البابا تواضروس يستقبل رئيس وزراء صربيا    قيادي بحزب مستقبل وطن: مشروع قانون الإيجار القديم خطوة لتحقيق التوازن بين المالك والمستأجر    حزب الدستور يثمن بيان مصر أمام الأمم المتحدة ويشيد بالدبلوماسية المصرية العريقة    مرموش يقود هجوم مانشستر سيتي أمام الوداد المغربي في مونديال الأندية    منتخب شباب اليد يفوز على السعودية ببطولة العالم    ما هو موعد نتيجة الشهادة الإعدادية في شمال سيناء؟    لوفتهانزا تمدد تعليق رحلاتها الجوية للشرق الأوسط بسبب الحرب الإسرائيلية الإيرانية    رصاص الاحتلال يخترق طوابير المساعدات الإنسانية في غزة    اهتمام دولي متزايد بالاستثمار في قطاع الغزل والنسيج المصري    إزالة 7441 حالة تعدٍّ على أملاك الدولة في حملات موسعة خلال أسبوع    مصطفى يونس يهاجم ريبيرو بسبب زيزو.. ماذا قال؟    قوافل الرحمة والمواساة تواصل نشاطها بأوقاف الفيوم بزيارة لمستشفى سنورس المركزي.. صور    سقوط ديلر مخدرات شبرا الخيمة في قبضة مباحث القليوبية    الإعدام لربة منزل لاتهامها بقتل أم ونجلها بالقليوبية    لتصوير السيدات داخل دورة المياه.. القبض على عامل بكافيه في الدقي    حميد الشاعري يعود إلى روتانا بعقد جديد وخطة غنائية تستهدف الجيل الجديد    هنداوي: فخور بكل ممثل في «فات الميعاد».. الالتزام كان كلمة السر | خاص    «احتسبه مع الأبرار».. الموسيقار صلاح الشرنوبي يرثي نجله بكلمات مؤثرة    الغربية.. ضبط سيارة نقل محملة ب236 أسطوانة غاز منزلي مدعم قبل تهريبها    محافظ المنيا يطمئن على توافر المخزون الاستراتيجي للسلع الأساسية    شوبير يوضح حقيقة عرض الدوري الأمريكي لوسام أبو علي: لا مفاوضات رسمية حتى الآن    حصريا ولأول مرة.. قناة النيل للأخبار في هيئة الرقابة النووية المصرية    ملتقى القضايا المعاصرة بالجامع الأزهر: الأمة اليوم أحوج ما تكون إلى استعادة تماسكها وتوحيد كلمتها    مدينة الدواء تطلق الموجة الثانية من برنامج Partners في الزقازيق    174 ألف طن.. محافظ القليوبية يتابع إزالة كميات هائلة من المخلفات أسفل محور العصار    دول الخليج تدين وتستنكر الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي الإيرانية    "تعليم دمياط" تضبط بوصلة التحويلات المدرسية إلكترونيًا لضمان الانضباط وتيسير الإجراءات    الإسماعيلي ليلا كورة: أحمد العجوز يقود الفريق لحين حسم ملف المدير الفني    الرقابة المالية تحدد الشروط والمعايير المطلوب توافرها بأعضاء مجالس إدارة شركات التأمين أو إعادة التأمين والإدارات التنفيذية لها    ب290 دينار شهريا.. بدء اختبارات المتقدمين للعمل بمهنة «تربية الدواجن» في الأردن (تفاصيل)    جامعة بني سويف بالمركز ال 676 في تصنيف «يو إس نيوز»    المخرجة سارة وفيق تكشف عن مشاريع درامية في مرحلة الفكرة مع تامر حسني    مركز منع انتشار الأسلحة النووية: لا أدلة تثبت امتلاك إيران سلاح نووى    البورصة المصرية تربح 1.2 مليار جنيه في ختام تعاملات الأربعاء    ضبط نصف طن لحوم ودواجن مجهولة المصدر في حملات رقابية بالشرقية    تقديم خدمات طيبة علاجية مجانية ل 189 مريضا من الأولى بالرعاية بالشرقية    فليك يجتمع مع شتيجن لحسم مصيره مع برشلونة    خبيرة الطاقة: «الساعة الذهبية قبل مغرب الجمعة» طاقة روحانية سامية    حكم ضمان ما تلف فى يد الوكيل من أمانة.. دار الإفتاء تجيب    محافظ المنوفية: مليار و500 مليون جنيه استثمارات في قطاع التعليم قبل الجامعي