كبيرا من حدائق «كاستيللو» إحدى جزر مدينة «فينسيا» الشهيرة، حيث تمتلك كل دولة مبنى خاص بها تعرض فيه فنونها، وتمتلك مصر جناحا خاصا فى المعرض قامت بشرائه من سويسرا عام 1952، وكما أن مصر هى الدولة العربية الوحيدة التى تمتلك جناحا فى معرض فينيسيا، فإنها أيضا هى الدولة العربية الوحيدة التى تمتلك أكاديمية للفنون فى روما. الجدير بالذكر أن الأكاديمية المصرية فى روما، تقدم أنشطتها من معارض وموسيقى وسينما ومسرح مجانا للجمهور الإيطالى، وهى كما تقوم بدور تأهيل فنانين مصريين موهوبين، فإنها أيضا تقوم بجذب الجمهور الأوروبى والإيطالى إلى الثقافة والحضارة المصرية، لذلك فان النجاح فى تطوير الأكاديمية المصرية فى روما ليس مجرد تطوير لمبنى وتحديثه، لكنه بمثابة تقديم الجانب المضىء من صورة مصر الحضارية للعالم أجمع.