البابا تواضروس أمام البرلمان الصربي: إخوتنا المسلمون تربطهم محبة خاصة للسيدة العذراء مريم    وزير الأوقاف: المسلمون والمسيحيون في مصر تجمعهم أواصر قوية على أساس من الوحدة الوطنية    وفد من طالبات "عين شمس" يشارك في فعاليات مؤتمر منظمة المرأة العربية    برلماني: لدينا 5 سنوات لتنفيذ قانون الإيجار القديم.. والحل دستوريًا    الجيش الباكستاني: سنرد على الهجمات الهندية ضد بلادنا    الجامعة العربية تبحث استعداد العراق لاستضافة القمة العربية في بغداد    قبل الجولة الأخيرة.. ترتيب مجموعة مصر في أمم أفريقيا تحت 20 عاما    وائل القباني ينضم لقائمة المرشحين لمنصب مدير الكرة بالزمالك    بيسيرو لم يتم إبلاغه بالرحيل عن الزمالك.. ومران اليوم لم يشهد وداع للاعبين    الأرصاد: شبورة مائية على بعض الطرق الزراعية والسريعة.. الأربعاء    تحديد جلسة طعن سائق أوبر على حكم حبسه في وفاة حبيبة الشماع    ميت جالا 2025| بين الجرأة والغرابة.. إطلالات خارجة عن المألوف    وزير الثقافة والسياحة التركي يزور الأهرامات ويشيد بالحضارة المصرية    مهرجان أسوان لأفلام المرأة يختتم فعالياته الجماهيرية بإعلان 3 منح للأفلام    ارمِ.. اذبح.. احلق.. طف.. أفعال لا غنى عنها يوم النحر    أمين الفتوي يحرم الزواج للرجل أو المرأة في بعض الحالات .. تعرف عليها    نائب رئيس جامعة الأزهر: الشريعة الإسلامية لم تأتِ لتكليف الناس بما لا يطيقون    الأول من نوعه في الصعيد.. استخراج مقذوف ناري من رئة فتاة بالمنظار    الصحة العالمية: التدخين في مرحلة المراهقة يسبب الإصابة بالربو    اليوم العالمى للربو.. مخاطر تزيد أعراضك سوءاً وأهم النصائح لتجنب الإصابة    الوزير: تطوير الصناعات الوطنية لتحقيق الاكتفاء الذاتى    «الخارجية» تصدر بيانا بشأن السفينة التي تقل بحارة مصريين قبالة السواحل الإماراتية    الأمطار تخلق مجتمعات جديدة فى سيناء    هل تحاول إدارة ترامب إعادة تشكيل الجيش الأمريكي ليخدم أجندتها السياسية؟    طلاب جامعة طنطا يحصدون 7 مراكز متقدمة في المجالات الفنية والثقافية بمهرجان إبداع    هل يجب على المسلمين غير العرب تعلم اللغة العربية؟.. علي جمعة يُجيب    بدون الحرمان من الملح.. فواكه وخضروات لخفض ضغط الدم    جولة تفقدية لوكيل مديرية التعليم بالقاهرة لمتابعة سير الدراسة بالزاوية والشرابية    "ثقافة الفيوم" تشارك في فعاليات مشروع "صقر 149" بمعسكر إيواء المحافظة    البنك الإسلامي للتنمية والبنك الآسيوي للتنمية يتعهدان بتقديم ملياري دولار لمشاريع التنمية المشتركة    «النهارده كام هجري؟».. تعرف على تاريخ اليوم في التقويم الهجري والميلادي    ظافر العابدين ينضم لأبطال فيلم السلم والثعبان 2    "قومي المرأة" يشارك في تكريم المؤسسات الأهلية الفائزة في مسابقة "أهل الخير 2025"    من منتدى «اسمع واتكلم».. ضياء رشوان: فلسطين قضية الأمة والانتماء العربى لها حقيقى لا يُنكر    وفد البنك الدولى ومنظمة الصحة العالمية في زيارة لمنشآت صحية بأسيوط    رئيس الوزراء الهندي: حصتنا من المياه كانت تخرج من البلاد سابقا والآن نريد الاحتفاظ بها    النائب العام يشارك في فعاليات قمة حوكمة التقنيات الناشئة بالإمارات    السعودية.. مجلس الوزراء يجدد التأكيد لحشد الدعم الدولي لوقف العنف في غزة    رئيس "شباب النواب": استضافة مصر لبطولة الفروسية تعكس مكانة مصر كوجهة رياضية عالمية    رئيس شركة فيزا يعرض مقترحًا لزيادة تدفق العملات الأجنبية لمصر -تفاصيل    منها إنشاء مراكز بيع outlet.. «مدبولي» يستعرض إجراءات تيسير دخول الماركات العالمية إلى الأسواق المصرية    موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى 2025 في مصر والدول العربية    تأجيل محاكمة 7 متهمين في خلية "مدينة نصر" الإرهابية ل 16 يونيو    تأجيل محاكمة نقاش قتل زوجته فى العمرانية بسبب 120 جنيها لجلسة 2 يونيو    بعد رحيله عن الأهلي.. تقارير: