في ذكرى "أبو الفقراء" الشاعر وجيه البارودي الشاعر وجيه البارودي محيط – سميرة سليمان مررت أمس على العافين أسألهم ما تبتغون؟/ أجابوا: الخبز والماء/ ومرَ بي مترفُ يشكو, فقلت له ممَ إشتكيت؟/ أجاب: العيش أعباء/ سيّارتي فقدت في اللون جدَتها / أريد أخرى لها شكل ولألاء/ يا معدمون أفيقوا من جهالتكم / يا من حياتكم نتنٌ وأوباء/ لابدّ للأرض من يوم تثور به / والشمس من حنق في الأفق حمراء اليوم تحل ذكرى ميلاد الشاعر والطبيب السوري وجيه البارودي الذي اهتم بقضايا الفقراء وخاصة ببلدته السورية "حماة" ناقدا قسوة الأغنياء ، وكان يخصص يوما للفقراء لعلاجهم مجانا ويزور أحياءهم لتقديم المساعدة . لُقب البارودي بأبي الفقراء وذاعت شهرته ، وقال في شعره عن ذلك: وبيني وبين المال قامت عداوة فأصبحت أرضى باليسير من اليسر وأنشأت بين الطب والفقر إلفةً مشيت بها في ظل ألوية النصر
ولد الشاعر وجيه البارودي في 1 مارس عام 1906في مدينة حماة وسط سوريا لأسرة ميسورة، مما ساعده على دراسة الطب في الجامعة الأمريكية في بيروت، حيث تخرج منها طبيبا عام 1932. وفي بيروت، تكوّنت شاعريته، فقد كوّن مع الأديب والمفكر اللبناني عمر فرّوخ والشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان والشاعر العراقي حافظ جميل جمعيّة أسموها دار الندوه عام1926م, لتكون هذه الجمعية البداية الحقيقية والناضجة لتجربته الشعرية. توفي الدكتور وجيه البارودي عام 1996 تاركا وراءه إرثا شعريا كبيرا بمعانيه رغم قلته، وتاريخا حافلا بالحب والعطاء لمدينته حماة التي عشقها حتى الثمالة، كما احتل الغزل أيضا مكانة مميزة ورفيعة في شعره، وظل يكتب في الحب والغزل حتى في سنوات عمره الأخيرة فقال: يعجب الناس كيف يهوى مسنّ في الثمانين قوّس الدهر ظهره خَبرَ الحبّ يافعاً ثمّ كهلاً ثمَ شيخاً فازداد عزماً و خبْره وهو أصبى فتوّةً في الثمانين وأدهى من المراهق شرَه
على الرغم من شاعريته الفذة، إلا أن البارودي كان مقلا في شعره الأمر الذي حد كثيرا من شهرته في محيطه العربي. مدينة حماة ويبدو أن علاقته الوثيقة بمهنة الطب التي ظل يمارسها حتى وفاته عام 1996 لها أثر كبير في ذلك، فقد ترك وجيه البارودي ثلاثة دواوين فقط هي " بيني وبين الغواني " الذي صدر عام 1950، و"كذا أنا" عام 1971، و ديوان "سيد العشاق" الذي صدر عام 1994، أي قبل وفاته بعامين، وقد توفيت زوجته وثلاثة من أبنائه العشرة فانطوى قلبه على جرحٍ لا يندمل.
من قصيدته "عتاب" نقرأ: هي : قلت وداعاً يا وجيه وأجهشت ببكائها فسألتها عن مبعث البلوى وموطن دائها فتململت وبدا الشحوب على أديم صفائها عهدي بها كالوردة الحمراء في أندائها ماذا جرى لك يا سنا عيني و ريق مائها أوجيهُ أخشى بعد طول مودة و صفاءِ أخشى انقلاباً في حياتكَ و احتمال جفاءِ أنا : مهما شرعت على البحار و سرت في الصحراء و سربت في الأعماق أو حلقت في الأجواء فرسوت في الجزر القصية في المحيط النائي و غزوت أجواز الفضاء و جبت كل سماء مهما انتشيت و تهت في كبري وفي خيلائي وركزت بند النصر فوق القمة الشماء و شربت نخب أحبتي و شربن من صهباء مهما شردت فعودتي أبدا إلى مينائي حدث خلاف بين الشاعر ومجتمعه عندما رفع الطربوش الذي كان يوضع على الرأس وكان عرفاً إلزامياً في تلك الأيام في مجتمعه الحموي, وقد وضع بدلاً عنه البرنيطة فقوبل بنقد جارح ، فرد بقوله : في حماة مقيم لا أغادرها شاطئ البحر عندي ضفة النهر فيها النواعير والعاصي شاعرها ثلاثة ميزتنا حكمة القدر
كانت له طرائف، فحين أتى إليه ابن عمه يطلب منه بعض أبيات الشعر في رثاء عمه المتوفى طلب الدكتور الشاعر "وجيه" مهلة ليكتب له الرثاء، ولكنه لم ينفذ ذلك لا في اليوم الأول ولا الثاني وفي اليوم الثالث ونتيجة إلحاح ابن عمه كتب له هذه الأبيات قائلاً: تُكلفني حزناً ونفسي طروبة/ وروحي تأباه وأنت تريد/ وهل يألف الأحزان من كان/ عاشقاً تجود له أحبابه ويجود/ فلا ترجو مني وصف حزن ٍلأنني/ طروب والعهد بالبكاء بعيد ومن قصيدته "الغيارة" نقرأ:
قالت أتهواني ؟ لئن تكُ صادقاً يا ألف أهلا بالمحب الصادقِ أو كان حبك عابراً تسعى إلى عبث و تسلية فلست معانقي بالأمس سرت إلى يمينك غادةً قل لي بربك كيف أنت مرافقي غيارة أنا لا أريد شريكة في الحب إن الشرك سخط الخالق بالأمس كنت و لا أزال و في غدٍ لا أطيق تقلباً من عاشقي أو ما نظمت قصيدة رنانة لفلانة إبان حفل شائق فسرقت من حسني لها حسناً و من حبي لها حباً بغير تناسق فبدت كأقبح ما تكون عشيقة و بدوت أجوف في إهاب منافق الحسن هندام يليق بأهله كالعطر في أنفاس ورد عابق لا رجعة حتى تفيء إلى الهدى و تذوب وجداً في لهيب حرائقي