اختتمت أمس الجمعة أعمال الملتقى العربي الأول تحت عنوان "إدماج الأسس الدولية لمكافحة الفساد في أعمال الإدارة " والذي عقدته المنظمة العربية للتنمية الإدارية، ونقابة المحاسبين والمدققين بجمهورية العراق، والمنظمة العربية للشفافية ومكافحة الفساد، على مدار يومين بدءا من أمس بحضور مشاركين من العراق وسوريا ومصر وتونس والسودان وفلسطين ولبنان. وقدم عدد من المشاركين أوراقهم البحثية التي تناولت قضايا متعلقة بالفساد منها ما عرضه الدكتور عياض اللومي الرئيس الشرفي لهيئة الخبراء المحاسبين في تونس لعرض التجربة التونسية في مكافحة الفساد، كذلك استعرض كنان طه الباحث بجامعة محمد الخامس أثر السياسيات الدولية لمكافحة الفساد على الخطط الوطنية ومنها المغرب كنموذج. فيما قال أمين صالح المدير السابق للمحاسبة العامة في وزارة المالية اللبنانية في كلمته التي تناول بها الوضع اللبناني إنه "على الرغم من البيئة الديمقراطية وحريات الإعلام فلم نستطع أن نغير نائبا واحدا"، واصفا البلد بأنها "من أقوى الديكتاتوريات الديمقراطية". وأوضح أنه عام 2010 رفضت التوقيع على المحاسبة المالية للدولة وأحلتها إلى أعلى جهاز رقابي هناك وهو ديوان المحاسبة وهو المحكمة المالية الأعلى في البلد وقلت أن هذه المحاسبات غير صحيحة وقدمت استقالتي على إثر ذلك، مضيفا "أن النظام الفاسد في لبنان هو نظام قائم على التلاعب بمكونات الفكر وأصبح الفساد ظاهرة متجذرة هناك". وأكد صالح أن رغم الحراك الذي حدث خلال العامين الماضيين من حركات مثل "طلعت ريحتكن" و"وين حقنا" التي نزلت للشارع من أجل رفع النفايات فإن الأزمة لم تحل بل تضاعفت كلفتها لأن النظام هناك هو نظام مذهبي سياسي مقيت لا يسمح بالتغيير إلا إذا رغب في إزاحة شخص. وأوضح أن القوى السياسية في لبنان هي قوى مذهبية تتصارع على السلطة من أجل نفوذها ومصالحها وهو السبب الذي جعل منصب الرئيس شاغرا حتى الآن منذ أكثر من سنتين، مضيفا أنهم يلجئوا للتجديد والتمديد بحجة أن الحالة الأمنية لا تسمح لإجراء انتخابات. وفي ختام الملتقى طالب الدكتور ناصر الهتلان القحطاني مدير عام المنظمة العربية للتنمية الإدارية بضرورة التركيز على برامج التوعية وتحفيز الوازع الديني والأخلاقي والقيم المجتمعية النبيل، كما أوصى المشاركون بضرورة الإسراع في إقرار وإصدار قانون الحق في الحصول على المعلومات والنفاذ إليها مع ضمان شرط تماثل البيانات للدلالة على حسن السلوك الوظيفي العام. وأوصى الخبراء المشاركون بالملتقى بضرورة المشاركة المجتمعية التي تعد أساس مهم في توحيد الجهد الحكومي لمكافحة الفساد، مؤكدين أن ذلك يتطلب فتح قنوات اتصال شفافة وتواصل مع الموظفين والمواطنين ومنظمات المجتمع المدني. وفي بيان ختامي أصدرته المنظمة أكد المشاركون ضرورة التركيز على النشاطات الوقائية يتقدمها الجهود المؤسسية التي تستهدف بناء الإنسان وتحصينه من الوقوع في الفساد، مع العمل على تحويل مدونات السلوك الوظيفي وما في حكمها إلى مدونات ذات أحكام ملزمة كالقوانين والأنظمة. وأشاروا إلى ضرورة تضمين هذه المدونات أحكام توضح المخالفات والإجراءات التأديبية التي يمكن اتخاذها في حال الإخلال بأحكامها، مشددين على ضرورة التعامل مع مفاهيم الشفافية والنزاهة بشكل مترابط وتضمين هذه المبادئ بشكل أكثر وضوح في نصوص مدونات السلوك والأحكام الناظمة لتعارض المصالح وإجراءات الإنفاق العام والإبلاغ عن حالات الفساد. واعتبر البيان الختامي أن تعارض المصالح يعتبر سلوك بشري وليست جريمة بالضرورة، مطالبين بالإسراع نحو تطبيق إجراءات الحكومة المستجيبة (المفتوحة) من إتاحة وبناء وتبادل البيانات والمعلومات بين الجهات الحكومية بعضها مع بعض ومع المواطنين متلقي الخدمات. وأشاروا إلى ضرورة نشر إجراءات الحوكمة الالكترونية التي تعزز الإفصاح من خلال تطبيقات الحكومة الالكترونية كالربط بين إقرارات الإفصاح عن الذمة المالية والحركة البنكية (المعاملات البنكية) للموظف العام، وكذلك أهمية الإسراع في إقرار وإصدار قانون الحق في الحصول على المعلومات والنفاذ إليها. وطالب المشاركون بالعمل على وضع إجراءات عملية للتأكد من التزام كافة الجهات للإفصاح عن حالات تضارب المصالح حال وقوعها، موضحين أن أهم هذه الإجراءات هو إنشاء سجل يحفظ في كافة الوزارات والهيئات الحكومية يصرح فيه الموظفين عن كافة حالات تضارب المصالح. وأوضحوا أن من هذه الحالات الإفصاح عن الشركات التي يملكونها أو يملكون فيها حصص وكذلك الإفصاح عن الأعمال والوظائف التي يمارسونها خارج أوقات الدوام الرسمي والجهات التي يعملون لديها، وكذلك الشركات التي يملكها او يساهم فيها أي من أقاربهم حتى الدرجة الثانية. وركزت أوراق العمل المقدمة في المؤتمر بحسب بيان المنظمة على وضع إجراءات لمراقبة وتطبيق الأحكام الخاصة بمنع تضارب المصالح لدى أعضاء البرلمانات وأعضاء مجلس الوزراء انسجاما مع الأحكام الواردة في الدساتير النافذة، وكذلك الإسراع في العمل على تعديل أحكام قوانين مكافحة الفساد السارية في الدول العربية وتضمينها نصوص تجريم حالة الامتناع عن الإفصاح عن تضارب المصالح. وألمحت إلى ضرورة العمل على تضمين نص في قوانين مكافحة الفساد السارية في الدول العربية يلزم كافة المؤسسات الحكومية بإلغاء كافة الإجراءات المتخذة بحق الموظف العام الذي يبلغ عن شبهات الفساد وفرض عقوبات على الجهات التي لا تلتزم بهذا النص، مع التأكيد على ضرورة عدم اعتبار إبلاغ الموظف عن شبهات الفساد من قبيل إفشاء المعلومات وبالتالي عدم إيقاع عقوبات تأديبية عليه. وحثت التوصيات الدول العربية على العمل على تضمين نصوص في قوانين مكافحة الفساد السارية في الدول العربية يفيد بأن الإبلاغ عن حالات الفساد متاح وبشكل مباشر دون حاجة لالتزام المبلغ بالتسلسل الإداري لأن من شان ذلك عرقلة سهولة التبليغ، وأهمية وضع أحكام تشجيعية للموظف الذي يقوم بالتبليغ عن حالات الفساد أو تضارب المصالح.