عمل الفنان فاروق وهبة "ماذا يحدث الآن؟" هذه الكلمات كثيرا ما نرددها في حياتنا اليومية العادية.. فجميعنا نتساءل.. والإجابة حاول 33 فنانا إيجادها في معرض جماعي بقصر الفنون في دار الأوبرا المصرية.
محيط - رهام محمود
حمل المعرض هذا العنوان "ماذا يحدث الآن؟", وهو يمثل إبداعات الفنانين في اتجاهات الفن الحديثة كالفيديو آرت, والميديا, والتجهيز في الفراغ, واستخدام الوسائط المتعددة كالكمبيوتر جرافيك, وإضافة الصور الفوتوغرافية لبعض الأعمال, وقد قدمت فكرة هذا المعرض من جانب قطاع الفنون التشكيلية الذي نظمه ويرأسه الفنان محسن شعلان, والفنان صلاح المليجي رئيس الإدارة المركزية للمتاحف والمعرض, والفنان محمد طلعت مدير قصر الفنون.
أثبت هذا المعرض قدرة الفنان المصري على محاكاة فناني العالم في تناوله للاتجاهات الحداثية في الفنون البصرية, وتواكبه مع الحراك العالمي, وإننا لم نسير على النهج القديم وإتباع مدارس فنية بعينها كما يتوقع الكثيرون في الغرب, بل فنانينا دوما ما يسعون لابتكار أعمالهم وخلق أفكار جديدة.
يقول الفنان فاروق حسني وزير الثقافة: "قدر لثقافة مصر أن تنفتح على ثقافات العالم.. وذلك لموقعها الاستراتيجي بين الدول العربية والإفريقية من جهة, ومن جهة أخرى لثقلها الحضاري والتاريخي في وجدان العالم. ومن هذا المنطلق فتحت وزارة الثقافة كافة مجالات التعبير الحر, وشخصت وحفزت على مناحي التجريب بشتى المجالات الفنية؛ بهدف تحقيق المعاصرة الطازجة للإبداع.. خاصة لدى الشباب الذي يتطلع إلى كل ما هو جديد ودافع إلى الأمام في عصر اتسم بإيقاع طاغي في سرعته.. وقد استقبلت عنوان "ماذا يحدث الآن؟" بكل اهتمام وترقب وثقة في جدية الرؤى المعاصرة, والتي حتما سيطرحها المشاركين بهذا الحدث الذي نتمنى له أن يحقق أهدافه". أما الفنان محسن شعلان فقال: " ماذا يحدث الآن؟... "وجهات نظر عصرية"... يعيش العالم حالة من التحول الثقافي, وبالتالي نلحظ أيضا ما يعيشه العالم من حالات التحول في أداء الفنون التشكيلية, والتي ما عادت تنغلق على ممارسات بعينها في مجالات التصوير والرسم والنحت والحفر. ولأن مصر هي جزء من العالم, بل إنها جزء مهم لما تحمله من تاريخ عريض متمثل في تلك الجرعة الأكبر من تراث البشرية الحضاري؛ فكان لابد لنا, بل ولزاما علينا أن نقف لبعض الوقت لنرصد عبر مجموعة مختارة من الفنانين المتميزين على الساحة, من الذين وثبوا بخطوات جريئة ومعاصرة لنرى بهم ومعهم, ومع كل المتبعين"ماذا يحدث الآن؟", فمعاً نعيش هذه التجربة والتي بدأت بورش عمل متجاورة ومفتوحة داخل قصر الفنون, رصدت لها كافة الإمكانيات التي حرص القطاع على توفيرها وفقا لما هو متاح, وحتى نصل إلى ما تعرضه هذه المجموعة من وجهات نظر نحترمها ونطرحها ونسكنها في أجندتنا القادمة؛ حتى نظل متابعين ومواكبين لما يحدث الآن".
تجهيز في الفراغ للفنان وائل درويش تناول الفنان رمزي مصطفى مراسم السبوع لطفل, في عمله "التجهيز في الفراغ", في حين استخدم الفنان فاروق وهبة المعدن في تشكيل ثلاثة أعمال مجسمة وضعت في مقدمة المعرض, بينما جاء في واجهة قصر الفنون ثلاثة أعمال للفنان جمال عبد الناصر لثلاثة أطفال يركبون أحصنتهم المتفاوتة الأحجام, التي يصيغها بأسلوب بسيط, أما أحمد عسقلاني فقد خرجت طيوره المحنطة لتعرض في الحديقة أمام القصر.
وائل درويش يعرض "التطهر من الظل" وهو تجهيز في الفراغ, حيث يأتي بسرير يكسى بغطاء أبيض, يضع من فوقه ملابس سوداء لشخص تمتد ساقية وتكبر في شكل ظل أسود على الجدران, في حين يحاول شخص إجراء عملية لإزالة الشعر الأسود من باطن أسود واستبدالها بالأبيض في عمل آخر فيديو, كما يتواجد الشعر الأسود في ثلاثة بانوهات توضع على إحدى جدران الغرفة.
ونتسلل النظر من الفراغات الصغيرة التي تحدثها تشققات الألواح الخشبية, التي تغطى غرفة أعمال الفنانة نجلاء سمير, حيث تحوي أشخاصا يبدو وكأنهم أشباحا من زمن آخر.
وعلى أحبال الغسيل ينشر الفنان عصمت داوستاشي أوراق كتاب, بدلا من أن تنشر في دار نشر؛ لكي يستطيع القاريء قراءتها مباشرا وهي معلقة بهذا الحبل, وفي عرض فيديو لشادي النشوقاتي يأتي الفنان بتصوير نفسه يرسم خطوطا دائرة على سبورة, ثم يتعسر في قراءة كتابه, وكأن باله منشغل بشيء آخر يحوز كامل تفكيره ويجعله غير قادر على القراءة والتركيز.
