كشف الحريق الذي التهم الملهى الليلي "الصياد" صباح أمس الجمعة 4 نوفمبر، عن حالة الإهمال الشديدة التي تعاني منها الشوراع المصرية وما تحويه من محلات مخالفة، تفتقر لأقل درجات الأمان. الحريق الذي أودى بحياة 16 شخصا وإصابة العديد، كشف أيضا عن حالة الإجرام التي تتكرر يوما بعد يوم، ووصلت اليها فئة ضالة في المجتمع وتسببت في فقدان أرواح البشر، ناهيك عن الخراب والدمار الذي يسببونه بأفعالهم الشاذة التي لا ترقى للإنسانية بشئ وكل ذلك فقط بغرض الانتقام. وبخلاف الخمر والسُكر وفتيات الليل، فالملاهي الليلية بجوار التجمعات السكانية، باتت خطرا وقنبلة موقوتة للبلطجة والمشاجرات، ومحط انظار المتطرفين، مرفوضة من المحيطين بها لما تسببه من إزعاج وضوضاء، ومناظر خلاعة يخجل منها الكبار قبل الصغار. شبكة الاعلام العربية "محيط" تجولت في منطقة الحريق، في البداية كان المشهد مأساوي فالسواد يحيط بكل المكان وأتت النيران في الغالب على كل مكوناته، وبالرغم من أنها خُمدت، إلا أن رائحة الخمر وقد امتزجت بالدخان والنار تعطيك هواء نتنا يدخل الى أعماقك فتهرول بعيدا حتى لا تتقيأ. وبالانتقال إلى مشرحة مستشفى العجوزة العام، كان المشهد أكثر أسى فبعض السيدات من أقارب المتوفين افترشن المكان.. هذه تبكي وهذه هائمة في صمت وهذه تكلم تنادي على ابنها المتوفي "يا حبيبي يا إسلام أتيت لك بالفطار تعالي نفطر مع بعض". رجل آخر يبكي بحرقة "كان سندي وظهري في الدنيا"، وأخ يبكي أخيه "انكسرت بعد وفاته"، حالات الإغماء كثيرة رفضنا الجميع التحدث معنا فكان طريقنا مرة أخرى الى المكان المحترق للتعرف اكثر على المكان واستطلاع رأي المحيطين به. الأهالي: في داهية "أحسن في داهية ريحونا من قرفهم وقله الأدب"، بهذه الكلمات بدأت السيدة ميريان جرجس إحدى سكان العقار المجاور للملهى حديثها ل "محيط". قالت إنها كانت تشاهد أشكال غريبا في الليل، سكارى وفتيات ضالة ينزلن من التاكسي لاصطياد الرجال من داخل "الملهى". وبسؤالها لماذا يصمت الأهالي على مثل تلك الأماكن، قالت "تقدمت بأكثر من بلاغ إلى رئيس الحي ولم يستمع إليها إلا بعد المرة العشرين وقام بإغلاق المحل لأسبوع واحد، بعدها فوجئنا بأن المحل فُتح مرة أخرى"، وبالاستفسار علمنا أنه في مثل هذه الحالات يتم دفع غرامة 50 جنيها بعدها يعود المحل لنفس نشاطه طبقا لقانون المحليات. واكدت أن أغلب الملاهي الليلية بمنطقة المهندسين ذات سمعة سيئة، مناشدة رئيس الحي باغلاقها لحماية السكان مما تجلبه مثل تلك الأماكن من فشات ضالة يرفضها أغلب سكان المنطقة. مصطفى إبراهيم صاحب محل قطع غيار السيارات، قال إنه كان يغلق محله قبل بدء سهرة الملهى المحترق، حتى لا يتمكن من رؤية من يدخلون المكان. وأضاف في حديثه ل "محيط"، لا احد يستمع لشكوانا التي طالبنا فيها بغلق تلك الأماكن. وقال، إن صاحب ملهى "الصياد" أخذ تصريح بالخمر وتقديم الأطعمة فقط بمحله، إلا إنه يمارس ممارسات أخرى غير شرعية بعد منتصف الليلا، مضيفا، "كثيرا ما أرى فتيات خارجة من المحل شبه سكارى". محسن محمد بواب عمارة مجاورة للعمارة الموجود بها الملهى المحترق، قال، أشعر بالقلق على بناتي