وجد الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي أن المرحلة التي تمر بها اليمن الآن تحتاج إلى تغييرات جوهرية ، للخروج من تلك المرحلة الانتقالية التي يشوبها عقبات وعوائق متعددة تعوق المسار الانتقالي. وللخروج من تلك المرحلة أصدر الرئيس اليمني أمس مجموعة قرارات تتضمن إعادة هيكلة الجيش ووزارة الدفاع ورئاسة الأركان.
وتتضمن قرارات الرئيس هادي توزيع القوات المسلحة اليمنية على أربعة تشكيلات أساسية هي القوات البرية والجوية والبحرية وحرس الحدود، فضلا عن فرق للعمليات الخاصة، وتقسيم البلاد إلى سبع مناطق عسكرية بدلا من خمس. لكن الأهم في هذه القرارات كان إلغاء قوات الحرس الجمهوري التي يرأسها أحمد علي عبد الله صالح نجل الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، وكذلك الفرقة الأولى مدرع التي يرأسها اللواء علي محسن الأحمر. كما تتضمن القرارات أيضا إقالة قائد أركان حرب قوات الأمن المركزي يحيى محمد صالح ابن شقيق الرئيس المخلوع، ووضع كتيبة الصواريخ الإستراتيجية تحت إمرة الرئيس بشكل مباشر.
مطلب سياسي وشعبي
وجاءت قرارات هادي بعد ساعات فقط من تصريحات أدلى بها مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن جمال بن عمر كشف فيها أن الرئيس اليمني ينوي اتخاذ إجراءات لإصلاح المؤسسة العسكرية والجيش.
وباتخاذه القرارات الخاصة بهيكلة الجيش يكون الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي قد عالج واحدا من أبرز أسباب الاحتقان في البلاد وقام بتحييد أبرز مراكز القوى التي كانت تهدد سلطته وتؤثر على هيبة الدولة، وحقق مطلبا سياسيا وشعبيا ضروريا لنجاح مؤتمر الحوار الوطني الذي يراد له أن يشكّل الدولة ونظامها السياسي والدستوري.
أهمية هذه القرارات جاءت بسبب ما كانت تحتله هذه الوحدات (الحرس الجمهوري، والفرقة الأولى مدرع، والأمن المركزي) من مراكز قوى داخل الدولة، فلكل منها مناطق سيطرتها في العاصمة، تفعل بها ما تشاء، ولها معسكراتها التي لا تخضع لإشراف وزارة الدفاع.
كما أنه ليس بين هذه الوحدات تنسيق فيما يتعلق بالعمليات الأمنية والعسكرية، بل الأخطر من ذلك أن بين هذه الوحدات صراع وتوتر، وكانت هناك مخاوف حقيقية من احتمال تفجره في أي وقت، لا سيما بعد المعارك الدامية خلال العام الماضي بين قوات الفرقة الأولى مدرع التي أيدت الثورة وبين قوات الحرس الجمهوري التي وقفت ضدها.
وكان الرئيس هادي قد قرر في أغسطس الماضي قرارا بإعادة هيكلة القوات المسلحة للحد من سلطة أحمد علي عبد الله صالح وإعادة هيكلة الجيش ضربت "الحرس الجمهوري" بقوة، وقضت بنقل ثلاثة ألوية تابعة للحرس مع قوات أخرى من الجيش إلى قوة جديدة تدعى تشكيل الحماية الرئاسية والتي تكون تحت الإشراف المباشر من رئيس الجمهورية.
كما ونقل لوائين آخرين من الحرس إلى المناطق العسكرية الجنوبية والوسطى. و كردة فعل لمحاولات إعادة هيكلة الجيش، تظاهر حوالي 200 جندي بالسلاح من أفراد "الحرس الجمهوري" أمام مبنى وزارة الدفاع بصنعاء، مما أدى إلى انتشار قوات من الجيش خشية محاولة اقتحام المبنى.
تلويحات بالقصف
وزاد في استياء اليمنيين على هذا الوضع ومطالبة الرئيس بتصحيحه ما تسرب من معلومات عن تلويح أحمد علي عبد الله صالح باستخدام صواريخ سكود الإستراتيجية الموضوعة تحت تصرف قواته "الحرس الجمهوري" لقصف العاصمة صنعاء في حال إقالته من منصبه، وهو ما يفسر قرار الرئيس هادي بنقل هذه الصواريخ لتكون تحت إشراف الرئيس -وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة- مباشرة.
