يدخل الإضراب العام في نيجيريا يومه الخامس احتجاجا على قرار الحكومة رفع الدعم عن الوقود وهو ما أدى إلى ارتفاع أسعاره بصورة هائلة مما أثار موجة من الغضب على الساحة النيجيرية وجعل النقابات واتحاد العمال في البلاد يدعون إلى إضراب عام شمل كافة قطاعات الدولة إلى أن تعيد الحكومة العمل بنظام الإعانات الخاصة بالوقود. ويتزامن مع هذا الإضراب استمرار موجة العنف التي هزت البلاد منذ الخامس والعشرين من ديسمبر الماضي عندما استهدفت كنيسة القديسة تيريزا في وقت الاحتفال بعيد الميلاد وأسفرت عن مقتل أكثر من 49 شخصا على الأقل، وأعلن على أثرها الرئيس النيجيري جودلاك جوناثان حالة الطوارئ في مناطق بشمال البلاد. وتلا ذلك العديد من الهجمات التي استهدفت مسيحيين وأسقطت أكثر من 88 قتيلا وقد تبنى غالبية هذه الهجمات جماعة بوكو حرام التي تطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية في نيجيريا. غير أن أعمال العنف قد اتخذت منحى مغايرا خلال الأيام الماضية حيث ظهرت موجة عنف تستهدف المسلمين في الجنوب حيث استهدف أول مسجد في مدينة بنين سيتي الجنوبية على هامش مظاهرات الوقود ، وسقط على أثر هذه الهجمات 5 قتلى على الأقل، إضافة إلى فرار أكثر من 10 آلاف آخرين. وذهب فريق من المحللين إلى أن العنصر الديني هو الدافع الرئيسي وراء اندلاع أعمال العنف في البلاد موضحين أنه خلال فترة مابعد الاستقلال أضحى الخطاب الديني بشقيه الإسلامي والمسيحي أحد أدوات التعبئة والتنافس على السلطة. "بوكو حرام" ويرى أنصار هذا الفريق أن الجماعات الإسلامية المتشددة، وعلى رأسها "بوكو حرام"، ترى أن الغالبية المسلمة المتركزة في الشمال يتم تهميشها من قبل المسيحيين الذين يهيمنون على البلاد وهو ما يبرر قيامهم بهذه الهجمات انتقاما للمسلمين. وأوضح هذا الفريق أن استمرار موجات العنف وتصاعدها على هذا النحو يكشف عن الصعوبات التي تواجِهها السلطات النيجيرية في احتواء التيار الإسلامي وتهدّد بتأجيج الانقسامات والتوتر بين الطوائف. عوامل اقتصادية من ناحية أخرى ذهب فريق آخر من المحللين إلى أن العنف المنتشر في نيجيريا يرتبط في المقام الأول بالعوامل الاقتصادية وإنعدام التوزيع العادل للثروة وإرتباط هذا التوزيع بالتحيزات الاثنية والدينية فضلا عن انتشار الفساد في البلاد. وأوضح أنصار هذا الفريق، ومن بينهم مارك أنطوان بيروس الخبير في الشئون النيجيرية، أنه لا يمكن أن يكون العنصر الطائفي وحده المسئول عن اندلاع مثل هذه الاشتباكات إذ أن هناك عوامل أخرى قد ساهمت في تكرار أعمال العنف وزيادة حدتها. ويؤكد الخبير بيروس أنه ينبغي التمييز بين العمليات التي تقوم بها بوكو حرام وأعمال العنف الأخرى التي تشهدها البلاد، فمن الواضح أن عمليات بوكو حرام هي عمليات ذات دوافع دينية ويتجلى ذلك من خلال اختيار توقيت تنفيذ هجماتها ومكانها، مثل الهجمات الأخيرة التي استهدفت فيها كنائس أثناء قداس مسيحي، كما يتجلى أيضا من برنامجها الذي تتبناه والذي يقوم على فرض تطبيق الشريعة الإسلامية في البلاد غير أن عمليات بوكو حرام ليست إلا صنفا من أصناف العنف المتعددة ذات الطابع السياسي والإثني والاجتماعي والاقتصادي التي تشهدها الساحة النيجيرية. ثاني أكبر اقتصاد في أفريقيا ويرى أنصار هذا الفريق أن البلاد تعاني من حالة تردي اقتصادي ملحوظ، مع العلم أنها ثاني أكبر اقتصاد في أفريقيا وتحتل المرتبة الثامنة على لائحة أكبر مصدري النفط في العالم إلا أن هذه الثروة النفطية لا تنعكس على الداخل النيجيري، إذ أن دخل النفط يستفيد منه واحد في المئة فقط من المواطنين البالغ عددهم 140 مليون نسمة، يعيش أكثر من نصفهم بأقل من دولار واحد فى اليوم . كما تصل نسبة البطالة بين الشباب إلى 4ر9 في المئة