سلطت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية الضوء على تأسيس الإخوان المسلمين بليبيا لحزب سياسي جديد ، حيث اعتبرت أن ليبيا تسير على نفس خطى النجاح الانتخابي الإسلامي في مصر وتونس ودول عربية أخرى ، لافتة إلى اختلاف تجربة إنشاء الإخوان المسلمين لحزب سياسي بعد عقود من القمع الكبير من قبل نظام العقيد معمر القذافي. وأشارت المجلة في سياق تقرير أوردته على موقعها الإلكتروني إلى تاريخ حركة الإخوان المسلمين في ليبيا الذي يرجع إلى عام 1949 حين تأسست، ولكن تم تجميدها عام 1969 بعد عام من انقلاب معمر القذافي، ولم يتم السماح لها بالعمل علانية وعانت من قمع شديد خلال فترة حكمه.
وذكرت المجلة الأمريكية أن الخبر الوحيد الذي تم نشره عن الإخوان المسلمين في التلفزيون الرسمي الليبي كان في منتصف الثمانينيات، عندما علقت جثثهم في أعمدة الإضاءة ووصموا آنذاك بأنهم زنادقة منحرفين وكلاب ضالة، وهي الواقعة التي هرب بعدها الكثيرون منهم من هذا القمع إلى الولاياتالمتحدة ، حيث أصدروا مجلة"المسلم" عام 1982 ، وحين حاول بعض أعضاء الجماعة العودة لليبيا لإعادة بناء الجماعة هناك كان مصيرهم إما السجن أو الإعدام.
وأضافت المجلة أن عودة الإخوان المسلمين للساحة الليبية تم تدعيمها من قبل مبادرات سيف الإسلام القذافي عام 2005 و2006 والتي كانت تهدف لضم جماعات المعارضة وخصوصا الإسلامية وتحييدها في الوقت ذاته، وهو الأمر الذي أدى لإثارة الشكوك حول نواياهم أثناء الثورة الليبية، غير أن هذه الاتهامات رفضها ونفاها قادة الجماعة، وظهر ذلك في دعمهم للمجلس الانتقالي الليبي بل والانضمام إليه كما في حالة الدكتور عبد الله شامية والمسئول عن الملف الاقتصادي في المجلس.
وأشارت إلى أن جماعة الإخوان المسلمين الليبية قامت بإنشاء الحزب الخاص بها على غرار النموذج المصري حزب "الحرية والعدالة" ولكن حجمها أصغر بكثير من الجماعة المصرية، وبالرغم من أن كوادرها الذين قدر المراقب العام للجماعة سليمان عبد القادر عام 2009 عددهم بنحو 200 شخص خارج ليبيا وبضعة آلاف في داخلها سيمثلون عناصر حسم للجماعة إلا أنهم لا يقارنون في كل الأحوال بمئات الآلاف المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين المصرية.
وأضافت المجلة أن جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا قامت خلال المؤتمر الشعبي الأول لها في بنغازي في نوفمبر الماضي بإعادة هيكلة المنظمة، وانتخبت قائد جديد ورفعت عدد أعضاء المجلس الاستشاري من 11 إلى 30 عضوا، كما قررت إنشاء حزب سياسي يمثل المنتمين للجماعة منه 80% و 20% من غير المنتمين للجماعة على غرار نظيره المصري.
ولفتت المجلة الأمريكية إلى اقترح على الصلابي الناشط الإسلامي البارز بتشكيل تحالف انتخابي وطني يجمع الإخوان المسلمين مع الحركات الإسلامية الأخرى، مشيرا إلى رفض الجماعة لهذا الاقتراح ربما بهدف تجنب التحالف مع الجهاديين السابقين كالحركة الإسلامية الليبية لتجنب أي انتقادات دولية.
وقالت المجلة أن المشهد السياسي الليبي الجديد يفرض عدة تحديات سياسية على جماعة الإخوان المسلمين فعلى عكس الإخوان المسلمين في مصر وحزب النهضة التونسي فإن الإسلاميين في ليبيا لديهم تاريخ قليل في التعامل مع الجماهير حيث لم تتح لها فرصة العمل في الشوارع أو النقابات أو بناء أية منظمات ومؤسسات داخل ليبيا لأي عمل شبكة موازية من العيادات والخدمات الاجتماعية كما حدث في مصر أو تونس.
وأضافت المجلة أنه من بين التحديات التي يواجها الإخوان المسلمين هي الأسئلة الملحة حول الالتزام بقيم الديمقراطية وحقوق المرأة والتسامح مع الغير، وهو ما ظهر في محاولات الحزب لتضمين فئات كثيرة بالحزب كالنساء وغير المنتمين للجماعة، غير أن ما سبق يعد محاولات براجماتية من الحزب، ويبقى التحدي أمامه هو إضفاء الشرعية على هذه البراجماتية والتحالفات مع غير الإسلاميين وجعلها مقبولة لأعضاء الجماعة ، لافتة في هذا الصدد إلى أن تواجد العديد من قادة الجماعة في الغرب في وقت سابق قد يقلل من التنافر بين البراجماتية السياسية والالتزامات الأيديولوجية.
وقالت المجلة أن عملية صياغة الدستور ستخلق أيضا تحديات أخرى أمام الإخوان المسلمين في ليبيا، حيث أثارت المادة الأولي في الإعلان الدستوري الذي صدر في أغسطس الماضي والتي قضت بأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع العديد استغراب الغرب والليبراليين بليبيا ، وهو ما حصل أيضا حين أعلن مصطفى عبد الجليل رئيس المجلس الانتقالي الليبي عن سيادة الشريعة وبالتالي إباحة تعدد الزوجات والذي اعتبره الإخوان والسلفيين نصرا كبيرا.
واختتمت المجلة تقريرها بقولها أنه إذا فاز الإسلاميين في الانتخابات القادمة للمجلس الوطني بليبيا والمزمع عقدها في يوليو المقبل وهو الأمر المتوقع فإنه في الغالب سيتم الاحتفاظ بالمادة الأولى من الإعلان الدستوري وسيتم تدعيمها بإضافات أخرى للتأكيد على الهوية الإسلامية للدولة، وهو ما سيزيد من عملية الاستقطاب السياسي والآيدولوجي الذي يتسبب حاليا في تقسيم البلاد بشكل كبير.