خلال ال6 سنوات الأخيرة    الصحفيين تستقبل حجاج النقابة بمطار القاهرة عقب عودتهم من الأراضي المقدسة (صور)    أمين الفتوى: الأمانات بين الناس لا تسقط بالوفاة ويجب أداؤها لأصحابها أو لورثتهم    السحر والسحالى    الأمم المتحدة تدين إطلاق النار على مدنيين يبحثون عن الطعام في غزة    توقيع الكشف الطبي والعلاجي المجاني ل 1000 مواطن في قافلة طبية بأسوان    التشكيل المتوقع لقمة ريال مدريد ضد الهلال السعودى في كأس العالم للأندية    بعد الموافقة النهائية من «الإسكان».. تفاصيل عقود الإيجارات القديمة التي تطبق عليها التعديلات    جدول مباريات محمد صلاح مع ليفربول في الدوري الإنجليزي.. بداية نارية    الصحة: إصدار أكثر من 18 مليون قرار علاج على نفقة الدولة خلال 5 سنوات    الأرصاد تكشف عن ارتفاع درجات الحرارة ابتداء من الجمعة    صحة إسرائيل: 94 مصابا وصلوا إلى المستشفيات الليلة الماضية    تراجع تاريخى.. أسعار الرحلات بين أوروبا وأمريكا تصل لأدنى مستوياتها    وكيل لاعبين: الزمالك أهدر 300 مليون جنيه من صفقة انتقال "زيزو" ل نيوم السعودي    كاد يكلف صنداونز هدفا.. تطبيق قانون ال8 ثوان لأول مرة بكأس العالم للأندية (صورة)    ترامب يختتم اجتماعه بفريق الأمن القومي الأمريكي وسط تصاعد الصراع بين إسرائيل وإيران    أطفال الغربية تتوافد لقصر ثقافة الطفل بطنطا للمشاركة في الأنشطة الصيفية    الكشف المبكر ضروري لتفادي التليف.. ما علامات الكبد الدهني؟    الشيخ أحمد البهى يحذر من شر التريند: قسّم الناس بسبب حب الظهور (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«أفغنة» سورية... خيار روسيا وإيران بعد الاتفاق النووي
نشر في محيط يوم 17 - 09 - 2015

استغرقت المساعي الروسية بضعة أسابيع، أو طرفة عين فحسب، لتعود موسكو بعدها الى ما كانت عليه دائماً بالنسبة الى سورية. كلّ الرهانات على دور روسيا في ترتيب ظروف الحل السياسي وسط رضا ومباركة اميركيين، وكلّ اللقاءات التي جعلت منها محجّة للنظام والمعارضة وايران وسائر الدول المعنية، سقط سقوطاً هائلاً. ليس فقط لأن موسكو كانت في الأثناء تبني قاعدة جوية جديدة اتُّخذ قرارها قبل شهور، بل لأنها أوحت بأنها تقود «وساطة» سياسية بالأصالة عن نفسها وبالوكالة عن اميركا، لكنها جعلت من هذا السراب غطاءً لتدشين مرحلة تصعيد جديد في الحرب الدائرة. كان هذا التطوير للتدخل والوجود الروسييَن في سورية متوقعاً، ولم يكن السؤال هل يحصل وكيف بل متى، وقد جاءت الاجابة حين بات نظام بشار الأسد على وشك الانهيار، ولا يطمح الروس لإنقاذ النظام فحسب، بل أيضاً لإعادة تأهيله.
خرجت واشنطن من انكفائها لتعلن «قلقها» من النشاط الروسي المتنامي، ولا أحد يصدّق أنها فوجئت به، أو أنها لا تعرف أهدافه. لكن هل مردّ هذا «القلق» الى أن موسكو تجاوزت الإطار المتفق عليه، أم الى خدعة روسية اخرى. والأهم، ماذا بعد «القلق»؟ قال الأميركيون أن التدخل العسكري الروسي سيشكّل تغييراً جدّياً في مسار الصراع في سورية وسيجعل من أي تعهد روسي بإيجاد حل سياسي محلّ شك، ما يعني إمكان سحب «تفويض» اميركي بهذا الشأن، لكن الروس أثبتوا أنهم غير مبالين بذلك وأنهم يعملون وفقاً لخططهم التي تتلاقى أكثر مع خطط ايران، خصوصاً أن الطرفين يتقاسمان الوظائف والمصالح في سورية. وقال الأميركيون ايضاً، في ما يشبه التحذير، أن أي عمليات جوية روسية قد تتقاطع سلباً مع عمليات «التحالف الدولي» الجارية ضد تنظيم «داعش».
