يتوجه جوفاني بوكاتشو في كتابه (الديكاميرون) إلى النساء تحديدا، يريد تسليتهن والترويح عنهن، لأنهن محرومات من وسائل اللهو والتسلية المتاحة للرجال، وربما يفعل ذلك على سبيل الاعتذار من السباب والإساءات التي وجهها إلى الجنس اللطيف خلال الفترة المعاصرة للمؤلف، ويعتبر بوكاتشو من أشهر الكتاب الإيطاليين المحبين والمناصرين للمرأة. وجوفاني بوكاتشو شاعر وروائي إيطالي، معاصر لبترارك. ولد قبل وفاة دانتي، ألف "الديكاميرون"، - ومعناها باليونانية: ديكا وهيميرا (يوم)، أي "الأيام العشرة" – وتعد من المؤلفات العالمية الشهيرة ، وتحكي قصة حب ماريا ابنة الملك روبرت، وكتب بتكليف منها قصة طويلة، كما نظم ملحمة طويلة على غرار الإلياذة عنوانها "تسييد". ومن رواياته المشهورة "فيامتا" (اسم مستعار لحبيبته ماريا)، التي تصور حبها له وهجره لها، نظم مسرحية "فيلو سترافو" التي تروي قصة ترويلس وكريسيدا، و"قصيدة كورباشيو" وهي هجاء للمرأة. دفعه إعجابه بالشاعر دانتي إلى كتابة ترجمة له. يعتبر بوكاتشو من أبرع الكتاب في سرد القصة وتحليلها. واشتهر المؤلف بأنه شديد الحب للنساء والولع بها، بل إن رفقته كلها كانت من النساء، لكن المفارقة أنه في نفس الوقت وصف بأنه من أعداء المرأة لا لشيء إلا لأنه استطاع أن يكتب عددا من الحكايات الكاشفة للمكر الأنثوي المحبب، أثبت من خلالها أنه لا سقف لمكر المرأة، وأن كيدهن عظيم، تماما كما يظهر في حكايات "السندباد" التي يعتقد أن بوكاتشو قرأها وتأثر بها. بل إن بوكاتشو يكتب في مقدمة اليوم الرابع من بوكاتشو، يعلن فيه عن حبه للنساء من خلال فقرة طويلة اعترف فيها بأنه من أشد المحبين للمرأة وجاء فيها: "يقول بعض اللائمين إنني أسأت يا سيداتي العزيزات عندما احتلت بكل حيلة حتى أثير إعجابكن، وأسأت لأنكن تعجبنني كثيرا، وأنا أعترف بهذا اعترافا صريحا، اعترفت بأنكن تعجبنني، وبأنني أفعل كل ما بوسعي حتى أعجبكن". ويضم "الديكاميرون" مئة قصة، حكاية، أقصوصة، أو أي تسمية نشاء، تروي خلال عشرة أيام، على ألسنة عشرة شباب (أعمارهم بين الثامنة عشرة والخامسة والعشرين)، هم سبع نساء وثلاثة رجال، يلتقون في كنيسة سانتا ماريا الجديدة، ويتفقون على الهرب من هلع وباء الطاعون الذي اجتاح فلورنسا في العام 1348، ويذهبون للعيش في قصر فخم في الريف على مقربة من المدينة. يبدأ الكتاب بوصف تفصيلي ودقيق للوباء، حيث "الحياة تنفلت هاربة، ولا تنتظر ساعة واحدة"، كما يقول بتراركا في مطلع سوناتا بعنوان "في الموت"، كتبها في عام 1348، في أوج جائحة الطاعون الذي قضت فيه محبوبته لورا. وقد بدأ بوكاتشو كتابة "الديكاميرون" في تلك السنة بالذات 1348، تدفعه قبل أي شيء آخر، ذكرى ماريا دي أكينو المستغرقة آنذاك في غراميات أخرى. ما إن نفتح صفحات "الديكاميرون" حتى ندرك أننا بحضور لحظة تاريخية مأساوية، فليس فلورنسا وحدها، ولا إيطاليا، وإنما أوروبا بأسرها تحولت إلى مسرح يجتاحه وباء رهيب، قضى على ربع سكان القارة (هناك تقديرات تقول إن الوباء أودى بحياة خمسة وعشرين مليون شخص في أوروبا). ولم تنج من الوباء أي أمة أوروبية، بل كان له تأثير كبير على الأحداث العسكرية والسياسية. ففي المرحلة الأولى من حرب المئة سنة، لم يحترم الوباء أحدا، بما في ذلك حليفته الحرب، مما اضطر الملك الإنكليزي إدوارد الفرنسيين، نظرا لما ألحقه الوباء برجاله من خسائر. ويمكن القول إن "الديكاميرون" هي تحفة بوكاتشو النادرة، بل إحدى روائع الإبداع العالمي على مر العصور، وهي حالة فريدة من الحكي المتواصل بلا انتهاء، وعالم ساحر يتولد من مزيج الواقع والخيال معا، بلا خطوط حمراء ولا تخوم. يضم الديكاميرون مائة قصة أو حكاية تتوزع في الجغرافيا والتاريخ والأساطير وتكشف في عمقها الجوهر الإنساني لجدلية الروح والجسد. جدير بالتنويه أن كتاب ( الديكاميرون ) للكاتب الايطالي جوفاني بوكاتشو ، صدر في القاهرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة ، ترجمه عن الايطالية د. عبدالله عبد العاطي النجار وعصام السيد ، و تقديم د. حسين محمود ، ويقع في جزأين ،960 صفحة من القطع المتوسط. خدمة ( وكالة الصحافة العربية )