تقدم الفنان معتز الصفتي وزوجته الفنانة ريم حسن بعمل مشترك "تجهيز في الفراغ", في الخلفية نشاهد عرض فيديو يصور الصخب الذي نعيشه في حياتنا اليومية, يصحبه صوت الضجيج والضوضاء الذي تحدثه المدينة, ويتوسط القاعة شكل دائري مكون من نمازج بشرية تحمل كلمات "أنا لا أقبل, أنا أرفض, أنا أعترض".
عمل الفنان عصمت داوستاشي وبسؤال الفنان محمد طلعت عن ما يقدمه القصر من أفكار جديدة وخصوصا في معرض "ماذا يحدث الآن" أجاب: "الفكرة بسيطة جدا, وهي أنك تريد أن تغير شكل الأداء المعتاد بالنسبة للمعارض, كما أننا أردنا عمل قراءة للحظة الراهنة من خلال مجموعة من الفنانين, وهي قراءة للمستجدات خاصة أن "الميديا" طرحت بقوة, وإننا في عصر له علاقة بالتكنولوجية التي تتطور بشتى الصور, ودخلت في تفاصيل الحياة اليومية, ولها تأثير بنسبة كبيرة جدا وخاصة الفن التشكيلي؛ فأصبحت الوسائط سواء تكنولوجية أو مستحدثة أو غير تقليدية لها باع كبير في المهرجانات والبيناليات الدولية.
والنقطة الثانية أنك تعيد قراءة الوقع وتوثيقه من خلال معرض فني يصور ويجول كل فنان فيه بمفرداته وتقنياته وأفكاره, يتم معهم التحدي في القدرة على الفعل. بالإضافة إلى أن مفهوم المعرض نفسه أتى في صيغة سؤال, وهذا يعتبر طرحا مغايرا لتيمات كثيرة, حيث أنها تفتح مجال الإجابة على هذا السؤال من خلال الأداء الفني, فالهدف من السؤال "ماذا يحدث الآن؟", طرح كل المستويات الفكرية بدءا بالتقنية ثم الوسائط والإدراك, وحالة المجتمع, وكل مفرداته, وأيضا يمكننا أن ندخل في منطقة علاقة هذه التغيرات التي تحدث في مصر سواء كانت إيجابية أم سلبية, والتي تحدث أيضا في الوطن العربي, بل وعلى المستوى العالمي.
وعن أسلوب العرض الذي اختلف عن سائر المعارض الموجودة بالساحة, رأى طلعت أن المعرض غير في شكل وعمارة المكان, كما أنه نوعي طرح التكنولوجيا في استراتيجية العروض المختلفة, ودعم نوعية من الفن موجودة في مصر, وأضاف: "ضم المعرض أربعة أجيال مختلفة في نقاط تواصل, بدءا بالفنان رمزي مصطفى, وانتهاء بوائل درويش, كما يوجد بالمعرض فنانين لم يكن لهم عروضا مكثفة في قاعات الدولة.
وأوضح طلعت في تقييمه للمعرض أنه يؤكد على هوية الفنان المصري للوسائط التكنولوجية الحديثة, الذي لا يقل قيمة سواء في المستوى الفكري, أو استخدامه لتك الوسائط عن أهم فناني العالم, بل في بعض الأحيان يكون الأفضل؛ فكثير من أعمال المعرض من يحمل بعدا تاريخيا, والأكثر إنسانية, والمتعدد الثقافات, وشديد المصرية يظهر بها جليا بالرغم من انفتاح كل هؤلاء الفنانين على المستجدات والمتغيرات الآنية, ومشاركاتهم في الكثير من الفعاليات الدولية الهامة جدا, سواء بترشيحهم أو بدعوات خاصة مباشرة لهم؛ مما يؤكد سبق فناني مصر في اللحظة الراهنة, والد الفنان محمد طلعت ور المحوري لهم, وثقلهم في المنطقة العربية أو شرق أوسطية أو حتى الأفريقية, وإنه مباغت للمشاهد والمتلقي والمتذوق؛ فهو غير تقليدي؛ ومن الملاحظ أن عرض الأعمال كان أكثر من ثلاثة ساعات من مشاهدته؛ لأن بداخله 14 عمل فيديو, وفيديو إنستيليشن, وفنون تفاعلية, مما يجعل التفاعل مع هذا العرض زمن مختلف من العروض التقليدية, فأنا أعتبر أن هذا المعرض حدث له صدى جماهيري وإعلامي كبير جدا وبمثابة نقطة تحول.
يواصل: "وهذا لا ينفي وجود اللوحة بأبعادها والتمثال المعاصرين, والذين يؤدون نفس دور تكل الفنون, بمعنى إنه تشجيع لاتجاه دون طغيانه على الاتجاهات الأخرى, لكن به عدد من القراءة ومحاولة الفهم, وقدرة قطاع الفنون على الطرح بآليات سوق الفن العالمية ودعم الفنانين بقوة, وأن الفضل لإقامة هذا الحدث يرجع لرعاية الفنان فاروق حسني واهتمامه, خاصة أنه سباق في ذلك منذ دعمه الأول لصالون الشباب وتفجير المواهب, والفنان محسن شعلان لتطويره للأداءات النمطية, ودفعه ودعمه الهائل للأفكار الجادة للكوادر الشابة, ومحاولته لتطوير الشكل الفني ومستوى العروض في مصر وتجهيزات القطاع من أجهزة عصرية تتماشى مع العروض الكبرى الدولية؛ للدخول بقوة في دائرة الحراك الفني العالمي, فكان من إحدى نتائجه "ماذا يحدث الآن؟".