كسرت هولندا «نون النسوة» التي رافقتها 120 عاما، وذلك بتنصيب الأمير فيليم ألكسندر 46 عاما ملكا لسدة الحكم يوم الثلاثاء الموافق 30 أبريل، حيث جرت مراسم تنصيبه في نيوفه كيرك «الكنيسة الجديدة» في أمستردام. وبموجب هذا التنصيب يكون الملك ألكسندر قد قبل جميع الواجبات الضرورية لهذا المنصب، وتعهد بالعمل بدون أي اعتبارات شخصية متجاوزة مصلحة حزب أو جماعة، طامحا في دعم وثقة الشعب الهولندي. وبتنصيب الأمير ويليام الكسندر ملكا على عرش هولندا يكون أول رجل يعتلى العرش منذ أكثر من قرن 120 عاما، وذلك في هدنة من حكم الملكات تستمر إلى أن يبلغ عمر الأمير ويليام 75 عاما فيتنازل بدوره عن العرش لإحدى كريماته الثلاث طبقا للتقاليد الملكية، وبذلك تعود قبضة الحكم في هولندا مرة أخرى للملكات، والتي توالت على العرش منذ وفاة الملك ويليام الثالث عام 1890. وللزوجين الملكيين الجديدين ثلاث فتيات هن الأميرة كاترينا أماليا 9 سنوات والأميرة ألكسيا 7 سنوات والأميرة أريان 6 سنوات، وليس له أبناء ذكور بما يعني أن الحكم سيعود بعده من جديد للنساء، حيث باتت الابنة البكر للملك والملكة كاتارينا – اماليا ولية عهد المملكة. وتحتفل هولندا سنويا بعيد الملكية في 30 أبريل ، إلا أن احتفال هذه السنة كان استثنائيا حيث قررت الملكة بياتريكس 75 عاما تخليها عن الحكم لصالح ابنها وولي العهد الأمير فيلام ألكسندر. وتوجت بياتريكس خلفا لوالدتها في 30 أبريل 1980 وبتولي الأمير فيلام ألكسندر يكون بذلك أول ملك رجل يتولى حكم هولندا منذ 123 عاما حيث توفى آخر ملك هولندي عام 1890، ومنذ ذلك الوقت تعاقب على حكم البلاد ملكات فقط. سر «البرتقالي» وعلى جانب أخر طلبت الملكة بياتريكس بمناسبة تنازلها عن العرش أن تضيء السلطات المصرية الوجهة الأمامية للأهرامات وأبو الهول باللون البرتقالي، وذلك رغبة منها في أن تشاركها الحضارة الفرعونية القديمة التي عظمت قدر المرأة الاحتفال بهذه المناسبة التي تتوافق مع احتفال السفارة الهولندية بالقاهرة باليوم الوطني البرتقالي. واحتشدت أعداد غفيرة من المواطنين الذين يرتدون اللون البرتقالي في العاصمة أمستردام لتحية الملكة آن بياتريكس التي حكمت بلادها على مدى 33 عاما، وتجمع الآلاف في ميدان دام بأمستردام أمام القصر الملكي فى انتظار رؤية الملك الجديد وزوجته الملكة ماكسيما عندما يخرجان إلى شرفة القصر. وعلى الرغم من أن العلم الهولندي لا يحتوى على اللون البرتقالي إلا أن هذا اللون هو المميز للبلد والمعبر عنها، وذلك بسبب أصول الأسرة الهولندية الحاكمة التي تعود إلى عائلة أورانيا ناساو، حيث يعتبر ويليام الأول أمير اورانيا، الذي حكم بين عامي 1572 و1584، مؤسس الدولة الهولندية، ونجح في تحويلها من جمهورية إلى ملكية عام 1813، وتضاهى كلمة أورانيا كلمة "أورانج" بالإنجليزية، وبسبب ذلك تحول اللون البرتقالي إلى لون يعبر عن الوطنية الهولندية. خطبة الوداع وأكدت ملكة هولندا في خطبة الوداع التي ألقتها عشية تنازلها عن العرش أن أكبر أبنائها مستعد الآن لتولى المهام وحكم هولندا، مشيرة إلى أنه متخصص في إدارة موارد المياه وأنه مستعد تماما لكل جانب من جوانب دوره الجديد عبر أنشطته المكثفة على المستوى الوطني والدولي واهتمامه الشديد بالتطورات التي تحدث في عالم اليوم. ويرى البعض أن الملكة انتظرت حتى يقضى ويليام الطيار وعضو اللجنة الأوليمبية وقتا كافيا مع بناته الثلاثة قبل أن يتولى المسئولية، خصوصا أن الملكة تحيطها الأحزان بسبب دخول ثاني أبنائها في غيبوبة منذ العام الماضي جراء إصابته في حادث انهيار جليدي أثناء التزحلق. وكانت الملكة بياتريكس قد أعلنت فى مناسبة احتفالها بعيد ميلادها ال 75 في 31 