ولم يصدر عن أحمد علي عبد الله صالح موقف بعد بشأن هذه القرارات، لكن صحفا يمنية كانت نشرت قبل أيام نبأ سفر نجل الرئيس المخلوع إلى خارج البلاد في طائرة خاصة من غير تحديد وجهته أو سبب سفره.
وكان أحمد علي عبد الله صالح كان قد رفض هذا الشهر أوامر بتسليم صواريخ بعيدة المدى إلى وزارة الدفاع، مثيرًا مخاوف بمواجهة حاسمة يمكن أن تهدد هيكل السلطة الهش.
والحرس الجمهوري الذي تم إلغائه تشكيل قديم في الجيش ، وكان أبرز أعماله المشاركة في القتال تأييداً لحكومة علي عبد الله صالح خلال ثورة الشباب اليمنية. وكانت قوات الحرس كالعمود الفقري لنظام علي عبد الله صالح، وكانت الأفضل في الأسلحة والتدريب من بين كافة وحدات القوات المسلحة اليمنية ، ووزارة الدفاع اشتركت في التغاضي عن ذلك من أجل ضمان ولاء الحرس.
وبهذه القرارات يحاول الرئيس اليمني الذي انتخب في فبراير الماضي لفترة انتقالية مدتها عامان بتفويض يشمل إعادة هيكلة الجيش، إزاحة أقارب سلفه علي عبد الله صالح الأقوياء من مناصب مهمة في القوات المسلحة.
ترحيب واسع
وفور صدور تلك القرارات أكدت التوقعات أنها ستحظى بتأييد شعبي ودعم القوى السياسية التي كانت تطالب بمثل هذه التعديلات الجوهرية، قبل الدخول في مؤتمر الحوار الوطني المقبل.
وهذا ما حدث بالفعل حيث قوبلت قرارات هادي بترحيب واسع سواء داخليا وإقليميا. فقد أعربت أحزاب اللقاء المشترك عن ترحيبها بقرارات الرئيس هادي. ودعا شباب الثورة اليمنية إلى مسيرة تأييد اليوم الخميس. ووصف رئيس أركان قوات الأمن المركزي العميد يحيى صالح قرارات إعادة هيكلة القوات المسلحة اليمنية بالشجاعة.
من جهته أشاد اللواء علي محسن الأحمر بالقرارات، وقال ل "الجزيرة" إنه تم التوافق على هيكلة الجيش ضمن المبادرة الخليجية" ، مضيفا أن قرارات الرئيس هادي تتيح فرص تنظيم القوات المسلحة اليمنية على أسس سليمة وعلمية ومهنية، وقال إنه ليس من خيار أمام أحد غير الالتزام بقرارات رئيس الجمهورية.
قرارات تاريخية
من جانبه وصف العقيد الركن عبيد الحاج نائب رئيس تحرير صحيفة 26 سبتمبر الصادرة عن القوات المسلحة اليمنية، القرارات ب"التاريخية والشجاعة لأنها تأتي مترجمة للضرورات الدفاعية والأمنية للوطن، وتجسد أو تعكس القدرة على حماية مصالح الوطن العليا".
وأضاف ل"الجزيرة نت" أن هذه القرارات من شأنها أن تعيد للشعب اليمني الثقة في أن التغيير يستمر بخطى حثيثة، مشيرا إلى أن كثيرا من المؤسسات ومنها المؤسسات العسكرية ظلت مختطفة لعدة عقود - على حد قوله.
كما أكد الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد اللطيف الزياني دعم دول المجلس لقيادة الرئيس اليمني. وقالت وكالة الأنباء اليمنية إن الزياني اتصل هاتفيا بالرئيس اليمني وأعرب عن "مباركته الصادقة وتهانيه الحارة بالقرارات".
وذكر أنها "تتصل بتنفيذ الخطوات العملية لترجمة المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وقراري مجلس الأمن 2014 و2051 والمتمثلة بإعادة هيكلة القوات المسلحة والأمن بصورة عملية وضرورية من أجل الولوج للمؤتمر الوطني الشامل والسير في الطريق الصحيح للخروج من الأزمة الطاحنة والظروف الصعبة التي نشبت منذ مطلع العام الماضي".
وأضاف الزياني أن المضي في طريق إعادة هيكلة الجيش "عملية لا بد منها", معربا عن تأييد دول مجلس التعاون الخليجي لهذه الخطوات والقرارات والتعيينات وكل ما هو ضروري لخروج اليمن إلى بر الأمان.
مواد متعلقة: 1. الجيش اليمني يساهم في عودة الحياة لطبيعتها بالجنوب 2. مليونية في اليمن الخميس ل "إصدار القرارات الحاسمة" 3. الرئيس اليمني السابق يرحب بقرارات «هادي»