ردّ الروس بإبداء استعدادهم ل «التنسيق» في اشارة الى أنهم باتوا فارضين أنفسهم على «التحالف» الذي استُبعدوا عنه، ولم يكتفوا بذلك بل دعوا الاميركيين الى التنسيق مع نظام الاسد ضد «داعش»، وخلال بضعة أيام تناوب مسؤولون روس على تكرار أن قوات النظام هي الأكثر قدرةً على محاربة التنظيم الإرهابي.
وهكذا أعاد التدخل العسكري الروسي المباشر الولايات المتحدة الى الواقع السوري الذي دأبت على التهرّب منه بإلقاء المسؤوليات والتكليفات على الآخرين. وفي ضوء ذلك يمكن فهم الاندفاعين المتأخرين لبريطانيا وفرنسا للمشاركة في ضربات جوية في سورية، وكذلك التغيير الذي أدّى الى انضمام تركيا الى جهود «التحالف» والاعلان عن «حرب شاملة» وشيكة ضد «داعش». صحيح أن هذه الدول استندت الى ذرائع شتّى (عملية التفجير في سوروش التركية، مجزرة السياح البريطانيين في تونس، هجمات «داعش» في فرنسا) لتبرير مواقفها وقراراتها، إلا أن الحراك الروسي كان عنصراً حاسماً في اقناع حلفاء اميركا بالمشاركة. بل ان بدايات التدخل الميداني الروسي كانت الدافع الرئيسي لزيارة جون كيري المفاجئة للقاء فلاديمير بوتين في سوتشي (ايار/ مايو الماضي)، رغم القطيعة، وكذلك ما تبعها من تنشيط للتشاور مع وزيري الخارجية، وصولاً الى لقائهما المشترك في الدوحة مع نظيرهما السعودي. فهذه كانت محاولات - أخيرة؟ - لجذب روسيا واغرائها ببعض الصفقات لإقناعها ب «قيادة» حل سياسي في سورية، مع تليين بعض الشروط المتعلقة بمصير الاسد شخصياً فضلاً عن رموز نظامه.
في الأصل، لم تكن روسيا مؤهلة لمثل هذا الدور، لأنها طرف في الصراع، أو بالأحرى نصف طرف شريك للنصف الآخر الايراني، وكلاهما يدير شؤون النظام الذي يعرفان قبل سواهما أنه لم يعد أكثر من واجهة لهما. هذان شريكان متلازمان، يحتاج كلٌ منهما الى الآخر، ولا يستطيع أيٌ منهما الاستئثار وحده بالنفوذ على سورية النظام التي كانت، مع البرنامج النووي، من أبرز عوامل تعميق العلاقة الروسية - الايرانية. وبالنسبة الى روسيا لم تكن سورية النظام يوماً مفيدة ومجدية كما أصبحت في حقبتها الايرانية. لذلك، لم ولن يكون متوقّعاً أن تعتمد موسكو أي سياسة في سورية من دون موافقة طهران، ثم انها مقرّة بأن الطبيعة «المذهبية» لعلاقة ايران مع النظام والاستثمار الضخم الذي بذلته في سورية جعلاها أكثر قدرة على توجيه الاسد وأجهزته، بل أكثر كفاءة في التخطيط وفي ادارة الصراع.
وفوق ذلك يأتي التوافق الاستراتيجي المزمن بين روسيا وايران على مواجهة الولايات المتحدة، وما دام الاتفاق النووي يفتح أمام النظام الايراني أو جناح منه خيار الانفتاح على اميركا فهذا دافع آخر لروسيا كي تتمسّك بالشراكة في سورية، الموقع الاستراتيجي الأكثر أهمية حالياً لايران بعد العراق، ولتضمن حصتها من الصفقات الايرانية المزمعة بعد رفع العقوبات. في المقابل، ترافق الاتفاق النووي مع دعوة اميركية لإشراك ايران في حل أزمات المنطقة بالإضافة الى إشراك العرب، تحديداً المملكة العربية السعودية. ومع تنشيط التشاور الاميركي - الروسي واعطاء روسيا دوراً «قيادياً» لمعالجة الأزمة السورية اعتبرت ايران أن وجود طرف عربي سيهدّد مصالحها في التسوية وفقاً للسيناريو الذي يناسبها، ويفترض أن يناسب أيضاً مصالح روسيا. لذا وجب على الأخيرة أن تحدّد وجهتها.
