يتحفنا متحف الفنون الأولى برانلي (المعروف أيضاً باسم متحف جاك شيراك) بمعرض بالغ العناية والتوثيق. اذ يكشف لنا لوحات تؤرخ لملحمة التحرّر من العبودية في تاريخ الولاياتالمتحدة، فلم يكن يسيراً جلب مثل هذه الكمية من الأعمال التي لا تقدر بثمن من شتى المتاحف ومن أصحاب المجموعات، بخاصة ما أنجز منها في القرن التاسع عشر، فترة التحول من العبودية إلى التحرر عبر قوانين وحروب وقوائم من الاغتيالات والقتلى وقد ظلت أصداء هذا الصراع تتردد عبر القرن العشرين. تجيء أهمية هذا المعرض الباهظ التكاليف مع الاحتفاء بالذكرى العاشرة لتأسيس المتحف الماضي في نشاطه المتسارع والكثيف والذي يتسم في شكل خاص بإحياء الثقافات ومطامح الشعوب التي عانت من نير الإستعمار والعبودية والسخرة واستغلال الرجل الأبيض لكل ما يملكه الأفريقي من جسد وثقافة وموسيقى وتفوق. مضى إذاً عقد من الزمن. لعل من أبرز رموز المعرض لوحة عملاقة تمثل العلم الأميركي الملطخ بدم الزنوج والثورة الانعتاقية، يقع خلف معالم هذا العلم مواطنون أشدهم خفاء وخجلاً هو الزنجي الأميركي... صورها مرات الفنان الزنجي فتح رينغولد منذ عام 1967 مع ألوان زيتية على قماش قياس 245X185 سم – محفوظة في غاليري الفن المعاصر نيويورك. يعتبر كوميسيير المعرض دانييل سوتيف لوحة وجه مارتن لوثر كينغ المؤثرة رمزاً حقيقياً للمعرض. أنجزها الفنان غامون، ألوان أكريليك على قماش، قياس 122X87 سم محفوظة في مجموعة خاصة معروضة في نيويورك، أنجزت 1968 إثر اغتياله كزعيم وطني أول ورجل دين وهو الموقع مع الرئيس جونسون القانون الجديد، الذي يعتبر العنصرية جريمة يعاقب عليها القانون سواء في الشمال أم الجنوب. تعكس لوحات المعرض في شكل عام مأساة «الأفريقيين– الأميركيين» منذ القرن الثامن عشر ونضالهم من أجل إعادة كرامتهم المهدورة بالأصفاد والاغتيالات، وحرق الأحياء منهم بخاصة ما اقترفته عصابات الجنوب من مجازر، بخاصة في لويزيانا. لنتذكر أن هؤلاء ذبحوا أكثر من مئة من أرباب العائلات في واحد من أعياد الفطر (الباك) عام 1873. وعلقوهم على الأشجار في الطريق العام. ناهيك عن التفريق العنصري اليومي حتى بعد إقرار القانون المذكور الذي راح ضحيته مارتن لوثر كينغ، في الحافلات العامة والقطارات والبارات والمطاعم والمدارس والمؤسسات، والمسابح. هناك مناطق لا يجوز للزنجي أن يسبح فيها، وحين تجرأ أحد الشباب منهم على ذلك قذف بالحجارة حتى غرق ميتاً، ما أدى إلى اضطرابات عنصرية ذهب ضحيتها من جديد أربعين شاباً أفريقياً، هذا إضافة إلى الجرائم الفردية المعزولة بالمئات، وطرد الزنجي من مصدر رزقه من دون أي تعويض حتى أصبح قانون الغاب حاكماً بعد حتى فرض قوانين المساواة، وبدأ الأفارقة يجابهون العنف بالعنف، والتفوق الرياضي بخاصة في كرة السلة مع جاكي روبنسون والملاكمة بظهور محمد علي كلاي. إذا عدنا إلى تاريخ هذه اللوحات والوثائق وجدناها تعكس سنوات الانعطافات وقصة الكفاح الدامي ضد العنصرية لعل أبرز هذه التواريخ عام 1865 بداية حرب انفصال الشمال عن الجنوب ثم الانتصار العام الذي حققه الزعيم الوطني الأبيض المعادي للعبودية ابراهام لنكولن الذي يعتبره الأميركيون اليوم من أبرز شخصياتهم التاريخية الوطنية الذي حررهم من عقدة تفوق العنصر الأبيض على بقية الألوان. من هنا جاءت تسمية المعرض باللغة المحلية الشعبية The Color Line إشارة إلى خط اللون العنصري وهي عبارة أو إدانة تاريخية أطلقت على لسان أحد شخصيات العبودية ستيفان منذ 1830 واستمرت خلال حرب التحرير إشارة إلى تصوير احتفاء ألوان بالأجناس غير البيضاء، يعانق المعرض لوحة تمثل العلم الأميركي بخطوط سوداء عوضاً عن البيضاء رسمها دافيد هامون بعنوان «أفريقيا الأميركية» بقياس 225X150 من القطن الملون رمزاً لعبودية حصاد القطن في الجنوب الذي تأخرت فيه العبودية عن الشمال. اللوحة محفوظة في مجموعة «موما». وهو أحد الفنانين الملتزمين بتاريخ قرن التحول من العبودية إلى المواطنة. منذ ثورة لنكولن، يشتمل المعرض على نماذج من تاريخ فناني الإلتزام، يصل في امتداده إلى ما قبل 1865 بلوحة روبير «الليل المديد» تكشف اللوحة أصالة الأسلوب وتمايزه كما هي موسيقى الجاز التي تلألأ فيها لويس أرمسترونغ عازف الترومبيت. أصالة سبقت الاعتراف المتحفي، لأنها كانت جزءاً من الالتزام ومعاناة التحرر من أصفاد العبودية. تتراوح مواضيع اللوحات (والمحفورات المتواضعة العدد) بين استمرار مأساة السخرة والتمييز العنصري في الحقول الجنوبية واستمرار الفرز العنصري في الحياة اليومية وتصاعد جرائم العصابات الخارجة عن القانون، تصور هذه اللوحات كابوس القتل وبتر الأعضاء والمشانق والتعذيب السادي وشراسة التعامل مع النساء والأطفال والاستهانة بالزنوج بصفتهم مكرسين فقط لسخرة فلاحة القطن من دون حق في الدراسة أو التعويض أو الطبابة. تعالج لوحات الشمال الوجه الآخر للمأساة فقد عزلت الجالية الأفريقية – الأميركية في أحياء من الصفيح أو العمائر المعدمة التي لا ينظمها أمن أو قانون أو إدارة، ففساد الحياة اليومية تقوم على العنف ما خلا طموح البعض بجعل حي هارلم الزنجي (المعزول عن الحي الأكبر في نيويورك وهو مانهاتن) عاصمة ثقافية مغايرة وذلك ما بين عامي 1900-1968 فقد برزت فرق الجاز بتفوق صريح مثل الفرق الرياضية، مثالها فريق هارلم العالمي لكرة السلة، وذلك مع ظهور التفوق المذكور في الملاكمة على يد محمد علي كلاي وغيره، وللأسف ما زالت رواسب هذه العنصرية مستمرة في أميركا وأوروبا.