وهؤلاء يسهل تجنيدهم في مقابل تقديم الأموال لهم ويتم استغلالهم من قبل رجال السياسة والأعمال، إضافة إلى ذلك تفشى الفساد هناك بأشكاله المختلفة حيث وضعت منظمة الشفافية الدولية نيجيريا ضمن أكثر الدول التي يسودها الفساد. وقد يفسر ذلك أن حكام ولايات نيجيريا الست والثلاثين يتمتعون بسلطات واسعة تمكنهم من التصرف في أموال هذه الولايات بحرية تامة، خاصة أن بعضها يقع في مناطق إنتاج البترول. خطورة القرار الحكومي في ظل تلك الظروف يبدو واضحا مدى خطورة القرار الحكومي الأخير برفع الدعم عن الوقود وهو الذي أدى إلى ارتفاع سعر جالون البنزين من 45 سنتا للتر إلى 94 سنتا ، وهو ارتفاع بواقع الضعف، مع العلم أن الدعم الحكومي للوقود كان بمثابة الشيء الوحيد الذي يستفيد منه الشعب من هذا البلد النفطي. كما أن عدم وجود مشاريع تنموية فعالة قد ساهم في زيادة التفاوت الاقتصادي هناك في ظل معاناة ضاق السكان المحرومين من المستشفيات والمدارس والعمل. ورغم أن الأراضي الزراعية الخصبة التي تحظى بها نيجيريا، والتي كانت من الممكن أن تلعب دورا فعالا في تحسين الأوضاع الاقتصادية إلا أن كثرة الانقلابات العسكرية التي شهدتها البلاد، منذ حصولها على الاستقلال عام 1960، قد حال دون حدوث ذلك وأدى إلى إهمال الزراعة وانتشار الفساد والمحسوبية واستفحال الخلافات العرقية داخل البلاد.‾ وتمثل نيجيريا حالة مصغرة من القارة الأفريقية من حيث تنوعها الإثني والديني، وعلي الرغم من أن هذا التنوع لا يمثل مشكلة في حد ذاته، إلا أنه يمثل كارثة بالنسبة للعديد من الدول الأفريقية ومنها نيجيريا نظرا لأنه يتم توجيهه وتسييسه في ظل غياب قيم المواطنة وانتشار الولاءات دون الوطنية التي تركز علي الانتماءات الاثنية والدينية. وفي هذا الإطار تعمل كل جماعة دينية أو اثنية علي الإعلاء من انتماءاتها الفرعية علي حساب انتمائها الوطني مما يخلق تجاذبات بين الجماعات المختلفة وخاصة إذا ارتبط هذا الوضع بتوزيع المناصب السياسية والموارد الاقتصادية. وتضم نيجيريا نحو 250 قومية، تمثل قبائل الهوسا والفولاني بنسبة 29 في المئة من إجمالي تعداد السكان، بينما يمثل اليوربا 21 في المئة، والإيكيبو 18 في المئة، والإيجاو 10 في المئة، والكانوري 4 في المئة، والإيبو 5ر3 في المئة، وقبائل التيف بنسبة 5ر2 في المئة. أما فيما يتعلق بالتقسيم الديني فإن أكثر من 50 في المئة من سكان نيجيريا من المسلمين، 95 في المئة منهم من السنة، وال5 في المئة الآخرون من الشيعة، فيما يمثل المسيحيون 2ر48 في المئة من السكان، موزعين بين 15 في المئة بروتستانت، و7ر13 في المئة كاثوليك، و6ر19 في المئة من طوائف مسيحية أخرى، فيما يشكل أتباع الديانات الأخرى نحو 4ر1 في المئة من إجمالي تعداد سكان البلاد. ويتضح من القراءة السابقة للمشهد النيجيري أن الاعتماد على التنوع الدينى كعامل وحيد فى تحليل أسباب تصاعد العنف فى نيجيريا يحمل قصورا شديدا، فالفقر والفساد والبطالة والتهميش الاقتصادي الذي تعاني منه بعض الاثنيات تمثل أسبابا أساسية وراء هذه الاشتباكات والهجمات التي تشهدها البلاد ، ومن ثم فإن معالجة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية هناك يعد أمرا حيويا للقضاء على العنف وتحقيق الاستقرار، وأهم ما يمكن القيام به في هذا الشأن العمل على استغلال ثروات البلاد بما ينعكس إيجابيا على حياة المواطنين، والعمل على إقامة مشروعات تنموية تساعد على خلق فرص عمل للشباب، فضلا عن بناء ثقافة تعلي من شأن الانتماء للوطن عن الانتماءات ما دون الوطنية علي أن يتم استخدام أدوات مختلفة لبناء هذه الثقافة ومنها التعليم والأداة الإعلامية وذلك أملا في إيجاد قيادة وطنية صالحة للمجتمعات المحلية في البلاد تمتلك رؤية للمستقبل.