عرض إماراتي يغازل مارسيل كولر    نائب وزير الصحة: تحسين الخصائص السكانية ركيزة أساسية في الخطة العاجلة لتحقيق التنمية الشاملة    كريم رمزي: الأهلي سيخاطب اتحاد الكرة بشأن علي معلول لتواجده في قائمة كأس العالم للأندية    ضبط محل يبيع أجهزة ريسيفر غير مصرح بتداولها في الشرقية    الجيش الإسرائيلي يصدر إنذارا بإخلاء منطقة مطار صنعاء الدولي بشكل فوري    الكرملين: كييف تواصل استهداف منشآت مدنية.. وسنرد إذا تكررت    وكيل الأزهر: على الشباب معرفة طبيعة العدو الصهيوني العدوانية والعنصرية والتوسعية والاستعمارية    ادعوله بالرحمة.. وصول جثمان الفنان نعيم عيسى مسجد المنارة بالإسكندرية.. مباشر    لينك طباعة صحيفة أحوال المعلم 2025 بالرقم القومي.. خطوات وتفاصيل التحديث    "هذه أحكام كرة القدم".. لاعب الزمالك يوجه رسالة مؤثرة للجماهير    «الداخلية»: ضبط شخص عرض سيارة غير قابلة للترخيص للبيع عبر «فيس بوك»    رحيل بيسيرو يكلف خزينة الزمالك 7 ملايين جنيه ومفاجأة حول الشرط الجزائي    حالة الطقس اليوم الثلاثاء 6 مايو في مصر    للمرة الثالثة.. مليشيات الدعم السريع تقصف منشآت حيوية في بورتسودان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما استعانت اللغة الفرنسية ب «الأسلاف العرب»
نشر في نقطة ضوء يوم 15 - 05 - 2017

ثمة حقيقة لغوية مثيرة لا نعيرها انتباهاً كافياً على رغم تشكيلها أمثولة لعالمنا اليوم الذي تشهد الهويات فيه حالة تشنّج وانغلاق تصل إلى حدّ التحجّر. حقيقة أن مفهوم الانفتاح والتعايش موجود بين الكلمات منذ بدء الخليقة ويشكّل شرطاً لأي لغة ليس فقط لثرائها بل لبقائها أيضاً على قيد الحياة. هكذا تلاقحت، على سبيل المثال، اللغتان العربية والفرنسية فانتقلت على مر العصور مئات الكلمات العربية إلى الفرنسية، ومئات الكلمات الفرنسية إلى اللغة العربية.
وللكلمات الفرنسية من أصل عربي يخصّص عالِم الألفاظ والمستعرب الفرنسي جان بروفوست بحثه الأخير والمثير الذي صدر حديثاً عن دار «جان كلود لاتيس» الباريسية تحت عنوان «أسلافنا العرب». عنوانٌ غير بريء لكونه يشكّل، مع الكتاب الذي يحمله، ردّاً مُحْكَماً على شخصيتين فرنسيتين: الأولى، مضمرة ومعاصِرة، ونقصد الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي الذي سمح لنفسه مرّةً بالتصريح بأن على الأجانب الذين ينالون الجنسية الفرنسية أن يصبحوا «أحفاد الغاليين» ويتصرّفوا على هذا الأساس، والأخرى، معلَنة، تعود إليها العبارة الفرنسية الشهيرة «أسلافنا الغاليين»، ونقصد المؤرّخ الفرنسي أرنست لافيس الذي وضع في نهاية القرن التاسع عشر كتب التاريخ المرصودة لتلامذة الصفوف الابتدائية والمتوسطة والعليا في فرنسا.
قاموس تربوي
عبارة لافيس ظهرت للمرة الأولى في مقالٍ له داخل قاموس تربوي كتب فيه: «فلنجعل التلامذة يحبّون أسلافنا الغاليين...». كلمات قد تبدو بريئة عند الوهلة الأولى، لكنها تشكّل في الواقع دعوة إلى تكييف أيديولوجي للتلامذة يندرج في سياق رفض اليساريين والجمهوريين في فرنسا ادّعاءات طبقة النبلاء على مر العصور بأن أسلافهم هم الفرنجة (les Francs).
هذا ما يكشفه بروفوست في مطلع بحثه الذي يتبيّن فيه أن عدد الكلمات الغاليّة في اللغة الفرنسية محدود جداً (200 تقريباً) مقارنةً بالكلمات العربية التي تتجاوز ال500، ما يضع اللغة العربية في المرتبة الثالثة، بعد الإنكليزية والإيطالية، كلغة غذّت الفرنسية. ولا تدهشنا هذه الحقيقة نظراً إلى العلاقات الوثيقة بين عالمنا العربي وفرنسا على مر العصور، لكن ما يشكّل مصدر دهشة وأسف للباحث، على ضوء هذه الحقيقة، هو قيام معلّمي سلطة الاستعمار الفرنسي في المغرب العربي بتكرار عبارة «أسلافنا الغاليين» على مسمع تلامذتهم العرب، واستمرار تكرار هذه العبارة اليوم في فرنسا على مسمع الأطفال الفرنسيين ذوي الأصول العربية، في حين أن الحقيقة هي أننا، حين نتكلم لغة، أي لغة، نتكلم في الواقع عدة لغات.