كانت موسكو حسمت موقفها منذ الربع الأول للسنة الحالية مع توالي الانتصارات التي حققتها فصائل المعارضة السورية ضد النظام، لكنها كانت تبحث عن خطة شاملة ومتكاملة تستطيع الدفاع عنها لتبرير تدخلها المباشر بإرسال آلاف من العسكريين مع أسلحة وصواريخ متطوّرة لا تريد تسليمها الى السوريين، أو الى الايرانيين الذين يملكون الخطة المناسبة لكن تماسّهم مع الاميركيين في العراق حال دون تنفيذها، وقد طرحوها أيضاً بالنسبة الى سورية، اذ دعوا مراراً الى تعاون «التحالف الدولي» مع نظام الأسد. اذاً، فعنوان الخطة هو محاربة «داعش» ودعم النظام ضد الإرهاب، أما مضمونها فمختلف تماماً لأن الشركاء الثلاثة (روسيا وايران والأسد) يعتبرون المعارضة مجموعات إرهابية، أي أن الهدف من التدخل الروسي يرمي أولاً الى ضرب المعارضة لإحداث تغيير ميداني واضح لمصلحة النظام وبالتالي استكمال اعادة تأهيله بطرحه شريكاً في الحرب على «داعش»، فإذا لم توافق اميركا نظراً الى معارضة شركاء عرب وغير عرب، فإن «التحالف الثلاثي» سيستند عندئذ الى اتفاق مع حكومة الأسد «الشرعية» ليضرب «داعش» من دون التنسيق مع «التحالف الدولي».
هذا لا يعني أن روسيا أسقطت «الحل السياسي» من حساباتها، بل أنها وايران متفقتان على اسقاط المعارضة الحقيقية من أي حل لتستعيضا عنها بالمعارضة «المدجّنة» في الداخل، أو ما بات يُعرف ب «معارضة موسكو» و «معارضة القاهرة» في اشارة الى الذين شاركوا في لقاءات نظّمت في العاصمتين لمعارضين اختيروا بعناية دمشق وطهران وموسكو وتعهّدت الأخيرتان ضمان الأمن الشخصي لمن اختارتهما. وبالطبع سيستخدم التقارب بين القاهرة والاسد لإضفاء «شرعية» عربية لأي ترتيبات سياسية يمكن التوصّل اليها على أساس بقاء الاسد ونظامه مع حكومة يشارك فيها هؤلاء المعارضون، من دون أن تُعتبر «انتقالية». غير أن الروس والايرانيين يعرفون، وكذلك المصريون، أن هذه لا تشكّل تسوية دائمة من دون «شرعية» المعارضة التي لا تزال ممثلة ب «الائتلاف»، ومن دون مشاركة كبيرة من الكوادر المستقلّة، وبالتالي فهي لا تعني أن الاسد سيتمكّن من قيادة البلد الى الاستقرار.
اختارت روسيا اذاً التحالف مع ايران على التقارب مع اميركا، واختارت أن تتقدّم لحماية مصالحها بشراكة مع الاسد وايران وبقاعد جوية مستحدثة، غير مهتمة بأي ضمان اميركي لهذه المصالح. لكن الأخطر أنها اختارت المسار التقسيمي الذي رسمته دمشق وطهران، باعتباره الضامن الوحيد لمصالح «الثلاثي». لكن السيناريوات المقفلة كهذه لا تسهّل التسويات الدولية بل تؤخّرها، وبالتالي فإن التدخل الروسي سيشعل «أفغنة» الصراع ويؤججها، لأن ادخال أسلحة متطوّرة لحسم الصراع لمصلحة طرف سيدفع الى مدّ الطرف الآخر بأسلحة مكافئة، إلا اذا كانت روسيا تتحرك بموافقة اميركية في نهاية المطاف.
نقلا عن "الحياة" اللندنية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.