الآن، وبعد أن وافق مجلس الأمن الدولي علي قرار يطالب فيه إيران بالإذعان لمطالب المجتمع الدولي بخصوص برنامجها النووي، لاشك أن الولاياتالمتحدة وحلفاءها بصدد بحث إمكانية اتخاذ إجراءات أشد صرامة في حق طهران، ومن بينها العقوبات. ولعل تجربة العقوبات التي فرضت علي العراق، والتي ساهمتُ في وضعها والإشراف عليها بوصفي دبلوماسياً بريطانياً بمجلس الأمن الدولي، تقدم دروساً مفيدة في هذا الباب. أولاً: لا يكون أي نظام عقوبات فعالاً ما لم يكن يحمل هدفاً تتقاسمه عدة جهات، وخصوصاً جيران الدولة المستهدفة. ففي حالة العراق، ورغم أن الولاياتالمتحدة وبريطانيا نجحتا عبر الجهود الدبلوماسية الحثيثة في الحصول علي موافقة مجلس الأمن علي العقوبات، لم يلتزم جيران العراق ودول أخري بهذه العقوبات دائماً علي اعتبار أن رخاءهم الاقتصادي أهم من هدف نزع أسلحة العراق. ثانياً: العقوبات النفطية سيف ذو حدين، فخلال السنوات الأخيرة من نظام العقوبات الذي كان مفروضاً علي العراق علي مدي 12 عاماً، دأب صدام حسين علي التلويح بوقف صادرات العراق النفطية في محاولة لثني الولاياتالمتحدة وبريطانيا عن فرض إجراءات في مجلس الأمن الدولي رداً علي تقنيات كسر العقوبات التي كان ينتهجها. وحينها كما هو الحال اليوم، كانت الفجوة بين الطلب العالمي علي النفط والعرض من الشساعة بحيث إن مجرد التهديد بوقف صادرات العراق من النفط كانت تنجم عنه تأثيرات مدمرة علي صعيد أسعار النفط العالمية. والواقع أن أي محاولة تروم عرقلة صادرات إيران النفطية أو الحد منها اليوم ستفرز دون شك تأثيرات مماثلة. ثالثاً: حتي أقسي أنظمة العقوبات وأشدها صرامة مثل العقوبات الاقتصادية الشاملة لا تميل نحو تحقيق أهدافها المنشودة. فحينما كانت العقوبات علي العراق سارية المفعول، حالت دون أن يعيد تسليح نفسه. العقوبات لم ترغم العراق علي التعاون التام مع مفتشي الأسلحة التابعين للأمم المتحدة، قبل أن يقبل العراق في الأخير، بعد التهديد بغزوه، بالتعاون مع المفتشين في الأشهر قبيل اندلاع الحرب. وبدلا من ذلك، تسببت العقوبات الشاملة في معاناة إنسانية كبيرة في العراق، وبفضل امتياز مراقبة توزيع الغذاء الذي وضعه برنامج النفط مقابل الغذاء بين يدي النظام، فقد ساعدت تلك العقوبات علي تعزيز حكم صدام. وهو أمر يفرض ضرورة الحرص علي عدم تكرار هذا الخطأ. رابعا: يحتاج أي نظام عقوبات ناجح إلي جهد طويل الأمد ومفصل، ففعالية ونجاح العقوبات التي كانت مفروضة علي يوغسلافيا تحت حكم سلوبودان ميلوسوفيتش تعود في جزء منها إلي أن الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي سخرا جميع الوسائل اللازمة للضغط علي ميلوسوفيتش. ورغم أن السفن الأمريكية كانت تجوب الخليج العربي، فإن العقوبات التي كانت مفروضة علي العراق لم تكن منتظمة، في ظل سماح الولاياتالمتحدة وحلفائها لجيران العراق، ولاسيما الأردن وتركيا، باستيراد النفط بطريقة غير مشروعة. وبالتالي فمن الصعب تصديق أن تأييد العقوبات ضد إيران، حتي في حال فرضها، سيدوم لفترة طويلة.وثمة درس بأن العقوبات حين تكون مدعومة سياسياً وتنفذ علي مهل يمكنها أن تحقق غايتها في نهاية المطاف. ولذلك قد يشكل حظر سفر الزعماء الإيرانيين واتخاذ إجراءات مالية في حقهم جزءا من العقوبات التي يمكن أن تؤتي أكلها في الحالة الإيرانية. فبعد التجربة العراقية، باتت العقوبات المستهدفة اليوم موضة. إن العقوبات هي أبعد من أن تكون بسيطة أو مباشرة، إذ من غير المرجح أن تتم الموافقة علي العقوبات في ظل الظروف الراهنة ما لم تقم إيران بعمل متهور (وهو ما تتمني الولاياتالمتحدة حدوثه)، وحتي في حال وقوع ذلك، فلن تنجح تلك العقوبات اللهم إلا إذا كانت مُحكمة التصميم ومحددة الأهداف ومدعومة بدبلوماسية حثيثة وطويلة الأمد.