وبحسٍّ تربوي عالٍ، تدعمه طُرَفٌ كثيرة، يقود بروفوست قارئه بمهارة عبر الطُرُق المعقّدة والملتوية التي سلكتها الكلمات العربية في سفرها إلى اللغة الفرنسية: الفتوحات العربية، الحملات الصليبية، التبادل التجاري، الإشعاع الحضاري الذي شهدته دمشق وبغداد والأندلس، مرحلة الاستعمار الفرنسي، مرحلة ما بعد هذا الاستعمار، وفي النهاية الهجرة العربية الكثيفة إلى فرنسا في العقود الخمسة الأخيرة.
أما لسفرنا في كتابه داخل اللغة الفرنسية من أجل الاطّلاع على الكلمات فيها ذات الأصل العربي، وبالتالي على ما تدين به هذه اللغة للعربية، فيقترح الباحث طريقين: الطريق الأولى تتّبع ترتيباً أبجدياً، بدءاً بحرف «A»، مثل abricot وalgèbre وalcool، وانتهاءً بحرف «Z»، مثل zénith وzellige وzéro، مروراً بجميع حروف الأبجدية الفرنسية. الطريق الثانية، وهي الأثرى في كتابه، تتّبع تقسيماً موضوعياً وتشكّل بصفحاتها الغزيرة (200) نواة بحثه. فمن النباتات إلى الحيوانات، مروراً بالعطور والحلي والألوان والموسيقى والأدب والفنون والعلوم والمسكن والملبس ووسائل النقل والأسلحة والحرب، يدعونا هذا البحث إلى استكشاف ما لا يقل عن 26 مساراً موضوعياً.
أشياء ومفاهيم
ولا يكتفي بروفوست بذلك، بل يقسّم الكلمات المستعارة من العربية إلى نوعين: الكلمات الضرورية التي تخصّ الأشياء أو المفاهيم أو العناصر الثقافية أو الحضارية التي لم تكن موجودة في اللغة الفرنسية، كما هي الحال مع «قطن» (coton) أو «كافور» (camphre)؛ والكلمات التي أتت كمكاسب مضافة على ما كان موجوداً في اللغة الفرنسية، مثل «بركة» (baraka) و«غارة» (algarade) و«سمت» (azimut) و«ترجمان» (truchement). كلمات عرفت مصيرَين، يوضح لنا الباحث، إذ بقي بعضها كما هو في لغة موليير، كما هي الحال مع «حمّام» (hammam) و«مفتي» (mufti)، وبعضٌ آخر تحوّل وتكيّف مع اللغة الفرنسية إلى حد يصعب فيه التعرّف إلى أصله العربي.
ويختم بروفوست بحثه باستنتاج مهم خلاصته أنه لا بد من الاطّلاع على شبكة الاقتباسات التي تعبر القواميس وتخصّ كل واحدة من الكلمات الفرنسية المتأتّية من اللغة العربية، كي نعي أن الكثافة التاريخية (التي تميّز علاقة اللغتين الفرنسية والعربية) بلغت حداً يتعذّر فيه تدمير نسيجها.
يبقى أن نشير إلى أن السنوات الطويلة التي أمضاها هذا الباحث في التعليم لعبت من دون شك دوراً في وضوح وطرافة أسلوبه الكتابي، وبالتالي في جاذبية كتابه الذي يُقرأ بمتعة كبيرة تعود أيضاً إلى استحضاره فيه مراجع اجتماعية وثقافية وأدبية لا تحصى من أجل مقاربة موضوعه المثير، وأيضاً من أجل إظهار أن مسألة الإثراء والتلاقح بين اللغات التي سعى إلى كشفها تتجاوز المستوى اللغوي.
طبعاً بحثُ بروفوست ليس جديداً في موضوعه، بل له سوابق كثيرة نذكر منها كتاب هنرييت والتر وبسّام بركة «عربسات، مغامرة اللغة العربية في الغرب» (2006)، وكتاب صلاح غمريش «قاموس الكلمات الفرنسية من أصل عربي» (2007)، وكتاب ألان راي «سفر الكلمات من الشرق العربي والفارسي إلى اللغة الفرنسية» (2013)، من دون أن ننسى كتاب سيغفريد هانكي الشهير «شمس الله تشعّ على الغرب» (1963). لكن المهم في «أسلافنا العرب»، إلى جانب مضمونه الغني وطريقة معالجته المبتكَرة وكشفه آليات انتقال الكلمات من لغة إلى أخرى وطُرُق مَعْجَمتها، هو صدوره قبل فترة قصيرة من الانتخابات الرئاسية الفرنسية الأخيرة، وبالتالي تشكيله ردّاً يمزّق خطاب الفرنسيين المعادين للعرب، بكشفه لهم ولغيرهم عمق الإرث العربي لفرنسا الذي يتعذّر نكرانه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.