من وجود مثل هذا المحل بجانب العمارة، لذلك قمت بترحيلهم إلى البلد والجلوس هنا بمفردي حفاظا عليهم. ملاهي العجوزة ليست الأولى خلال جولتنا بالمكان قال لنا أحد القاطنين بالقرب من المكان، إن تغيير نشاط المحلات هنا يحدث كثيرا أيضا بمنطقة المهندسين، لافتا إلى أن مطعم سياحي بالمهندسين في غفلة من المحليات والقانون حول نشاطه إلي مطعم سياحي باسم "ك ر"، وبعد فترة تم تغييره إلي "ش ا"، ليصبح في غفلة من الزمن ملهي ليلي باسم "ا ج"، والمفاجئة ان كل ذلك تم بدون تغيير الرخصة من نشاط مطعم سياحي إلي ملهي ليلي. وأضاف أن المخالفات الأخلاقية والبيئية والإعلانية تحيط بالمكان، فالملهي الليلي به أصوات موسيقي الراب والديسكو، فضلا عن نوعيات المترددات عليه من فتيات الليل وهيئتهم التي تنافي الذوق والأخلاق العامة، إضافة إلى السكر والعربدة التي يخرجون بها في حماية "البودي جاردات". المهندس مكرم نبيل من شارع سوريا قال إن أصحاب الملاهي الليلية فتحوا بعض فتحات التهوية علي المداخل الخاصة بالعمارات السكنية المجاورة لهم, وهو ما يلقي بالأدخنة والروائح طوال الليل على الداخلين والخارجين من تلك العمارات, بالإضافة إلي مد أسلاك كهربائية مكشوفة متهالكة وهو ما يسبب مخاطر لكل المارة و العقارات المجاورة. واوضح أن أصحاب تلك الملاهي قاموا بعمل لوحات خشبية إعلانية بارزة أكثر من متر ونصف علي العقارات المجاورة لهم، وبها كشاف إضاءة غير متناسق الأضواء وهو ما يؤذي كبار السن، ويشوه المنظر العام لمدخل العقار ناهيك عن السمعة السيئة. وأكد انه نتيجة صمت أهالي العقارات وخوفهم من سطوة أصحاب تلك الملاهي امتد الأمر إلي وضع إعلانات أخري في مدخل العقار الملاصق للملهي الليلي، رغم وجود قانون يحظر الإعلانات بهذه الطريقة الشاذة المخالفة للجمال والذوق الحضاري لمنطقة المهندسين، وهو ما يجعل من المستحيل العيش في المكان وسط هذه الإهانة الأخلاقية والحقوقية. ونوه في حديثه أيضا بأن أصحاب الملاهي ركبوا عددا من التكييفات عالية الأحمال الكهربائية نتج عنه ارتفاع حرارة الجو جدا أمام الغرف المجاورة للملهي الليلي مما تسبب في التلوث البيئي والهوائي. مكتب السياحة: ممنوع نتكلم شبكة الاعلام العربية "محيط" توجهت لمكتب ترخيص السياحة بشارع عدليبمنطقة وسط القاهرة للاستفسار عن مثل تلك الأنشطة وكيف يتم تغييرها بدون ترخيص بذلك فكانت الإجابة "ممنوع نتكلم للصحافة". إحدى المسؤولات طلبت عدم ذكر اسمها قالت "إنها غير مصرح لها بالحديث مع الصحافة"، وعندما قلنا إن معنا شكاوى بالأرقام ومثبتة ممن قدموها، قالت إن الشكاوى يتم رفعها لوزارة السياحة. وأضافت أنه تم توجيه ثلاثة دوريات تفتيشية للوقوف علي حجم المخالفات الإدارية بالمنطقة وجاري اتخاذ القرارات بشأن هذه المخالفات. وبخصوص حادث ملهى "الصياد" قالت أنه ليس للمكتب علاقة بترخيص السياحة ومعايير الجودة والبيئة التي يعطي المكتب علي أساسها الترخيص والحادث جنائي والتحقيقات هي الفيصل في الأمر. وكان حريق قد شب في أحد الملاهي الليلية بمنطقة العجوزة، بعد قيام شخصين باطلاق زجاجات المولوتوف على مدخله، وأسفر عن مقتل 16 شخصا وإصابة آخرين.