ما أجمل أن يقف محام ويدافع عن مظلوم ويبدع في دفاعه بغير كذب ولا تدليس ولا تزوير من أجل أن يأتي بحق هذا المظلوم أو من أجل أن يظهر الحقائق ويكون سبباً في أن يأخذ كل ذي حق حقه. أما وأن يتفنن المحامي في الكذب والتدليس وشهادة الزور والدفاع عن القاتلين والسارقين والمفسدين في الأرض والذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد ويتباهى بركوثه إلى الذين ظلموا وفسدوا وأجرموا وسرقوا ونهبوا ، فهذا محام استحوذ عليه الشيطان فباع دينه بعرض من أعراض الدنيا الزائلة وسيكون عمله وماله حسرة عليه يوم القيامة وسيندم يوم لا ينفع الندم ، فهذا الذي يحسب أنه يحسن صنعاً بدفاعه عن القتلة والمفسدين والطغاة وبتفننه في ثغرات القانون الوضعي متباهياً بذلك يكون بدفاعه عن من أجرموا وفسدوا وأفسدوا مرتكباً لإثم عظيم ، فإن كان القانون الوضعي قد أجاز الدفاع عن القاتل والسارق والمفسد والبلطجي ، فالله عز وجل يحرم على الناس أن ينصروا الظلمة والفسدة قال الله عز وجل [وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ] فالمحامي الذي يدافع عن القتلة والطغاة والمفسدين يكون مرتكباً لكبيرة شهادة الزور حينما ينفي التهمة عن موكله زاعماً براءة موكله والحبيب المصطفي صلى الله عليه وسلم يقول [ ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ألا وقول الزور وشهادة الزور ، يقول الرادي فمازال يكررها حتى قلنا ليته يسكت ] وقال الله عز وجل [ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّور] آية 30 الحج ويقول أيضاً [ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ] ويكون أيضاً كذاباً مدلساً للحقائق والله عز وجل يقول [ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ] وقال تعالى [ قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ ] أي لعن الكذابون وقال تعالى [ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ] . وقال صلى الله عليه وسلم [ وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً]. فالمحامي الذي يجلب على نفسه سخط الله عز وجل بكذبه وتفننه في أساليب الكذب وشهادة الزور ويفرح ويسعد بمالٍ حرام يحصل عليه بمعصية الله عز وجل ، سيكون ماله حسرة عليه يوم القيامة بل وسيكون دفاعه عن الفسقة والظلمة سبباً في عدم وروده حوض النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة وتبرأ الرسول صلى الله عليه وسلم منه فقد قال صلى الله عليه وسلم [ أنه سيكون أمراء فقه جوره فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه ولن يرد على الحوض] . الشاهد أن إعانة الظالم على ظلمه تحرم صاحبها من ورود الحوض وكذلك تؤدي به إلى تبرؤ الرسول صلى الله عليه وسلم منه. وسيسأله الله عز وجل عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه فهل سيكذب الله؟ أم سيأتي بشاهد زور،قال تعالى [ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ? وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ? وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ...] وما أجمل أن يحكم القاضي بين الناس بالعدل ويقيم عدل الله عز وجل ولا يجور فيعطي كل ذي حق حقه وهو يعلم أن الله مُطلع عليه ، وحتماً سيوقفه بين يديه فيحكم بالعدل غير متبع لهوى نفس ولا لوسوسة شياطين الإنس والجن. أما وأن يجلس القاضي على منصة القضاء وينسى يوم العرض على الله عز وجل ويزين له شيطانه أنه ليس عليه رقيب ولن يحاسبه أحد فيجور ويظلم ويميل لفريق أو لناد على حساب العدالة ، فهذا وإن ظن بجهل أنه لن يحاسبه أحدُُ ُ فلن يتركه أحكم الحاكمين ورب العالمين الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، فالقاضي وإن جلس اليوم في الدنيا على منصة القضاء فسيقف يوم القيامة أمام الله عز وجل يوم تدنوا الشمس من الرؤوس فيكون الناس في العرف على قدر أعمالهم وسيف القاضي أمام خصومه الذين ظلمهم وجار عليهم سواء متعمد أم بغير علم فرسول الله صلى الله عليه وسلم قال [القضاة ثلاثة قاض في الجنة وقاضيان في النار قاض عرف الحق فقضي به فهو في الجنة وقاضٍٍ عرف الحق فجار متعمداً فهو في النار وقاض قضي بغير علم فهو في النار] قالوا فما ذنب الذي يجهل قال : [ ذنبه أن لا يكون قاضياً حتى يعلم] . فالقاضي الذي يميل إلى هواه أو ناديه أو إلى فريقه ويظلم أحداُ من عباد الله سيعض على يديه يوم القيامة تحسراً وتألماً من شدة ما يرى قال تعالى [وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28)] وقال تعالى [وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ] وقال تعالى [ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآَزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ (18) يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19) وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (20)] وأقول لذلك القاضي زين له شيطانه سوء عمله فتجبر وظلم شعباً بأكمله أو ظلم أحداً من عباد الله ، ومال إلى صديق أو إلى خليل أو إلى نادٍٍ أنه لن ينفعك أحدُُ ُ أمام الله عز وجل ، فصديق اليوم الذي يصفق لك على ظلمك للآخرين سيتبرأ منك يوم العرض على الله ، ويكون عدواً لك قال تعالى [ الأخلّاءُ يَومَئِذ بَعْضُهُم لِبَعْض عَدُوّ إلّا المتّقين] .. بل وليتذكر من يظلم عباد الله في حكمه وفي قضائه ليتذكر الظالمين أمام الله عز وجل فقد قال تعالى [ تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ ?] وقال تعالى [ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِّن سَبِيلٍ (44) وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِيعَذَابٍ مُّقِيمٍ (45) وَمَا كَانَ لَهُم مِّنْ أَوْلِيَاء يَنصُرُونَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن سَبِيلٍ (46)]. ألا فليتذكر القاضي يوم العرض على الله في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون ولا حميم ولا شفيع وصديق ولا ولي ولا نادً ولا فريق. يقول الفضيل بن عياض "ينبغي للقاضي أن يكون يوماً في القضاء ، ويوماً في البكاء على نفسه". وذكر الذهبي في كتاب الكبائر عن محمد بن واسع رحمه الله "أول من يدعي يوم القيامة إلى الحساب القضاة". وقال مكحول "لو خيرت بين القضاء وبين ضرب عنقي لاخترت ضرب عنقي على القضاء". وقال أيوب السختياني : إني وجدت أعلم الناس أشدهم هرباً منه" فهل يتذكر كل من المحامين والقضاة يوم الحساب والعرض على الله. قال تعالى : [قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ] شريعة الله هي الحل ،،،