يناير الماضي عن تنازلها عن العرش لابنها الأمير ويليام، وهى الابنة الكبرى للملكة جوليانا، التي تنازلت لها عن عرش هولندا في 30 أبريل 1980 واستمرت في الحكم إلى أن بلغت 75 عاما، فأعلنت تنازلها عن العرش لابنها طبقا للتقاليد الملكية. واستطاع الأمير ويليام الكسندر، الذي كان ينظر إليه على أنه شاب طائش أن يكتسب تدريجيا شرعية لدى الشعب الهولندي، خصوصا بعد زواجه عن حب عام 2002 من مكسيما سوريجويتا وهى ابنة وزير أرجنتيني في عهد الديكتاتورية. وتحظى العائلة المالكة في هولندا بشعبية على نطاق واسع حيث تبلغ نسبة المؤيدين بالنظام الملكى 78 %، وتبلغ الثروة الشخصية لملكة هولندا وفقا لمجلة فوربس 300 مليون دولار عام 2009. احتفالات ومظاهرات وفي ردة فعل تظهر روح الإخاء، دعت مؤسسات الأقليات العربية والمسلمة بهولندا المسلمين إلى ضرورة المشاركة الفعلية في الاحتفال بالانتقال الملكي السلس الذي تعيشه هولندا بتخصيص الأئمة لجزء من خطبهم الجمعة القادمة والدعاء بالسلم والأمن لهذا البلد بهذه المناسبة، ومكاتبة الملكة المتنحية والملك الجديد بالتهاني وتقديم الهدايا اعترافا بجهود الملكة السابقة في تحقيق التعايش وأملا بمواصلة الملك الجديد الطريق نحو مجتمع متعدد. وطالبت تنسيقية المسلمين بهولندا، في بيان لها، أئمة المساجد لإيلاء اهتمام خاص بهذه المناسبة خلال أول صلاة جمعة بعد تولى الملك الجديد العرش، بالدعاء للسلم والأمن وحفظ البلاد والعباد، واعتبرت التنسيقية اللحظة فارقة وهامة بتاريخ الملكية بهولندا ولذلك تحتاج لاهتمام خاص يتماشى وأهميتها وبما يخدم التعايش بالبلاد. وأعربت عن أملها بأن يواصل الملك الجديد مسيرة أمه بدعم قيم المواطنة المشتركة للمجتمع الهولندي ونشر التسامح والمحبة والاحترام، ودعم ثراء هولندا بالتنوع الثقافي والديني. كما هيأ اتحاد المساجد ومنظمات مغربية هدية خاصة للملكة بياتريكس على جهودها التي قدمتها على امتداد الأعوام ال33 الماضية خدمة للشعب الهولندي بغض النظر عن انتماءاته العرقية أو الدينية. وأوضح إدريس البوجوفي أحد الذين سيقدمون الهدية للملكة، لموقع "الجزيرة نت"، أن الهدية تأتي في إطار الاعتراف بالجهود التي قامت بها الملكة لتحقيق التعايش ولتعاطفها الدائم مع المسلمين لما تعرضوا له من استفزازات بالسنوات الأخيرة، وبين أن الائمة اعتادوا بخطبهم والمصلين بصلاتهم الدعاء من أجل العدالة والأمن والسلام بالبلاد التي يعيشون فيها قائلا "هذه مناسبة لإثبات المسلمين لحضورهم والإعراب عن انتمائهم للوطن". وينظم البيت الفلسطيني بهولندا تزامنا مع إجراءات تتويج الملك فيلام ألكسندر غدا الثلاثاء بالعاصمة أمستردام وقفة تجمع خلالها التوقيعات من أبناء الجالية الفلسطينية لترسل بكتاب للملك الجديد والملكة المتنحية يعربون فيها عن شكرهم لوقوف الملكة معهم على امتداد محنتهم. وبالوقت الذي تعم فيه الاحتفالية ككل سنة كامل ربوع هولندا فإن العاصمة تختص هذه السنة باحتفالية تتويج للملك الجديد، وتتوقع هيئات الرصد حضور ما يناهز مليون مواطن أمستردام وسط إجراءات أمنية مشددة. كما خصص عمدة العاصمة أماكن للمحتجين على الملكية لإسماع صوتهم وسط أمستردام، حيث احتفالية التنصيب وعلى جانب مسار الرحلة البحرية للموكب الملكي التي ستتجه للعاصمة وبما لا يعكر صفو الاحتفال. ورغم تعدد المجموعات المناهضة للملكية وتنوع اللافتات التي ترفعها مثل جماعة "إنها 2013" و"الجمهوريون الجدد" وجماعة "مناصرة الجمهورية" فإن كل المؤشرات تؤكد أنهم أقلية، وأن الغالية العظمى من الشعب الهولندي تؤيد النظام البرلماني الذي يعطي للملكية رمزية خاصة وأساسا للوحدة الوطنية لدورها التاريخي باستقلال وتأسيس هولندا الحديثة.