زحام كوبري 6 أكتوبر أيام قلائل ويودعنا خير زائر، إنه أفضل شهور العام، وبكل مميزات شهر رمضان ونفحاته الروحانية الجميلة، إلا أنه في القاهرة له سمات تذهب عقل قاطنيها تتكرر مع قدومه كل عام، فعليك إذا كنت من سكان المحروسة أن تفكر مئة مرة قبل أن تخرج من منزلك في أحد أيام رمضان.
وإذا قررت في النهاية الخروج فعليك تحمل التبعات، بالرغم من أن هناك مثل ينصحك بتوخي الحذر وأن تلزم بيتك "من خرج من داره .. اتهد مقداره"، فعليك التجهيز والاستعداد "لهد المقدار" .
منذ الصباح الباكر
عليك أن تكون مقدام وشجاع وعند الوصول إلى وسيلة المواصلات التي ترغب في استقلالها "أتوبيس . ميكروباص . ميني باص"عليك أن تزاحم وتكون في أول الصف، لأن الكل يطبق مبدأ "أنا ومن بعدي الطوفان" . وما يزيد الدنيا صعوبة أن كل قطاعات المجتمع تتحرك في آن واحد، وأحدث تغييرات تطرأ على مجموع من يتوجهون إلى الشارع صباحا عودة الطلاب للمدارس، وهم "ولا حسد" يحتاجون وحدهم لوزارة نقل خاصة بهم .
"احنا بتوع الأتوبيس"
وسائل النقل العامة وأولها الأتوبيس في غاية الأهمية وخاصة لمن يبعد مكان عمله أو مدرسته عن مربعه السكني، فهو يوفر الوصول بتكاليف أقل بكثير من الميكروباص أو التاكسي، وللفوز بمكان أو بمعنى أصح موضع لقدمك فيه، عليك باتقان تمارينات تسلق الأتوبيس .
وللميكروباص قصة أخرى وإذا كنت من تعساء الحظ ولم تحصل على مكان لك في الأتوبيس من أول الخط، فكن مستعدا للركوب والوقوف، وكن صبورا لأبعد الحدود، فسوف ترى العجب العجاب داخل "صندوق الدنيا"، في البداية سوف تسمع نصائح بأن تتعدى كتل البشر الموجودة أمامك والعبور من خلالها للدخول والوصول لأول العربة .
وهناك من يريح جسده عليك فتصبح لك استخدامات أخرى كوسادة، "والناس برده لبعضيها"، بالإضافة إلى المضايقات الأخرى، والتي تقع بها الفتيات والسيدات من جانب عديمي الضمير، والتي قد تستمع على إثرها إلى موشح من الشتائم في مشاجرة عنيفة قد يصاب بها أحد الطرفين .
نوعيات أخرى قد تصادفك داخل صندوق الدنيا، ممن لا يطيقون أن يحدثهم أحد بربع كلمة، وحجتهم الصيام، وسوف تسمع لهذه العبارة كثيرا "أنا صايم ومش طايق حد" "أنا صايم وروحي في مناخيري"، ولو حدث وحدثه أحد يكون قدرك المحتوم أن تشاهد وتسمع مشاجرة أخرى، بعدها يتم الإعلان من جانب أحد الطرفين بالتوجه لأقرب قسم، و"الكل صحبه" .
ثم تبدأ مفاوضات الصلح والتهدئه، والبعض يعلن عن سخطه :"ياعالم يا هوووه ورانا أشغالنا .. ما خلاص بقى". وطيلة الطريق قد تنشأ مشاجرة أو اثنين، أو يملأ الركاب فراغهم بمثل هذه المشاحنات ، وعليك كما قلنا التحلي بالصبر لأبعد الحدود، أو أن تسعى في الصلح بين المتشاجرين "والصلح خير".
الطريق واقف
سمة أخرى من سمات طرق القاهرة في رمضان، بداية من الساعة الثانية عشرة ظهرا تبدأ الطرق في التوقف ثم الشلل التام بالتدريج، وتنظر للطريق فيُخيل إليك أن السماء أمطرت سيارات من كل الأنواع والماركات والكل سواسية في انتظار الفرج وفتح الطريق .
ولحدوث توقف الطرق في كل مكان حتى فوق الكباري أسباب كثيرة، أحدثها ما كشفته سيدة مستقلة أتوبيس عام، حيث قالت، بعد أن ضاقت ذرعا بوقفتها التي تعدت الساعتين دون الوصول، "والله السبب في الزحمة دي العربيات الملاكي"، فرد أحد الراكبين عليها :"ما خلاص أي حد دلوقتي ممكن يجيب عربية بس بوصل نور"، فاستفسر أخر بقوله :"بوصل نور"، فرد الأول :"آه بوصل نور .. وتجيب عربية ب 60000 جنية"، فأجابه الثاني :"ومين معاه 60000 جنية"، فتدخلت السيدة بعد فترة صمت لا بأس بها : "لأ بلدك فيها فلوس أومال كل العربيات دي جت منين" ، وصدق الرجل الأول على كلام السيدة بقوله :"أيوه في فلوس .. في بلدك لسه في خير . والبركة في الصيني".
نظرية تقسيم الطريق
أما سائقي الميكروباصات فيجيدون دائما الاصطياد في الماء العكر واستغلال حاجة الناس للوصول إلى منازلهم بأي طريقة، وبالتالي يقسم طريقه إلى اثنين أو ثلاثة لكي يحصل على أجرتين أو ثلاثة، ومن لا يقبل عليه بالانتظار إلى ما شاء الله، وكأنهم جميعا على اتفاق الكل طبق نظرية تقسيم الطريق .
والناس تضطر آسفة إلى الركوب المتقطع هذا فيركبون وبعد أن تنتهي الوصلة الأولى للطريق يعلن السائق عن نواياه :" آخر الطريق يا حضرات، واللي هيكمل يدفع أجرة تانية"، ويرضخ الناس لأوامر "البيه السواق"، ويدفعون أجرة ثانية من أجل الوصول قبل الفطار . ميكروباص يصعد الرصيف
ولسائقى الميكروباصات عجائبهم أيضا فيتصرفون عند وقوف الطريق فيذهب البعض للسير في الطريق المعاكس، والبعض الآخر يصعد فوق الرصيف وهو ما تعبر عنه هذه الصور، وغيرها من الطريق، وكله من أجل الوصول والعودة لتحميل فوج آخر من الركاب .
ومع إشراقة كل شمس تدخل أنت في نفس الدائرة وتظل مطحونا في رحلتي الذهاب والإياب، وكأن الجميع لو لم يصل قبل الإفطار أو أنه لو حدث وسمع آذان المغرب في الطريق سوف تحدث كارثة، بالرغم من وجود موائد الرحمن في كل مكان .