حين فتح الشيخ سمحان النافذة لم يجد الجبل فى مكانه وحلق بشدة مصارعًا جيوش النمل التى زحفت فى شرايينه! بهذا المشهد الإبداعي المثير تستهل رواية الكاتب المصري د. عمار علي حسن الجديدة "جبل الطير" حيث عقد أتيله القاهرة اليوم أمسية لمناقشتها، بحضور نخبة من الكتاب والنقاد، فيما ناقشها د. شاكر عبد الحميد الناقد ووزير الثقافة الأسبق، د. فتحي أبو العينين أستاذ علم اجتماع الأدب ود. هويدا صالح الكاتبة والناقدة، فيما أدارها الشاعر احمد سراج . وتقع الرواية التي صدرت طبعتها الثانية مؤخرا عن "مكتبة الدار العربية للكتاب" بالقاهرة في ستمائة وأربعة وأربعين صفحة من القطع الصغير، حيث تدور أحداثها في أماكن أثرية فرعونية ومسيحية وإسلامية بمحافظة المنيا خلال سبعينيات القرن العشرين، وهي حافلة بشخصيات غريبة، تصنع مع بطلها "سمحان" عالما مدهشا، يتصاعد دراميا بشكل محكم، وبلغة عذبة. تدور الرواية حول رحلة خفير آثرى في التاريخ حين يناديه هاتف كل ليلة فيذهب خلفه إلى زمن بعيد، يخالط ناسه ويشهد على طقوسهم في الأفراح والأتراح، ويكشف الأساطير والصراعات والمكابدات التي يصنعونها في حياة مترعة بالتفاصيل، فتتاح له بهذا فرصة للمجاهدة والاجتهاد، فيما بعد، حتى يصير صوفيا ورعا يقع في حب فتاة كانت مشروع راهبة، ومعا يواجهان صلف الواقع، وهما يرتحلان في الزمان والمكان. وحدة الوجود يؤكد د. شاكر أن الرواية متعددة الدلالات وقد ظهر بها وحدة الوجود والعودة بعد الغياب كتيمات مستقاة من عالم الصوفية، كما أننا نجدها فى الفلسفة اليونانية. فى بداية الرواية نرى سمحان يفتح نافذة فيجد الجبل والمغارة اختفت ، وندور مع الرواية لننتهي من حيث بدأنا . ومن المشاهد الغريبة بالرواية تبادل الحراس مع بعضهم وبينهم عبد العاطى وسمحان. وهناك مشاهد تجدها تتكرر بالرواية لأنها تدل على معان محورية، وهناك سطوة للمكان ، لكن الراوي ركز على الأماكن المنعزلة والأوقات المتأخرة ليلا لتناسب الأجواء. تعود شخصيات بعد الموت لقلب الأحداث على هيئة أشباح نورانية ، وكأن الراوي يعمد لتأكيد وحدة الوجود بين الأحياء والأموات . كما يعمد د. عمار لاستحضار النباتات والحيوانات والطيور ضمن فكرة وحدة الوجود. واستحضار المقبرة الأثرية وما تحمله من دلالات وجودية هامة بحياتنا مسألة بغاية الأهمية بالرواية، والمقبرة هنا فرعونية حيث اعتقد المصري القديم أنه يبعث في اليوم الآخر ومعه احتياجاته فكان يدفنها معه . ويستطرد د. شاكر مؤكدا أن د. عمار لابد وأن يحسم الصراع برواياته بين الباحث والأديب. بين الواقع والخيال أما د. فتحي أبوالعينين فأكد أن الرواية تستحق القراءة، وهي مشحونة بالدلالات الفنية والجمالية. وتأمل الناقد خاتمة الرواية " بينما غاص جسده بين ضفاف الرمل ولم يبق سوى رأسه معلقا فى وجه الحديقة البعيدة القريبة رأى رجلا يشبهه يقف عند ناصية الأرض يلمم الريح فى عبائته ويجب الشمس من حباله الجبالية وسقط فى كفيه على بحر أصفر ناعم " ويقارنها بعبارة استهلال الرواية حين يفتح الخفير النافذة فيجد الجبر قد اختفى، وهنا أنت أمام رواية تمزج الواقع بالخرافة والسحر ، تربك الحواس بإبداعية عالية. الرواية تتميز بالنيل من التراث و النزعة الصوفية المتكررة بأعمال عمار حسن، كما تحتشد بها الأطروحات المعرفية التى تستحوذ على تأملات فلسفية ووجودية وواقعية هذا التنوع يخلق لدى المتلقى حالة من الدهشة . وتطرح الرواية التناقض بين التعصب والتسامح والشك واليقين ، والعقل والروح، وتقابلات كثيرة بحياتنا، كما نجد بالرواية إسقاطات سياسية على الوضع الراهن بمصر، بشكل بعيد عن المباشرة، وهو ما عرفناه قديما في "ألف ليلة وليلة" ومرورا بتراث الأدب والسينما . . رواية معرفة تقول د. هويدا صالح أن الكاتب منذ الإهداء قرر استنهاض روح المصريين ، وتتضمن متونا صوفية وفرعونية وشعبية مصرية ، وفلسفات عدة منها الاستنساخ ووحدة الوجود ، والتسامح بين الديانات . وأوضحت د. هويدا أن رواية المعرفة تقدم البحث والتوثيق في سياق العمل الأدبي، فتجد معرفة بتاريخ مصر والتصوف وعالم الحقيقة والعرفان والشريعة بالرواية . وترى الكاتبة أن سمحان ليس هو البطل ولكن ذلك الزمن القديم الذي وقف يحرسه . أما المدخل الجمالى فى الرواية فيتوفر بكثير من الجماليات السردية، والزمن دائرى وله سطوة حقيقية فى هذا النص. تمتاز الرواية بالرؤية الشاعرية للعالم ، وقد أراد الكاتب أن يبرهن على أن التعصب للأفكار لا يقتصر فحسب على المسلمين وإنما جميع الديانات . يذكر أن "جبل الطير" هي الرواية الثامنة لكاتبها بعد "باب رزق" و"شجرة العابد" و"سقوط الصمت" و"السلفي" و"زهر الخريف" و"جدران المدى" و"حكاية شمردل"، فضلا عن أربع مجموعات قصصية هي: "حكايات الحب الأول" و"أحلام منسية" و"عرب العطيات" و"التي هي أحزن"، وله كتابان في النقد الأدبي: "النص والسلطة والمجتمع" و"بهجة الحكايا" وقصة للأطفال بعنوان "الأبطال والجائزة"، إلى جانب ثمانية عشر كتابا في التصوف والاجتماع السياسي.